نخبة بوست – بنى الأردنيون معادلة استقلال وطنهم على قاعدة؛ “يدٌ تحمي ويدٌ تبني” كان هذا منطلق الدولة الأردنية الحديثة، التي وُلدت قبل قرن ونيّف، مع لهيب ميسلون.
عام 1921، نشأت الدولة الأردنية في ظروف محلية وإقليمية ودولية معقدة؛ حيث العالم يعيد تشكيل نفسه على وقع نتائج “الحرب العظمى”، ودولة الخلافة التي حكمت المنطقة وأجزاء من العالم تلفظ آخر أنفاسها العثمانية، وسايكس بيكو يرسم مناطق نفوذه ويتقاسم تركة الرجل المريض؛ وحيث بلفور يمنح وعده بما لا يملك. محلياً، خرجت البلاد من تحت الحكم التركي، وخسرت حلمها الفيصلي بوحدة البلاد الشامية، وقد حملت أعباء قرون من الإهمال والتجهيل وأخيراً؛ التتريك.
قامت الدولة الأردنية، أولاً، تحت مسمى “إمارة الشرق العربي”، عندما التقى المشروع الهاشمي النهضوي الثائر بإرادة الأردنيين، وصافح آمالهم الوحدوية بدولة النهضة والتحرير. بعد عامين، بالتمام والكمال، وفي الخامس والعشرين من أيار، 1923، حصل الأردن على استقلاله الأول، تحت اسم إمارة شرق الأردن، ولكن تحت ظل الانتداب البريطاني وقيوده، وبرصيد من البنية التحتية لا يتعدى بضع مدارس ومراكز صحية تعد على اليد الواحدة، وإدارة عامة تقتصر على ثلاث بلديات رئيسة، وحياة سياسية شبه معدومة، وتشريعات تعود لحقبة الحكم التركي، أضف إلى ذلك نسبة أمية تتجاوز التسعين بالمئة.
بعد أقل من ستة أعوام على الاستقلال الأول، وصلنا إلى العام 1929، وكان في رصيدنا؛ عشرات المدارس، للإناث والذكور، تتوزع في أنحاء البلاد، مستشفيات رئيسية، قانون أساسي للبلاد، مجلس نواب منتخب انتخاباً نزيهاً ومباشراً، حكومة نصف برلمانية، قضاء مستقل، صحافة حرة، معارضة وطنية وحزبية مسؤولة، حركة أدبية مزدهرة، قوانين صحة تلزم تسجيل المواليد والوفيات، وزارة مستقلة للآثار العامة، وشبكة بريد وبرق ومواصلات.
خلال ثمانية أعوام من تأسيس الإمارة، أنجزنا نواة الدولة، وبدأنا مشوار الاستقلال الناجز التام، استقلالاً مستحقاً، هو ثمرة البناء والتنمية. استقلالاً انتزعناه في 25 أيار 1946، بالالتفاف حول القيادة الهاشمية النبيلة ورسالتها ورهاناتها الدولية، لنشهد ولادة المملكة الأردنية الهاشمية؛ “خيمة للظل والطلّ وداراً للكروم”. معادلة بناء الأردن واستقلاله، لخّصها الشهيد وصفي التل بـ”مجتمع قرطاجنة”؛ حيث “يدٌ تحمل السلاح وأخرى تحمل الفأس”.
في عيد الاستقلال، نجدد عهدنا مع الأردن الغالي وقيادته النبيلة، ونقف إجلالاً واحتراماً للجيش العربي المصطفوي درع الوطن، وصاحب الأيادي البيضاء في مسيرة الدفاع والتنمية، ونؤكد؛ وطن نحميه، وطن نبنيه، هو وطن نستحقه.