فوق غزة: رحلة أمل وألم في سماء الإنسانية

نخبة بوست – أروى ابو رمان

في قلب سماء غزة، حيث تعانق السحب طائرات السلاح الجوي الملكي الأردني، تولد تجربة فريدة تمزج بين الأمل والألم، بين العطاء والحزن العميق.

تجربتي كصحفية، التي أتاحت لي فرصة المشاركة في مهمات إنزال المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة، تعد من اللحظات التي تُحفر في الذاكرة، حيث السماء لا تُمطر إلا الخير والرجاء.

انتظار؛ ترقب.. واتصال

عندما تقدمنا في موقع “نخبة بوست” بطلب المشاركة في الإنزالات، اعتقدت جازمة أن الرفض سيأتي، فالموقع حديث الإطلاق، وفريقه كامل من الشباب حديثي التخرج. ثم طربت فرحًا عندما أتاني الاتصال الذي كنت أنتظره يوم الأربعاء فالإنزال المحتمل يوم الخميس. لم أنم الليل وأنا أنتظر، وأتى يوم الأربعاء ولم يتصل أحد حتى العصر؛ فأصابني الإحباط وفقدت الأمل. ثم أتتني الرسالة؛ تعليمات صارمة للحفاظ على سلامتنا، بلغة عسكرية نعشقها جميعًا، لأبدأ بالاستعداد النفسي والذهني للمساهمة في دعم صمود أهلنا في غزة، ولأكون برفقة الجيش، رفقة عنوان الأمان؛ قواتنا المسلحة.

توجهت إلى القاعدة وأنا أخشى الإلغاء في أي لحظة؛ لأدخل لأول مرة في حياتي قاعدة عسكرية، متوقعة أن ألقى ضباطًا بنكهة عسكرية (صلفة)؛ لأتفاجأ بأنني بين فريق عسكري يحمل الجدية العسكرية و(الحنية) الأردنية، لأجد نفسي بين أسرة جديدة؛ كأنني فرد منهم، وهذا ما أتمناه.

في الأجواء؛ لحظات الإنزال فرح “مغموس” بالحزن

من علٍ في سماء غزة؛ وعلى متن طائرة السلاح الجوي الملكي الأردني، كنت أراقب المشهد، محملة بمشاعر متضاربة تغزوني؛ فمن جهة، يغمرني شعور عميق بالفخر لكوني جزءًا من هذه المهمة الإنسانية، ومن جهة أخرى، يعتصرني حزن دفين لأنني ممنوعة من الهبوط على أرض غزة، أرض تعانق الحياة والموت بشجاعة، واكتفي بمشاهدة برها وبحرها، ويا لجمال بحرها وحزن أرضها. لحظات الإنزال كانت تجربة تعليمية غنية بالمعاني، حيث كل قطرة ماء أو قطعة خبز تحمل أملًا بالنجاة؛ وبالرغم من أن المهمة تقتصر على الإنزال من الجو، إلا أن كل لحظة كانت تبعث في النفس شعورًا بالتواصل الروحي مع أهل غزة؛ تلك الأيادي التي تُمد إلى السماء بحثًا عن الأمل، تُرسل رسائل عميقة عن الصمود والتحدي.

في المرة الوحيدة التي خضت فيها تجربة إنزال المساعدات فوق غزة، كانت كل لحظة تُقلع فيها الطائرة من الأردن وتعود إليها تُثقل قلبي بوزن لا يُحتمل؛ الإقلاع كان يعني بداية مهمة نبيلة، لكن العودة كانت تحمل معها واقعًا مؤلمًا، واقع أنني أعود وأترك خلفي أرضًا ما زالت تئن تحت وطأة الحصار والحرب. تلك الرحلة الوحيدة عززت فيّ شعورًا بالعجز، ذلك الشعور العظيم السيء بأننا نفعل ما بوسعنا ومع ذلك لا يزال الطريق طويلًا والحاجة أكبر من كل مساعينا.

الأميال التي قطعتها في السماء كانت تزيد من وعيي بمدى الألم الذي يعيشه الناس في غزة، وكل ميل كنت أقترب فيه من الأردن كان يعمق حزني لشعوري بالعودة إلى الأمان بينما يبقى أهل غزة يواجهون مصيرهم، هذه التجربة، مع كل ما تحمله من قيمة إنسانية، تركت أثرًا عميقًا في نفسي، أثرًا لن يُمحى بسهولة.

غزة.. لكم إخوة يحلّقون فوق السحاب

مع هبوط الطائرة ايابا؛ أدركت الرسائل العظيمة من الدور الأردني في الإنزالات ودعم صمود الأهل في غزة؛ أدركت أننا ننعم في خير وسلام؛ ولنا أهل يحتاجون كل اشكال الدعم والتعزيز، ولنا أخوة يحلّقون فوق السحاب بصمت لدعم الأهل والصمود.

أدركت أن “المنظّرين” من خلف الشاشات والمنتقدين وأصحاب المواقف السلبية لا يعلمون شيئاً؛ ويكتفون بنشر الروح السلبية، لا يشاهدون الدعم ولا المعاناة، معتقدين أن الإنزالات نزهة، وأن الموقف الأردني مجرد استعراض، ومن هذا المنبر أدعو إلى إيجاد آلية لمشاركتهم في عمليات الإنزال لعلهم “يقدرون”.

أدركت أن أهل غزة يحتاجون منا الكثير الكثير من الوقوف الحقيقي، الدعم المباشر؛ لا الشعارات والهتافات والشعبويات، بل يحتاجون وقفة تسندهم بصورة حقيقية، كما يفعلها الجيش الأردني.

أدركت عظمة الدولة الأردنية؛ وأجهزتها وصمود بواسلها.. حماة الوطن .


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version