نخبة بوست – وفاء صبيح

مع دخول الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل شهرها التاسع، بات السؤال المحوري اليوم حول قدرات حماس العسكرية وإمكانية صمودها بعد أشهر من الحرب على غزة، لا سيما وأن اتفاق “الهدنة” المرتقب لا يلوح في الأفق القريب. إذ تشهد الساحتان العربية والدولية مباحثات ومشاورات عديدة حول ما ستؤول إليه مجريات الحرب في غزة، وهل ستحقق حماس مكاسبها المرجوة من ملف الأسرى الإسرائيليين لديها.

بالرغم من تحذيرات الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية، تلوح إسرائيل بخطة لمهاجمة مدينة رفح الواقعة في الطرف الجنوبي من غزة، حيث يعيش أكثر من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بعد خمسة أشهر من الحرب. وتقول إسرائيل إن رفح واحدة من آخر معاقل حماس التي تعهدت بالقضاء عليها، وستعمل على إجلاء السكان منها، ضاربة بذلك العالم أجمع “عرض الحائط”.

وفي ظل مجريات الأحداث المرتقبة، تكثر الآراء وتتباين التوقعات حول التكتيكات العسكرية التي يمكن لحماس أن تستديم فيها عمر الحرب، وصولًا إلى هدنة متساوية تكون فيها حماس بـ “منظور قوي”.

حرب 7 أكتوبر 2023 الأطول تاريخيًا لإسرائيل

بحسب مراقبين، يعتبر الهجوم الذي أطلقت عليه حماس اسم “طوفان الأقصى” والذي تخلله أيضًا أخذ عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين، الأكبر من نوعه للمقاومة حتى اللحظة، في حين يُعَد الأطول من حيث المدة الزمنية للحروب التي خاضتها إسرائيل في تاريخها، إذ أن أطول حرب شنها الكيان الصهيوني دامت 70 يومًا فقط، وذلك خلال اجتياح بيروت عام 1982.

ويجمع الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون على أن الهجوم المباغت الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 أحدث صدمة لدى الكيان الصهيوني وحلفائه، وتركهم في حالة ذهول وتساؤل حول مدى تطور التعزيزات والقدرات العسكرية التي تمتلكها “حماس” وما هي أنواعها ومصادرها.

إذ كشفت هذه العملية النوعية النقاب عن نماذج وأنماط مختلفة من الأسلحة والعتاد العسكري الذي تمتلكه حماس – والتي تفوق بالطبع تصور قوات الاحتلال -، كما أبرزت قدرة حماس الذكية على المباغتة والتكتيك العسكري.

وباعتبار عملية “طوفان الأقصى” شملت هجومًا بريًا وبحريًا وجويًا وتسللًا للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، شكل العدد الكبير من الصواريخ التي أطلقتها حماس باتجاه إسرائيل مؤشرًا على مخزونها الكبير من الصواريخ. فمنذ الساعات الأولى للحرب، أطلقت حماس مئات الصواريخ والقذائف، كما تم استخدام طائرات بدون طيار لإسقاط القنابل، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من الأسلحة الصغيرة والذخائر.

السبايلة: إسرائيل غير معنية بـ “الهدنة” ولا تريد ابتزازها بملف الأسرى

بعد أشهر على حرب غزة: قدرات حماس العسكرية وترسانة أسلحتها إلى أين؟
الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة

لا شك أن قدرات حماس العسكرية قبل 7 أكتوبر كانت كبيرة جدًا، وهذا ما يراه الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة. لكنه يشير إلى أن نمط المعركة لدى حماس يتمثل في معارك قصيرة الأمد وليست طويلة الأمد، بمعنى أن تقوم حماس بمواجهة تحدث خسائر في الطرف الآخر، ثم يتم الجلوس على طاولة المفاوضات وتبدأ عملية إعادة بناء ترسانتها العسكرية من جديد.

وأضاف السبايلة أن الضوء الأخضر والمعركة المفتوحة حاليًا هما بلا شك عامل ضد حماس، لأنه يستنزف ترسانتها العسكرية ويأتي أيضًا في سياق فرض حصار تام على قطاع غزة، مما يعني عدم القدرة على التزويد وقطع طرق الإمداد، فضلاً عن تدمير البنية التحتية لحماس وإبطاء قدرتها على التعامل مع هذه المعارك، إلى جانب خلق أزمة إنسانية معمقة في قطاع غزة.

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يسير بعملية واضحة أنها ممنهجة للقضاء على البنية التحتية لحماس، سواء من خلال تدمير أنفاق أو منصات إطلاق صواريخ. لذا كان من المتوقع أن تقل قدرات حماس في موضوع الرشقات الصاروخية، لكنها تحاول إدارة هذه الأمور بطريقة تثبت أنها موجودة ويمكن استخدامها حتى بعد مرور أكثر من خمسة شهور على هذه المعركة.

وحول ملف الأسرى وتأثيره على حماس، قال السبايلة: “نظريًا، كان من الممكن أن يكون هذا الملف نقطة قوة لحماس، لكن هذه الحرب بدأت بخسائر إسرائيلية كبيرة تتجاوز 1400 شخص. وبالتالي، فكرة ترك الأسرى لم تكن مؤثرة بشكل كبير على الجانب الإسرائيلي كما كان يُعتقد أنها ستكون. مضيفًا أن هذه الورقة تفقد قيمتها لدى إسرائيل مع مرور الوقت، فالهدنة الأولى، التي جاءت بعد 45 يومًا من الحرب، أثبتت أن إسرائيل غير معنية بالهدنة ولا تريد ابتزازها بملف الأسرى”.

وأشار إلى أن الإبقاء على هذا الموضوع دون حسم حتى الآن يشير إلى أن إسرائيل لديها معلومات أن الكثيرين من أسراها لدى حماس هم في عداد الأموات، أو أنها تستمر في هذه الاستراتيجية ولا تريد أن تخضع لورقة الأسرى، وبالتالي تُضعفها بشكل كبير وتجعلها عبئًا على حماس وليس لصالحها.

أبو زيد: “حماس” حشدت طاقتها العسكرية لعملية نوعية طويلة المدى

الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد

ولكن الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد يجد أن المقاومة نجحت في إعداد نفسها بشكل يتناسب مع شكل القتال غير التقليدي، حيث تؤكد المؤشرات، بحسبه، أن المقاومة اتبعت أسلوب الخدعة والمراوغة منذ عام 2021، وقد استطاعت حشد طاقاتها من أجل الإعداد لعملية عسكرية نوعية طويلة المدى.

وأشار أبو زيد إلى أن المقاومة لديها إمكانات عسكرية تعتمد في مجملها على الأسلحة والذخائر التي تم شراؤها من بعض جنود الاحتلال، حيث يعزز ذلك ما نشرته مواقع إسرائيلية عام 2020 حول فقدان 90 ألف طلقة M16 من قاعدة نتساريم التابعة لقوات فرقة غزة، مما يؤكد فرضية “أن المقاومة لم تعتمد في قدراتها التسليحية على التصنيع الذاتي فقط، بل أيضًا على ما تحصل عليه من جنود الاحتلال مقابل مبالغ مالية”.

وفيما يتعلق بخسائر المقاومة، يرى الخبير العسكري أن تصريحات جيش الاحتلال حول قضائه على 75% من كتائب المقاومة لا تمت للحقيقة بصلة، مضيفًا “إن الأجهزة الاستخبارية للاحتلال اعتمدت فقط في تقييماتها على المناطق التي دخلتها وحدات الاحتلال وقضت على كتائب المقاومة هناك، لكن ذلك غير صحيح بالطبع لأن قوات الاحتلال لم تنجح تمامًا في تطهير المناطق التي دخلتها، فضلًا عن أن المعارك لا تزال دائرة في المناطق التي دخلتها قوات الاحتلال مثل حي الزيتون ومناطق وسط غزة في جحر الديك والنصيرات وخان يونس”.

وحول قدرة حماس على الصمود أكثر في الحرب، قال أبو زيد: “مما لا شك فيه أن المقاومة تعرضت لضربات في بنيتها القتالية، إلا أن القيادة والسيطرة لا تزال متماسكة، كما أن المقاومة لا تزال تملك القدرة على التكيف والتأقلم مع مسرح العمليات”، لافتًا إلى أن حماس ستسعى بالطبع إلى الاستفادة من ملف الأسرى لديها باعتباره ورقة التفاوض الأقوى في الوقت الراهن.

حرب لم تُحسم بعد ..

في نهاية المطاف، تبقى للحرب خططها وحساباتها الخاصة وستنتهي بشكل أو بآخر، لكن الأزمة الإنسانية الكارثية التي يعاني منها سكان قطاع غزة لا تحتمل أي نوع من التأجيل. فقد أكدت الأمم المتحدة أن ربع سكان غزة على شفا مجاعة حقيقية. وشددت وكالات الإغاثة مرارًا على أن خطط إرسال المساعدات عن طريق البحر ومن خلال الإنزال الجوي لن تكون كافية على الإطلاق في ظل عدم القدرة على الوصول إلى مناطق كبيرة من القطاع. فإلى متى سيتمكن سكان القطاع من الصمود؟! سؤال يبقى رهين مجريات الحرب وأحداثها غير المتوقعة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version