نخبة بوست – المحامي د. صدام أبو عزام
من المعروف أن ذهاب المشرّع باتجاه القوائم الحزبية المغلقة توجه تشريعي مهم ويعبر عن إرادة حقيقة في تمكين الأحزاب السياسية من أن تكون اللاعب الرئيس في العملية الانتخابية – وهذا الأصل العام بطبيعة الأمر إلا أن تشكيل القائمة الحزبية المغلقة ليس أمر إعتباطي منحل من ضوابط مؤسسية موضوعية، بل يجب أن تنتهج الأحزاب السياسية أفضل الآليات والطرائق لضمان أن تسير هذه المسألة وفق إجراءات مؤسسية تتسم بالحوكمة والموضوعية.
ولعل من أخطر القضايا التي يتصدى لها الحزب السياسي هي العملية الانتخابية، كونها طريقة ووسيلته لتحقيق هدفه في الوصول إلى السلطة، إلا ان هذا الطريق يجب ان يتسم بالوضوح واليقين لدى الكيان المؤسسي للحزب والأعضاء فيه، وأن يكون ذلك وفق إجراءات وطرائق عمل مؤسسية واضحة، تبعث على الطمأنينة من قبل أعضاء الحزب، حيث من حقهم التنافس وفق هذه الآليات المرسومة مؤسسياً وتمكنهم بالنتيجة إلى الوصول والمساهمة في الوصول إلى السلطة.
وكذلك الأمر رسالة عمل مؤسسية للمؤازرين والرأي والعام حتى الخصوم السياسيين بأن الحزب ينتهج طرق عمل مؤسسية قائمة على معايير موضوعية، وبذلك يضمن عدم التشكيك أو تضارب المصالح أو الفساد السياسي أو المال الأسود ، والتي تشكل جميعها بالنسبة للأحزاب السياسية محاذير يجب تلافيها، وتقديم آليات عمل مؤسسية وقائية لضمان عدم الوقوع في محاذيرها.
وتشير التجارب الحزبية المقارنة إلى أنه لا يوجد نهج أو نموذج موحد يمكن اتباعه من قبل أي حزب سياسي في خلال عملية تشكيل القائمة الانتخابية واختيار المرشحين، إنما يتم صوغ هذه العملية وفق قواعد وإجراءات عمل يصدرها الحزب قبل العملية الانتخابية، ويخضعها للنقاش من قبل هيئات العمل المؤسسي لديه على كافة المستويات، ويتم إقراراها واعتمادها لتكون واضحة عند البدء والتحضير للعملية الانتخابية.
الحد الأدنى من الضوابط المجمع عليها في طرائق تشكيل القوائم الحزبية
تشير الورقة إلى جملة من الضوابط التي تشكل الحد الأدنى المعياري المجمع عليه من قبل التجارب الحزبية المقارنة، إذ يجب أن تكون المعايير وآلية تشكيل القائمة والترشح لها وفق آلية مؤسسية حزبية معتمدة من الهيئات الحزبية ومقرة ومعتمدة داخلياً، عدا عن وجوب اعتماد الآلية المتبعة من قبل الهيئة العامة للحزب أو من اكثر من مرجع حزبي داخلي حتى لا يتم احتكارها أو توجيهها من قبل جهة أو شخص في الحزب.
إضافة إلى أن لا يتم منح هذه الآلية لشخص أو جهة في الحزب، حيث تشير غالبية التجارب إلى أنه يتم تنويع آليات تشكيل القائمة وإختيار المرشحين بين عدة طرق ليتسنى للحزب التحقق قدر الإمكان من قدرة الأشخاص وكفاءتهم بشتى الوسائل، واتباع أكثر الوسائل شفافية وحوكمة في رسم هذه الطرق والآليات.
إذ لابد من إبقاء هذه المعايير قيد التطوير والمراجعة وفقاً لواقع الحزب المؤسسي وسعة انتشاره وتجربته في الانتخابات، اذ تخضع للتقييم بعد كل عملية انتخابية، ويتم تطوريها وتحصينها بشكل مستدام، ناهيك عن استقلال كل حزب بمعاييره وفق السياق المؤسسي لديه والواقع الساسي في البلد وشكل النظام الانتخابي المعتمد، وعليه، لا يوجد نموذج موحد يمكن السير على هديه، كما يجب الالتزام بالمعايير التي يحددها النظام الانتخاب، ففي بعض النماذج يتم وضع بعض الضوابط في قانون الانتخاب حول شكل القائمة، مثل اشتراط وجود امرأة أو شاب أو أشخاص ذوي إعاقة وغير ذلك من الضوابط.
مؤشر القدرة والكفاءة المؤسسيّة
يجب أن تكون الأحزاب السياسية قادرة على إختيار مرشحيها بكل كفاءة واقتدار، وهذه القدرة تكون ذاتية نابعة من بُعد مؤسسي عميق ثابت في تدفقات العمل الأفقية والعامودية للحزب، بحيث يضمن عدم التدخل من أي جهة كانت، داخلية أم خارجية، وفي حال محاولة التدخل أن يكون لدى النظام المتبع القدرة والكفاءة على كبح جماح هذه التدخلات أو السيطرة على آثارها إلى أدنى مستوى وبالتالي تصبح تدبير وقائي لمنع ذلك وتتشكل الحصانة المؤسسية والتي هي الحاضنة الحقيقة لرؤية ورسالة وأيدولوجية الحزب، التي يجب أن تسعى الأحزاب السياسية لخلقها لتلافي الأزمات التي تضعف بالأحزاب أو الشخصنة أو عدم وضوح الرؤيا أو غيرها من التحديات.
وبذلك يمنع وجود هذا النظام التأثير في صناعة القرار الداخلي ويريد تغليب مصالح ضيقة على مصلحة الخيارات الحزبية المؤسسية، وهذا يكرس قاعدة ان الجميع يلتف حول الحزب ككيان مؤسسي لا أن يلتف الجميع حول قائد الحزب ككيان شخصي. هذا يتطلب حزمة من المعايير الواضحة والشفافة تكون مستقرة في العمليات الإدارية والمؤسسية الحزبية، وتشكل قواعد جوهرية لا تدفقات عمل آنية أو صورية يتم تصديرها للرأي العام ولا ترتب أي أثر.
بل يجب أن تسعى الأحزاب السياسية إلى تسويق هذه القواعد والإجراءات وتسعى إلى إبرازها للرأي العام كجزء من التكتيك المؤسسي والسياسي لتسويق الحزب أمام الرأي العام وأمام أعضاء الحزب لتشكيل لديهم حالة اليقين السياسي المؤسسي في العملية الحزبية، وبذلك نخلق لديه الطموح والأمل اليقيني بأن يناضل في العمل الحزبي وينخرط في كل سيناريوهاته للوصول إلى هذا اليقين الذي يقوده إلى تحقيق طموحة، كبديل عن الاسترضاءات والموائمات والصفقات الشخصية وغيرها من مظاهر وسلوكيات تلحق بالغ الضرر بالبناء المؤسسي وتبقي الأحزاب السياسية تمشي على رأسها.
سلسلة متراكمة من الإجراءات
تشير الورقة أيضا إلى ملامح عامة من الإجراءات المستقر عليها في الممارسات الفضلى يجب أن تكون واضحة خلال رسم آلية وكيفية تشكيل القائمة الحزبية واختيار المرشحين وترتيبهم فيها، إذ تتمثل المرحلة الأولى بمناقشة المشاركة في العملية الانتخابية من قبل الحزب السياسي وهذه يجب أن يتخذ فيها الحزب السياسي قراراً وفق إجراءات وجلسات عصف ذهني واستطلاعات من قبل هيئات الحزب، إلا أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأنظمة الانتخابية في العالم قد لا تجيز للحزب عدم المشاركة كون الحزب وجد لهذه الغاية، وبالتالي تذهب بعض الأحزاب غير الراغبة لتكتيكات انتخابية أخرى مثل الأوراق البيضاء أو غيرها من السلوكيات السياسية المشروعة، حتى لا تقع تحت طائلة القانون، وبعض التجارب تشير إلى مستويات من عدم المشاركة إما بعدم الترشح ، أو عدم الانتخاب.
وفي حال كان قرار الحزب عدم المشاركة بالعملية الانتخابية، يجب أن يحاط هذا القرار بالعديد من الإجراءات باعتباره من القرارات المصيرية للحزب، ويتوجب عليه أن يحدد لائحة مطالبة ويطوره خططه واستراتيجياته لتحقيق هذه المطالب، وبذلك يخلق قضية نضالية مؤسسية، ويبدأ بالعمل المؤسسي على تحقيقها فتشكل أولية للحزب في خططه ونشاطاته كافة، وهي بذلك تغدوا جزءاً من التعبير عن أيدلوجية الحزب الفكرية والبرامجية.
أما في مرحلة المشاركة بالعملية الانتخابية وهي المرحلة الثانية، يكون فيها الحزب السياسي حسم أمره المؤسسي في المشاركة بالعملية الانتخابية، ففي هذه الحالة تفعل القواعد المرجعية أو الضوابط المعتمدة لعملية تشكيل القائمة الحزبية من حيث الإطار العام بعض التجارب الحزبية تذهب بإتجاهين وتحديد ذلك له علاقة بالدولة والنظام الانتخابي ونضوج التجربة الحزبية .
عوامل مشاركة الحزب في العملية الانتخابية
تتمثل العوامل لمشاركة الحزب في العملية الانتخابية في أمرين الأول: الانتخابات الداخلية ” التمهيدية”، إذ تلجأ بعض الأنظمة إلى إجراء انتخابات تمهيدية يكون من شأنها حسم هذه المسألة من حيث الأسماء الراغبة بالترشح، والحاصل على أعلى الأصوات يحتل مكانة بارزة في إختيارات القائمة الحزبية، فهذا الطريق يتسم بالشفافية والنزاهة وحسم العديد من المسائل الجدلية التي قد تعتور طريق الحزب السياسي خلال تشكيل قائمته الحزبية.
إلا أن ذلك يحتاج إلى أحزاب تتمتع بقواعد شعبية واسعة النطاق من الهيئة العامة، وفي بعض الأنظمة المتبعة قد يفتح التصويت لعموم الناس، وهذا يتطلب تنظيم دقيق للعمليات الانتخاب وقدرات كبيرة مؤسسية ومالية من الأحزاب السياسية للنهوض بهذا الدور.
أما الأمر الثاني يتمثل في النظم المزدوجة، في مثل هذا الخيار يتم وضع قواعد مرجعية يتم إعتمادها من قبل الجهة المخولة بذلك في الحزب، وسبق أن تمت الإشارة إلى أنه يفضل أن تكون الهيئة العامة، نظراً لأهمية هذه القواعد المرجعية، وحسب التجارب والممارسات الفضلى فإن من ضمن هذه الطرق الاتي:
- طلب الترشح من الأشخاص الراغبين بذلك من الحزب السياسي، وفق نموذج يتم اعتماده من الحزب، ويتضمن الشروط والمحددات التي يجب أن تتوافر في الشخص الراغب بالترشح، وبعض الأحزاب يشترط ان يحصل المترشح على تزكية نصف أو عدد من الأشخاص في المجالس المركزية في الحزب أو الهيئات العلياء فيه.
- بعض التجارب تجيز للكيانات المؤسسية العليا في الحزب السياسي ترشيح بعض الأشخاص الذين يعتقد بأنهم قد يحققوا نتائج إيجابية في العملية الانتخابية طبعا سلوك مثل هذا الطريق يحتاج إلى جلسات مع هؤلاء الأشخاص ونقاش.
- أن يتم تنظيم استفتاء داخلي لأعضاء الحزب السياسي، على المرشحين لحسم الأمر بالنسبة للمترشحين وترتيب الأفضليات بينهم على القائمة الحزبية.
- ومن الطرق الأخرى المتبعة أن يتم عقد سلسلة من اللقاءات التشاورية والنشاطات الحزبية لضمان الكشف الحقيقي عن أفضل الأسماء التي يمكن أن تحقق نتائج في العملية الانتخابية.
- يجب أن تكون هناك معايير للمفاضلة معتمدة من قبل الحزب السياسي، منها الخبرة السياسية، والعضوية في الحزب السياسي ، والكفاءة والمؤهلات، وبعض المعايير قد يكون ذو طابع اجتماعي قائم على الشعبة أو الانتماء الاجتماعي للعضو، والبعض الأخر سياسي، على الخبرة ، والبعض ثقافي قائم على المؤهلات ، والبعض مؤسسي قائم على الانخراط في النشاطات الحزبية ودعم مسيرة الحزب.
- يمكن أن تبنى القواعد المرجعية بشكل عامودي بأن يتم توزيع المعايير على الهياكل المؤسسية بأن تعطى الهياكل المؤسسية في المحافظات ترشيح عدد من الأسماء، وتأخذ نسبة من أفضليات الترشيح، والهياكل المؤسسية الوسطى تراجع هذه القائمة وتعطي نسبة ، والهياكل العليا تراجع القائمة وتعطي نسبة ويتم بالنتيجة جمع هذه النسب للوصول إلى أعلى المترشحين وترتيبهم في القائمة.
- بعض التجارب تشير إلى أنه يتم تشكيل لجان داخلية في الحزب وتقسيم النشاطات والأعمال المتعلقة بالعملية الانتخابية لجان تعنى بتطبيق معايير الترشح على القائمة وترتيب المترشحين، ولجان متخصصة تعنى بمتابعة مسار العملية الانتخابية من حيث التحالفات والدعايات الانتخابية وغيرها.
- من الممكن فيي بعض التجارب أن ينظم الحزب السياسي انتخابات داخلية، ولكن هذه المرحلة تتطلب أن يكون للحزب فروع وانتشار واسع في كافة المحافظات، وأن يكون عدد أعضاء الهيئة العامة كبير جداً يسمح بمثل هذه العملية.
- بعض التجارب يطلب إسناد هذه العملية لاستشارات انتخابية من بعض الكيانات الحزبية لبعض المرشحين هذا الإجراء يكون مزدوج مع العديد من الإجراءات لغايات ضمان الوصول إلى أفضل الخيارات من المرشحين.
الخلاصة.. محاذير يجب تلافيها
في نهاية الأمر، هناك محاذير يجب تلافيها، إذ يجب ألا تستأثر القيادة الحزبية بعملية اتخاذ القرار، وهذا من شأنه أن يشخصن العمل المؤسسي ويؤدي إلى وصم الحزب بالشخصنة بناءً على نفوذ الأمين العام.
وأن يتبع الحزب السياسي أكثر من إجراء للوصول إلى أفضل الخيارات من الراغبين بالترشح، ولا يستند إلى آلية واحدة، إذ ربما لا تكشف عن حقيقة المرشحين، وتخضع في الغالب الأعم إلى توجيهات وصفقات داخلية لا تعزز الديمقراطية والثقة بالمسار المتبع، وبالتالي تؤثرعلى القائمة الحزبية وفرص الحزب بالفوز.
أبو عدا عن إسناد هذه المهمة بقدر الإمكان إلى مؤسسات بحثية أو مؤسسات مجتمع مدني مستقلة أو أكاديميات، إذا كان من ضمن الإجراءات المتبعة تحليل الوضع الحزبي أو السياسي ، وبعض الأحزاب لجأت إلى تأسيس مراكز بحث للنهوض بهذه المهام ذات الطابع البحثي والعلمي.
وعدم إناطة المهمة بلجنة واحدة في الحزب، إذ مهما اتبعت من إجراءات لن تؤدي إلى تحقيق العدالة وتوخي أفضل المعايير ، فالمسألة ليست معايير اختيار وتعيين وإنما معايير فحص وتحليل وتدقيق بأكثر من منهجية، إضافة إلى عدم وضوح الرؤية أو عدم وجود قواعد واضحة يؤدي إلى انتشار ظواهر حزبية سلبية قائمة على علاقات شخصية أو تدخلات خارجية أو دفع أموال للحصول على ترتيب متقدم، وعمل تجارب محاكاة لضمان التطبيق العملي الواقعي مستقبلاً بشكل صحيح.