نخبة بوست – رولا أبو رمان
مع بدايات الصباح؛ ينهض مجموعة من الشباب بروح متفائلة وآمال تتجدد مع كل شروق، على أمل أن يجلب لهم اليوم الجديد ما هو أفضل من الأمس.. هؤلاء الشباب، الذين يعانون من البطالة وندرة الفرص، قرروا أن لا يستسلموا للظروف القاهرة، بل أن يخلقوا فرصهم بأنفسهم.
شباب وجدوا في مهنة توصيل الطلبات بابًا للأمل ينطلقون منه كل صباح، حيث يتجمعون أمام المطاعم والمحال، كلٌ حاملًا صندوقه الذي يضم طلبات الزبائن، كل طلب يمثل لهم تحديا جديدا وفرصة لإثبات الذات؛ يواجهون الطرقات والزحام.
ومع كل تسليم يتجدد الأمل في أن هذا الجهد لن يذهب سدى؛ لكل واحد منهم قصة تختلف عن الآخر، قصص تحكي عن تحديات تم تجاوزها وعن طموحات لا تزال تتغذى بكل نجاح صغير؛ هكذا يمضون في يومهم، بين الشوارع والأزقة، يغذون آمالهم بكل طلب ينجزونه ويخلقون لأنفسهم مستقبلا يُرتجى في عالم يزداد تعقيدا، لكنهم يؤمنون أن العزيمة والإصرار قادران على تحويل التحديات إلى فرص ذهبية.
لا نجاح في الحياة دون جهد وتعب
قيس الخريسات، طالب جامعي ما زال يجلس على مقاعد الدراسة، يعمل بجد لإعالة عائلته، إلا أن ضيق الوقت وعدم القدرة على الموازنة بين عمله ودراسته قد شكلا تحديًا كبيرًا أمامه.
في البداية، بدأ تحصيله العلمي يتراجع، لكنه رفض أن يسمح لتحدي الوقت أن يطغى على آماله، بل حوّل تحدياته إلى دافع يستمد منه قوته. يقول قيس “مع مرور الوقت، علمني عملي في توصيل الطلبات كيفية إدارة الوقت بفعالية، وأصبحت قادرًا على الموازنة بين دراستي وعملي”.
يتابع قيس حديثه عن تحديات يومه، متنقلاً بسيارته في شوارع عمان، وهو يستمتع بممارسة هوايته في القيادة، وفي الوقت نفسه، يحمل على عاتقه مهمة إيصال الطلبات لأصحابها بكل جد وتفانٍ؛ خلال سعيه اليومي، يجد قيس نفسه أحيانًا أمام أزمة سير خانقة قد تؤخر وصول الطلب إلى وجهته، مما يدفع الزبون إلى الامتعاض أو الغضب، وقد يلجأ في بعض الأحيان إلى إلغاء الطلب أو رفض استلامه، مما يضع قيس أمام موقف حزين لأنه سيتكبد عبءًا ماليًا إضافيًا دون ذنب.
يسابق قيس الزمن، فبعد خروجه من الجامعة يبدأ بالعمل حتى ساعات الليل المتأخرة، ثم يعود إلى البيت ليكمل دراسته، متمسكًا بمقولة “لا نجاح في الحياة دون جهد وتعب.'”
مهنة التوصيل هل أصبحت بديلا للوظيفة!؟
أصبحت مهنة التوصيل الملجأ الوحيد للعديد من الشباب، ولعل اللافت للنظر هنا أن فئة لا بأس بها منهم، تحمل شهادات جامعية، ومع ذلك فإن اللجوء لمهنة التوصيل بدلاً من البحث عن وظيفة في مجال آخر أصبح خيارهم الوحيد.. هذا هو حال الشاب راكز الغنانيم (29 عاماً)، الحاصل على شهادة بكالوريوس في التغذية ودبلوم في الصحة العامة.
لجأ راكز إلى مهنة التوصيل كوظيفة ثانوية في البداية، على أمل الحصول على وظيفة في القطاع العام تضمن له مستقبلاً واعداً؛ لكن، باتت هذه الوظيفة الرئيسية التي يعيل منها أسرته، ويقول “تم استبعادي من المنافسة على وظيفة حكومية على الرغم من نجاحي في الامتحان التنافسي في ديوان الخدمة المدنية وحصولي على أعلى الدرجات”.
يتساءل راكز “ما فائدة الحصول على شهادة جامعية؟” وهو يحمل أحلامًا كثيرة، منها فتح عيادته الخاصة، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها، يعتزم مواصلة العمل في توصيل الطلبات حتى يتمكن من دراسة الماجستير وفتح عيادته. ويضيف”المردود المالي أهون من لا شيء، لكني بحاجة إلى دخل عاجل”.
يفكر راكز مرارا في البحث عن فرصة عمل في القطاع الخاص، لكنه بحاجة إلى وظيفة تدر عليه الدخل فورًا، بالإضافة إلى متطلبات القطاع الخاص التي تشمل خبرة مسبقة وتكاليف التدريب التي لا تستطيع أسرته تحملها، كما يعتقد أن من الأسباب التي تمنعه من العمل في القطاع الخاص هو سيطرة الإناث على الوظائف في قطاع التغذية، على حد قوله.
ومع كل يوم جديد، يستقبل راكز تحديًا جديدًا مع كل طلب، وعندما يهم بالرحيل، يقول “أفضل أن يدفع الزبون نقدًا بدلاً من استخدام الفيزا”، فمن وجهة نظره يحد الدفع نقدًا من عمليات التحايل والنصب، مقارنة بالدفع عن طريق البطاقات، حيث تميل الشركة دائمًا إلى اعتبار الزبون على حق حتى وإن تعرض الموظف للاحتيال وتحمّل الخسائر.
أبو نجمة: تأثيرات البطالة في المراحل المبكرة من حياة الفرد تؤثر على فرصه المستقبلية
على صعيد متصل، تشكل ظاهرة البطالة تحدياً كبيراً للأردن، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 418.4 ألف متعطل، وإذا أردنا تعريف البطالة، يجب التفريق بين فئتين: المتعطل القادر ويبحث عن العمل، والمتعطل الذي لا يبحث عن العمل رغم قدرته.
وتتمثل أسباب البطالة في التأثيرات والتغيرات السياسية والاقتصادية سواء كانت عالمية أو إقليمية، فالأردن ليس بمنأى عن التأثر بالأزمات العالمية في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، فجميعها تؤثر على الوضع الداخلي في الأردن بشكل أو بآخر.
أما بالنسبة للأسباب الداخلية لتفاقم أزمة البطالة في الأردن، يقول المحامي حمادة أبو نجمة، رئيس مركز “بيت العمال للدراسات”، إن التزايد في نسب البطالة يرجع إلى نوعية التعليم وعدم ملاءمته لمتطلبات السوق، إلى جانب النمو الاقتصادي ومدى جاذبية الوظائف في القطاع العام من حيث الاستقرار والأمن الوظيفي بالمقارنة مع الوظائف في القطاع الخاص.
فبدلاً من حصر مسببات البطالة بالأزمات والأوضاع المحيطة، يجب على الأردن أن يبذل المزيد من الجهود وأن يضع رؤى وسياسات لمعالجة هذه الاختلالات وللحد من تفاقم الأزمات.
وأوضح أبو نجمة أن علاج المشكلة يبدأ بتبني منهاج إرشاد مهني ووظيفي يتماشى مع المسار التعليمي للطلبة، يبدأ من مرحلة التعليم الأساسية ويمتد للمرحلة الثانوية وصولاً للتعليم العالي وانتهاءً بالتحاق الطلبة بسوق العمل، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية، أو في مسار التدريب المهني لمن يختار التوجه إليه في أي مرحلة من المراحل التعليمية، مؤكدا ضرورة تمكين مؤسسات القطاع الخاص المتأثرة ودعم وصولها إلى الموارد المنتجة بما في ذلك التمويل وإمكانية الوصول إليه، توفير خدمات تنمية الأعمال وفرص التدريب، وتحفيزها على النمو والاستمرار.
وأشار إلى أن تأثيرات ظاهرة البطالة في المراحل المبكرة من حياة الفرد تؤثر على آفاق فرص العمل طوال فترة حياته العملية، كما أنها تمثل مصدراً لعدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي للشباب.
البطالة طويلة الأمد (سنة واحدة فأكثر) تمثل النسبة الأكبر بين المتعطلين الشباب، وهي نسبة تثير القلق، كما أن معظم الشباب العاملين يحصلون على أجور دون المتوسط، ويعمل معظمهم (ذكوراً وإناثاً) بين 40 إلى 49 ساعة أسبوعياً، وما يقرب من ربعهم يعملون أكثر من 60 ساعة في الأسبوع.
ولفت أبو نجمة إلى إنه لا توجد أي دراسات رسمية متخصصة لقياس وتقييم مدى تأثير السياسات التي تتبعها الحكومة للحد من البطالة بشكل عام وبطالة الشباب بشكل خاص، ومنها التوجه نحو إحلال العمالة الأردنية مكان العمالة الوافدة، ورفع قيمة تصاريح العمل والغرامات التي انقلبت إلى كلف زائدة على المواطنين والمؤسسات، وتسببت في مشاكل للقطاع الخاص في توفير العمالة اللازمة لأداء أعمالها.
وتشير أحدث البيانات إلى وجود نحو 418.4 ألف أردني عاطل عن العمل، من مجموع القوى العاملة الأردنية التي قوامها 1.9 مليون عامل، وقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب الأردنيين ممن تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 سنة حوالي 46%، حيث تضاعف معدل البطالة الإجمالي خلال السنوات الأخيرة من 11.9% في عام 2014 إلى 22.8% في عام 2022، وانخفض إلى 22% في عام 2023.
وبلغت نسبة البطالة عند الذكور 18.9% خلال الربع الرابع من عام 2023 مقابل 29.8% للإناث، كما أظهرت الدراسات أن نسبة البطالة بين المتعلمين بلغت نحو 47% بين حملة درجة الدبلوم والبكالوريوس فأكثر، فيما يتعلق بالبطالة “طويلة الأمد”، هناك ما يقرب من 50% بلغت مدة تعطلهم أكثر من 11 شهراً، وحوالي 180 ألف متعطل لم يسبق لهم العمل.
توصيل الطلبات.. مهنة تواجه البطالة
يعتبر توصيل الطلبات من المهن التي أسهمت في مواجهة البطالة وتأمين لقمة العيش لشباب يواصلون سعيهم الدؤوب بالمثابرة والاجتهاد، محوّلين تحدياتهم إلى آمال تفيض في نفوسهم، شباب يقدر عددهم بـ 25 ألف تؤمن مهنة التوصيل مصدر دخلهم الأساسي، لذا يتعيّن على الجهات المختصة تنظيم هذا القطاع واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من التجاوزات والانتهاكات التي يشهدها “توصيل الطلبات”.