نخبة بوست – تعاني الأحواض المائية في الأردن، ومنذ عشرات السنين، من تناقص في الكميات وتدني نوعية بعضها وازدياد نسبة الملوحة فيها بسبب الضخ الجائر وحاجة سلطة المياه إلى استمرار التزويد المائي منها واستنزافها لتلبية الطلب بسبب عدم توفر مصادر بديلة. ومما يزيد من استنزاف المياه الجوفية، وجود عدد كبير من الآبار المخالفة وغير القانونية، وهي آبار غير مرخصة تم حفرها دون الحصول على التصاريح والموافقات اللازمة من الجهات المختصة وبدون إشراف مناسب وبدون ضبط لكميات المياه المستخرجة، مما يزيد من تردي وضع الأحواض الجوفية ويشكّل تهديداً خطيراً للمصادر الجوفية، يؤدي إلى المزيد من الإفراط في استغلالها وسرعة استنزافها ويؤثر في استدامتها ونوعيتها وإمكانية تلوثها مما يتسبب في أضرار طويلة المدى لمنسوب المياه الجوفية، كما يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه وتقليل توافر الموارد المائية لجميع الغايات.

تعتبر آبار المياه المخالفة من التحديات التي تواجه قطاع المياه لصعوبة حصرها والسيطرة عليها. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار النمو السكاني السريع وزيادة الطلب، فإن إدارة الطلب على المياه تصبح من المهام الصعبة التي تقع على عاتق مؤسسات القطاع لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات المائية لكافة الغايات وأهمها البلدية والزراعية الضرورية لمتطلبات التنمية. وبالتالي فإن كميات المياه المستخرجة من الآبار المخالفة تؤثر سلباً على قدرة هذه المؤسسات على تلبية الاحتياجات الأساسية وتشكل خللاً في عمليات التزويد المائي مما يحتّم إدارة وتنظيم المصادر المائية، وخصوصاً المتعلقة باستخراج المياه من المصادر الجوفية، بحصافة لضمان إمدادات المياه المستدامة للأغراض المنزلية والزراعية.

وهنا تأتي مسؤولية الدولة بشكل عام وسلطة المياه على وجه الخصوص للقيام بواجبها وتنظيم حملات لا هوادة فيها لمكافحة هذه الظاهرة وتطبيق القانون، حيث نص قانون سلطة المياه رقم 18 لسنة 1988، بأن جميع مصادر المياه الموجودة داخل حدود المملكة مُلك للدولة سواء كانت تلك المصادر على سطح الأرض أو في باطنها وفي المياه الإقليمية أو الأنهار أو البحار الداخلية، ولا يجوز استعمالها أو نقلها إلا وفقاً لأحكام القانون. وأعطى القانون سلطة المياه المسؤولية الكاملة عن المياه والمجاري العامة في المملكة والمشاريع المتعلقة بها ووضع السياسات ومسح مصادر المياه المختلفة والمحافظة عليها وتحديد أوجه تخصيص المياه وأولويات استعمالها ومراقبة تنفيذ ذلك. كما عهد إليها توجيه إنشاء الآبار العامة والخاصة وتنظيمها، والتنقيب عن المياه في مصادرها وحفر الآبار التجريبية والاستكشافية والإنتاجية وترخيص حفر الآبار والحفارات والحفارين.

وبالرغم من قيام أجهزة الدولة بين الحين والآخر بحملات لتحديد وردم آبار المياه المخالفة وتحويل المخالفين إلى القضاء وفرض الغرامات والعقوبات على المخالفين، إلا أنه سرعان ما تتوقف أو تضعف تلك الحملات تحت ضغوطات وحجج مختلفة يراد بها باطلاً، مثل المحافظة على الأمن الاجتماعي والمحافظة على مصدر رزق لبعض العائلات المستفيدة والتي تستخدم تلك المياه لغايات الزراعة بما تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني وغيرها من التبريرات الواهنة، مما يفاقم المشكلة مع مرور الوقت ويشجع آخرين على حفر الآبار المخالفة وتجاوز القانون. ومع ازدياد هذه الظاهرة بالاعتداءات على المياه الجوفية، يتوجب استمرار قيام الجهات المعنية من أجهزة الدولة بمحاربة هذه الظاهرة والقيام بحملات مكثفة وأكثر شمولية وبكافة مناطق المملكة بلا استثناء، وقيامها بواجباتها القانونية والتنفيذية وإيجاد الحلول المناسبة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق أصحاب تلك الآبار أو تصويب أوضاعها بما يتناسب مع القانون وقد يتطلب الأمر أيضاً تعديلات قانونية لتغليظ العقوبات على أصحاب تلك الآبار وعلى المخالفين من أصحاب الحفارات.

إن التأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة موضوع الآبار المخالفة بشفافية وعدالة يهدد مصادر المياه الضرورية للإنسان والاقتصاد ويعتبر تعدياً على الأملاك العامة وعلى هيبة الدولة وينتقص من العدالة بين الأردنيين واعتداءً على القانون ومكافأة للمتجاوزين عليه وتشجيعاً على مخالفته، واضعين نصب أعيننا أنّ المياه، بما فيها مياه الآبار المخالفة، تعتبر مُلكاً للأردنيين جميعاً وللأجيال القادمة وحقاً من حقوقهم وضرورة من ضروريات التنمية، وليس من العدل أن يُسمح لفئة قليلة باستخدام ما طاب لهم من المياه، كثروة وطنية، دون غيرهم من الفئات الأخرى بدون رقابة وضوابط، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتم التغاضي عن اعتداءاتهم على حقوق الأردنيين مهما كانت الأسباب والتبريرات. فالاعتماد على استغلال المياه (كثروة وطنية) من الآبار المخالفة كمصادر الرزق لا يختلف عن الاعتداء على الأموال العامة كمصدر رزق وكلاهما يمثل نوعاً من أنواع الفساد يتوجب مكافحته ومحاربته وبدون تهاون.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version