نخبة بوست – أماني خماش

التسول؛ هذه الظاهرة التي تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، تمثل واحدة من أقدم وأكثر الظواهر انتشاراً في العالم، فهي تلمس جوانب مختلفة من الحياة البشرية، مثل الفقر، والبطالة، والتشرد، والتمييز الاجتماعي.، كما يعكس التسول غالباً حالة انعدام الأمان والاستقرار التي يعيشها الأفراد والمجتمعات.

التسول؛ ظاهرة سلبية تغزو الأردن كما البلدان الأخرى؛ ولعلها باتت صناعة أكثر منها حاجة؛ يمارسون التسوّل من خلال استمالة عواطف المارة، ليحصلوا على بعض النقود؛ قليلة قد تكون لكنها تجمع الكثير.

يتنوع شكل التسول من مكان إلى آخر، إذ يشمل طلب الصدقات في الأماكن العامة، أو التجول بين السيارات في الإشارات المرورية، أو حتى استخدام الأطفال كوسيلة لجذب العطف والمال، حيث تعتمد هذه الظاهرة في كثير من الأحيان على مشاعر الرحمة والإنسانية لدى الناس، مما يجعلها تثير الكثير من التساؤلات حول الطرق الفعّالة للتعامل معها.

حالات صادمة من التسول في الأردن

قالت إحدى المتسولات البالغة من العمر 60 عاما، التي ضبطت في عام 2022، أنها تمكنت من خلال الجلوس على أرصفة طرقات عمان، وافتراش شوارعها، لمدة ثلاثة أشهر، من جمع (4082) دينار، وبررت سبب إبقاء المبلغ معها أينما ذهبت، هو خوفها من زوجات أولادها بأن يقمن بسرقته.

وبين الأربعيني الذي ضبط في عام 2024، أنه مارس التسول من خلال جمع عدد من الأطفال، حيث كان يعمل على توزيعهم عند الإشارات الضوئية في أماكن محددة، ثم ينتشرون بعد ذلك في الطرقات وأمام السيارات، ليستجدوا تعاطف المارة بحكم أعمارهم، وفي نهاية كل يوم يعود لجمع الأطفال، وأخذ ما استطاعوا جمعه من نقود، ثم يقوم بإعطائهم مبلغ رمزي أجرة تسولهم، وعندما تم ضبطه وجد بحوزته (841) دينار، بالإضافة إلى عشر قطع مصاغ ذهبية.

أما المتسولة الستينية التي ضبطت عام 2022، فقد أوضحت أنها كانت تعمل في وزارة الصحة، ورغم عملها، إلا أنها كانت تمارس التسول بعد انتهاء الدوام، والعودة إلى منزلها، وبعد إحالتها للتقاعد تفرغت كليا للتسول، فاستطاعت خلال فترة زمنية من شراء بناية في محافظة جرش، ومنزل في عمان.

والمتسول الأربعيني من جنسية غير أردنية، الذي ضبط عام 2024، قال إنه يعمل على استجداء المسافرين على حدود العمري متذرعا بأنه صاحب حاجة، ولا يمتلك قوت يومه، وقد انقطعت به السبل، وعندما ألقي القبض عليه تبين أن بحوزته (560) دينار.

وصرح الخمسيني الذي ضبط عام 2024، الذي وجد بحوزته (6288) دينار، أنه تمكن من الحصول على هذا المبلغ من خلال محاولاته المستمرة لاستعطاف المارة بالبكاء، والدعاء لهم أثناء سيره في الطرقات، وأمام مواقف الحافلات.

حالات صادمة..

والأمر لا يختلف عند الخمسيني الذي ألقي القبض عليه عام 2024، فقد ذكر أنه عمل على استعطاف المارة، مدعيا أنه مصاب بمرض مزمن، وعندما تم البحث في ملفه تبين أنه يمتلك مركبتين حديثتي الصنع، بالإضافة إلى أن دخل أسرته الشهري يتجاوز (900) دينار.

“أما المتسولة الأربعينية، فقد بيَّنت أنها عملت بالتسول من خلال ادَّعائها بأن زوجها ضرير، وطفلها مصاب بالسرطان، ولا تمتلك القدرة على علاجه، وليس في منزلها طعام، وبأنها تعيش من غير معيل لها في هذه الحياة، وعندما ألقي القبض عليها في عام 2022، وجد بحوزتها (400) دينار.

“التنمية الاجتماعية”: الأرقام في انخفاض

وفي تصريح خاص لـ “نخبة بوست” قالت وزارة التنمية الاجتماعية، إن النسب التي أصدرتها أظهرت انخفاضًا ملحوظًا في عدد المتسولين. ففي عام 2021 تم ضبط 13558 متسولًا، أما في عام 2022 ضُبط 11333 متسولًا، وفي عام 2023 ضُبط ما يقارب 8149 متسولًا، وفي الربع الأول من عام 2024 ضُبط 2866 متسولًا.

وأشارت الوزارة إلى أن الأدوار التي تقوم بها لمحاربة ظاهرة التسول عديدة، تتمثل برفع خطر الأحداث والبالغين عن الشارع، وخطر الشارع عليهم، بالإضافة إلى تلبية احتياجاتهم الصحية والمعيشية والتوعوية، ومن جهة أخرى عملت الوزارة على تطبيق الأحكام القانونية من خلال مسارين، الأول للبالغين، حيث يتم ضبطهم وتسليمهم إلى المراكز الأمنية، ليتم تحويلهم إلى القضاء، والثاني هو مسار الأحداث حيث يتم ضبطه وتحويله بقرار من القاضي إلى دور تأهيل ورعاية المتسولين، حيث يتم ضبطه وتحويله بقرار من القاضي إلى دور تأهيل ورعاية المتسولين.

ولفتت الى استحداث مشاريع داخل المراكز المعنية برعاية المتسولين، والغاية منها تأهيل وتدريب المنتفعين، على أن تُراعى الفئة العمرية حسب قانون العمل، وذلك من أجل أن يعتمدوا على أنفسهم، وصولاً إلى تمكينهم، وإعادة دمجهم بالمجتمع.

أما بشأن الإجراءات المتبعة لضبط المتسولين، عملت الوزارة على تعزيز القدرة المؤسسية لمديرية مكافحة التسول من خلال تحسين جودة الإجراءات لضبط البالغين والأحداث، وذلك من خلال زيادة نطاق المسارات المخصصة لحملات ضبط المتسولين في العاصمة، حيث تم زيادة عدد الحافلات إلى (8)، وكذلك تكثيف عدد الحملات في المملكة عبر اللجان المنتشرة، بالإضافة إلى توحيد كافة الإجراءات المتعلقة بضبوط المتسولين (أحداث وبالغين)، بالتنسيق مع المجلس القضائي، والعمل أيضًا على التنسيق بين مديريات التنمية الاجتماعية مع الحكام الإداريين والقضاة والمراكز الأمنية في كافة المحافظات، لتكثيف حملات اللجان في المملكة.

واستُحدثت ايضا مراكز رعاية وتأهيل لاستقبال الأعداد الإضافية من الأحداث المتسولين، وتم تخصيص مركبات لغايات الاستجابة من خلال الملاحظات الواردة عبر الخط الساخن، بالإضافة إلى الحد من تكفيل المتسولين المضبوطين، وكذلك تفعيل الأحكام ذات المدد الطويلة لضمان عدم عودتهم إلى الشارع خلال مدة قصيرة.

وأشارت الوزارة إلى برامج الدمج المجتمعي والسلوكي المصممة من أجل إعادة دمج الأطفال المتسولين مع بيئتهم الطبيعية، بما يتوافق مع حقوق الطفل، من خلال فريق الرعاية اللاحقة المشكّل في مديرية مكافحة التسول، وكذلك الفرق الميدانية المنتشرة في عمان والزرقاء، وصولًا إلى إعداد برامج من شأنها تمكين الأطفال المتسولين وأسرهم، حيث استطاع هذا الفريق في عام 2023، من عمل تدخلات لـ 60 أسرة وحالة معتمدة على برنامج الزيارات الميدانية للحد من هذه الظاهرة، ومنع تكرار ممارسة التسول.

التسوّل آفة لا يمكن للمجتمع أن يتعافى منها

من جانبه، يرى الخبير الاجتماعي الدكتور حلمي ساري أنه يمكن تعريف التسول من ناحية اجتماعية بأنه الممارسات غير القانونية التي يقوم بها المتسول لاستجلاء العواطف، بهدف الكسب المادي، فهو من الظواهر الاجتماعية المعقدة، لا يمكن للمجتمع أن يتعافى منها، والعوامل التي تؤدي إلى تشكلها عديدة كالنفسية والاجتماعية والاقتصادية، وأكثر من يقوم بالتسول هم الأشخاص القادرين على العمل، وأغلبهم من النساء والأطفال.

وعن تحليل أسباب نشوء ظاهرة التسول أوضح ساري أن علم الاجتماع كانت نظرته مغايرة لباقي العلوم، فهو يرى بأن التسول ثقافة فرعية قائمة بذاتها من ضمن ثقافة المجتمع الكلية، أما علم النفس فيرى بأن المتسول شخص غير قادر على التكيف بالمجتمع الذي يعيش به، فيلجأ بذلك إلى التسول، والدراسات القانونية تعاملت مع المتسولين بأنهم معتدون على حرية الآخرين، أما من الناحية الدينية فما يدفع المتسول للقيام بهذه السلوكيات هو غياب الوازع الديني.

النساء والأطفال وذوو الإعاقة.. قاع التسول

وقال الخبير الأمني والقانوني اللواء المتقاعد الدكتور عمار القضاة إن ظاهرة التسول هي جمع المال بالاستجداء لنفس المتسول، أو لغيره، وقد تمارس بشكل فردي أو جماعات، وقاعها النساء والأطفال وذوو الاحتياجات الخاصة، وقد تمارَس بشكل وجاهي، وهو التسول التقليدي، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعرف بالتسول الإلكتروني، الذي يلجأ إليه المتسول تجنبًا للحرج، معتمدًا على إخفاء بياناته الشخصية.

التفكك الأسري من أسباب انتشار التسوّل

على صعيد متصل، بيّنت الخبيرة الاجتماعية الدكتورة ميساء قرعان أن التسول أصبح ظاهرة اجتماعية، نظرًا لانتشارها الواسع في المجتمعات، سيما أن أسبابه متعددة، فالتسول ناتج عن أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية كنقص التعليم، والتفكك الأسري.

وفيما يتعلق بمنهجية علاج ظاهرة التسول بينت قرعان أن المعالجة تتطلب اتباع آليات شاملة ومتكاملة تتناول الأسباب الجذرية لها، وتوفر حلولًا فعّالة ومستدامة كتعزيز الحماية الاجتماعية، وذلك من خلال توفير شبكات أمان اجتماعي، تشمل مساعدات مالية للفئات الأكثر ضعفًا، بالإضافة إلى تحسين فرص العمل والتدريب، ليكتسب الشباب مهارات تساعدهم في الحصول على وظائف، والعمل على تنظيم حملات توعية لتشجيع المجتمع على تقديم الدعم بطرق سليمة ومستدامة للمتسولين، كما يجب توفير خدمات صحية ونفسية مجانية أو ميسرة للمتسولين، لمعالجة الأضرار الناشئة عن التسول.

ونوهت القرعان إلى آثار التسول على المجتمع، فهي عديدة وخطيرة كالتأثير في السياحة والاستثمار، من خلال الصورة السلبية التي يعكسها المتسول عن المجتمع، بالإضافة إلى زيادة الفوارق الاجتماعية بين الأفراد، ومن جهة أخرى يؤدي تسول الأطفال إلى حرمانهم من فرص التعليم.

الحبس لمدة سنتين لمن يجبر الأفراد على التسول

وبشأن عقوبة الأحداث المتسولين بين القانوني علي الشمري أن قانون الأحداث يشترط أن يكون الحدث قد تجاوز 12 من عمره ليتم محاكمته، فكل حدث يقوم بالتسول بأي وسيلة كانت، يعرض نفسه للملاحقة والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، وتتم إحالته بقرار من الحاكم الإداري إلى محكمة الأحداث المختصة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، ويتم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون.

وأوضح الشمري أن التعديل الذي طرأ على قانون الجرائم الإلكترونية الجديد أسهم في تغليظ العقوبات على من يتسول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث نصت المادة 23 من قانون الجرائم الإلكترونية على رفع العقوبة لتصل إلى سنة في حدها الأعلى بدلاً من 3 أشهر، ورفعت عقوبة إلى سنتين للذين يجبرون الأفراد على العمل في مجال التسول.

الخلاصة:التسول موضوعاً محورياً يتطلب حواراً مجتمعيا

تعتبر التسول مسألة معقدة تتطلب مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد، تتضمن التدخل الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى التشريعات والسياسات الفعّالة التي تهدف إلى معالجة جذور المشكلة.

ومع ذلك، يظل التسول موضوعاً محورياً يتطلب تفكيراً عميقاً وحواراً مجتمعياً لإيجاد الحلول البنّاءة التي تحافظ على كرامة الإنسان وتعزز العدالة الاجتماعية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version