نخبة بوسترولا أبورمان

أثارت حادثة سقوط طائرة رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، وبالرغم من مرور بعض الوقت على هذه الحادثة، إلا أنها لا زالت تحظى باهتمام الكثيرين، لا سيما المهتمين بمعرفة المزيد عن تفاصيل هذه الحادثة وحيثياتها. وبحسب آراء الخبراء والمحللين، تعتبر هذه الحادثة مؤشراً مهماً على الوضع الداخلي في إيران وقدرتها على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية، كما ألقت الضوء على العديد من القضايا المتعلقة بالأمن والقدرات التقنية والاقتصادية لإيران. في هذا التقرير سنناقش عن كثب سيناريوهات الحادثة، ردود الأفعال، وما إذا كانت تكشف عن ضعف أو قوة النظام الإيراني.

شحادة: هناك ضعف لدى السلطات الإيرانية

وفي هذا الصدد، قال الباحث والمحلل السياسي د. مروان شحادة إن سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أظهر ضعفاً لدى السلطات الإيرانية في عمليات الإنقاذ وعدم قدرتها على الحفاظ على سلامة رموز الدولة، لافتا إلى أن عدم تقدير الطيار للظروف الجوية الصعبة آنذاك قد تسبب بسقوط الطائرة.

وأشار شحادة إلى أن عدة دول أبدت استعدادها لتقديم المساعدة لإيران لكنها اكتفت بالطائرة التركية، نظراً لوجود حالات من الصدام مع الكثير من الدول وحالة من عدم الثقة في الدول الأخرى كالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. والمستغرب في الأمر أنها لم تستعن بحلفائها الاستراتيجيين مثل روسيا والصين، بل وضعت ثقتها في تركيا.

وأكد شحادة أن الطائرة التركية وخلال فترة وجيزة نجحت في الوصول إلى مكان تحطم طائرة الرئيس، خصوصاً وأن مسار الطائرة كان معروفاً، لكن الغابات والظروف الجوية الصعبة (الثلوج والضباب الكثيف على مستويات منخفضة) حالت دون سرعة وصول الإيرانيين إلى مكان الحادثة.

العقوبات الأمريكية على إيران سبباً.. ولكن

وأضاف شحادة “لا شك أن الحصار الدولي على إيران في كافة المجالات الاقتصادية، العسكرية، الأمنية، والسياسية منذ عام 1979 وحتى هذه اللحظة، انعكس بشكل سلبي على موضوع صيانة الطائرات وتطوير المعدات والتقنيات”. لافتاً إلى أنه لا يُسمح لإيران بامتلاك مثل هذه المعدات التكنولوجية فائقة التقدم والتطور حتى لا تستخدمها لأغراض عسكرية.

وقال شحادة إنه رغم أن هناك دول تزود إيران بمعدات وطائرات حديثة ومعدات ملاحة لظروف مختلفة وكاميرات تحديد المواقع، إلا أن الحصار أسهم إلى حد كبير في ضعف الإمكانات في عمليات البحث والإنقاذ. لذلك استعانت إيران بالسلطات التركية واستخدمت طائرات “آكنجي” لإيجاد مكان الطائرة المحطمة والكشف عن تفاصيل الحادث.

يذكر أن طائرة “آكنجي” – وهي مركبة جوية قتالية تركية، بدون طيار تطير على ارتفاع عالٍ – تمكنت بواسطة التصوير الحراري من تحديد مكان سقوط مروحية الرئيس.

العبادي: السيناريوهات المحتملة لحادثة سقوط الطائرة

حطام طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي

وبحسب الخبير في الشؤون الاستراتيجية والأمنية د. إبراهيم العبادي، يمكن وضع إطار استراتيجي لحادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأنها “غامضة ومشبوهة”، حيث تدور حولها الكثير من التساؤلات كغيرها من الحوادث التي لها علاقة بسقوط طائرات تحمل مسؤولين.

وقال العبادي إن المؤشرات الاستراتيجية لهذه الحادثة تقوم على ثلاث فرضيات: الفرضية الأولى هي حالة الطقس السيئة التي أدت إلى سقوط الطائرة، وقد استبعد العبادي هذه الفرضية. أما الفرضية الثانية، فأوضح العبادي أنها اغتيال سياسي وفقاً لسيناريوهين: الأول إما تصفية داخلية بسبب وجود حالة من الانقسامات والصراعات بين أجنحة القوة السياسية الإيرانية المتمثلة في مدرسة الاعتدال والانفتاح على العالم، والمدرسة المتشددة التي يقودها الحرس الثوري (بمعنى أن هناك صراعاً بين المؤسسة السياسية والدينية والعسكرية التي يسيطر عليها الحرس الثوري).

وأشار العبادي إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كان من أقوى المرشحين لخلافة المرشد الأعلى (علي خامنئي) الذي يعاني من حالة مرضية (وفي منتصف الثمانينيات من عمره)، إذ إن هناك منافسة قوية على هذا المنصب مع تيار موجود بالحرس الثوري الإيراني وعلى مقربة من المشتبه به “نجل خامنئي”. ربما تكون هذه المؤشرات وراء عملية سقوط الطائرة.

فيما استبعد العبادي السيناريو الثاني للاغتيال السياسي وهو توجيه أصابع الاتهام لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ ليس من مصلحة الولايات المتحدة الدخول في هذا الأمر الآن. أما فيما يتعلق بإسرائيل فلديها سوابق بارتكاب عدة عمليات اغتيال داخل إيران، ناهيك عن وجود نشاط ملحوظ للموساد الإسرائيلي في الداخل الإيراني، إذ قامت بتصفية عدد من علماء البرنامج النووي وسرقة بعض ملفاته. إلا أن هذا السيناريو أيضاً مستبعد لدى العبادي، واصفاً الحالة بأنها “حالة من الانتحار العسكري والأمني والسياسي” على مستوى المنطقة إذا كانت إسرائيل بالفعل وراء الحادثة.

ضعف وهشاشة في البنى التحتية

من ناحية أخرى، أشار العبادي إلى أن حادثة الطائرة تعد مؤشراً خطيراً بين القوى الداخلية الإيرانية، حيث أظهرت ضعفاً وهشاشة في البنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر، إضافة إلى ضعف استجابة الدولة لمثل هذه الحوادث. وهذا من الممكن أن ينعكس أيضاً في سياق التوصيف على القوة الخارجية لإيران في حال اعتبار أنها عملية “غير مدبّرة”.

وأضاف حتى وإن كانت العملية مدبّرة “تصفية داخلية أو خارجية”، لكنها أثبتت أيضاً ضعف المنظومة الداخلية لإيران بعدم امتلاكها الأدوات، وذهبت للاستعانة بالخبرات التركية في إضاءة المناطق الجبلية ومحاولة الوصول إلى الإشارات التي ترسلها الطائرات.

وقال العبادي إن الشيء الوحيد الذي تمتلكه إيران هو “قوة الحرس الثوري”، واصفاً مؤسسات الدولة الأخرى بأنها مؤسسات “هشة” غير قادرة على التعامل مع الحالات الصعبة والطارئة. وهذا يعطينا مؤشراً بأن إيران لا تمتلك القدرة على مواجهة أي تحديات أو اضطرابات حالية أو مستقبلية.

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي

الخلاصة: حادثة كشفت نقاط الخلل

بالمجمل كشفت حادثة رئيسي بعض مواطن الضعف في إيران. هذه النقاط تُعتبر حاسمة في تحديد مستقبل إيران وقدرتها على الحفاظ على استقرارها في مواجهة التحديات والضغوط المتزايدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version