في حوار شامل مع “نخبة بوست”.. العياصرة: العمل النيابي مرهق ومتعب رغم ثرائه
* العمل النيابي يُدخلك إلى “مطبخ” صناعة القرار في الأردن ويُطلعك على موازين القوى
* أدوار النواب تعرضت لـ “الاغتيال” عندما تحولوا إلى نواب خدمات
* كل أردني يمتلك “كرافة” يرغب في أن يصبح من أصحاب المعالي
* الأردن تاريخيًا لم يصنع أحزابًا إنما “استوردها” من الخارج
* المواطن الأردني يمرّ بمرحلة خطرة اسمها “فائض الوعي”
* آلية إنتاج النخب في الأردن “معطوبة”
* هناك خلاف بين مرجعيات الدولة في توزيع النواب
* المجلس يحتاج إلى منهجية إصلاحية تتسم بـ “الحكمة”
* تحالفات النواب أفسدت الدولة الأردنية
* المظلوم الوحيد في هذه المعادلة هو الدولة
* غالبية التشريعات التي جاءت إلى المجلس النيابي لم تُحدث تغييرًا “مفصليًا”
* هناك حالة تخوين دائمة للأردن بسبب حرب غزة
* ما يجري في فلسطين ملف داخلي – أردني
* الملك خاطر عند مشاركته بإنزال المساعدات الجوية إلى غزة
* موقفنا من حرب غزة لا يمكن أن يكون “أبيض أو أسود”
* الأردن لا يستطيع التحرر من اتفاقيتي الغاز ووادي عربة
* حماس بعد 7 أكتوبر ليست كما قبله
* حرب غزة ستنتهي بمسار سياسي
* إيران المستفيد الأول من المشهد السياسي بالمنطقة
نخبة بوست – وفاء صبيح، رولا أبورمان، أماني خماش
ليس سرًا أن إعداد حوار شامل مع النائب عمر العياصرة ليس قضية سهلة؛ نتحدث عن شخصية سياسية مثقفة، الأكثر قدرة اليوم على صياغة الخطاب الوطني الأردني وبناء سردية الدولة الأردنية، رجل مواجهة لم يعمل يومًا على “تخبئة رأسه”؛ بالمقابل أثار الجدل في العديد من القضايا، وكان قيد حوار ونقاش دائم في الصالونات السياسية.
النائب عمر العياصرة أثبت في السنوات الأربع الأخيرة أنه ليس علامة عابرة؛ بل كان نكهة وطعم مجلس النواب التاسع عشر، حقق فيه العديد من الجدليات حول شخصه الكريم؛ أعادنا بالتاريخ منذ أن كان شخصية معارضة ومحللا سياسيًا عبر قناة الجزيرة، ثم شخصية مقربة من الاتجاه الإسلامي، خاض مع قوائمه انتخابات سابقة، ومن ثم شخصية ترشحت عبر دائرة انتخابية عشائرية إلى نائب سياسي محنك مفوه قادر على إدارة أزماته باقتدار.
النائب عمر العياصرة كان ضيفًا على “نخبة بوست” في حوار شامل مع أسرة التحرير أدارته المدير العام الزميلة أروى أبورمان بحضور رئيسة التحرير وفاء صبيح وصحفيّ الموقع، حوار اتسم بالشفافية في مختلف محاوره، وتاليًا الحوار الكامل:
تجربته النيابية شكّلت منعطفًا سياسيًا
في مستهل حديثه، أكد العياصرة أن تجربته النيابية حققت له فوائد عديدة، إذ بالرغم من العمل الإعلامي والقراءة الجيدة والاشتباك السياسي والفهم العميق لتاريخ الأردن، إلا أن البرلمان له القدرة على تعليم ما لم يُعلّم، فمن خلاله يدخل البرلماني إلى “مطبخ” صناعة القرار ليعرف الكثير عن الأردن وكيف يُصنع، ومن يحكمه وكيف؟ وما هي موازين القوى وكيف تتغير؟ لافتا إلى أن الأهم في هذه التجربة هو التعرف على محددات حركة الدولة الأردنية، وما الذي تستطيع فعله وما الذي لا تستطيع، وما هي تشريعاتها وإمكانياتها ومن هم حلفاؤها، وما هي مساحة قوتها ومواردها؟ فهذا من شأنه جعل النائب أكثر “عقلانية”.
وأوضح العياصرة أن تجربته النيابية شكّلت منعطفًا سياسيًا في مسيرته المهنية، حيث كان حالما ومعارضًا وعمل على تقديم خطاب اعتراض داخل “الموالاة” إلا أن مجلس النواب يُعلّم النائب مدى الحاجة إلى وجود “نخب”، فيكتشف بذلك أن آلية إنتاج النخب بالأردن “معطوبة”، حيث يبحث مئات المرات عن نخب جديدة، ليضطر بعد ذلك إلى تكرار الوجوه، ومن خلال التجربة النيابية يدرك النائب مدى حجم “القطيعة” بين الناس والمؤسسات سواء مجلس النواب أو الحكومة، وقد تصل القطيعة إلى المساس بالرموز المهمة كالقصر والجيش، ولا بد من القول هنا إن الذي أوصل الدولة إلى هذا الترهل، ليس فقط الحكومات إنما تحالف النواب مع الحكومات والمجتمع.
وحول عودته إلى البرلمان المقبل، أكد العياصرة أنه لن يكرر هذه التجربة فهي مرهقة ومتعبة للغاية، مضيفا “بالرغم من ثراء التجربة النيابية إلا أنه لم يجد نفسه في السلطة التشريعية”، وعبّر عن رغبته بأن يخوض التجربة في السلطة التنفيذية، فالقاعدة الانتخابية تطلب من النائب أن يقف “صباحا” عند باب الوزير ليقضي حوائجهم، ويريدونه “مساءً” سياسيًا يعمل على محاسبة الوزير الذي قدم لهم هذه الخدمة، فذلك يؤدي بدوره إلى تخريب المؤسسات لذا يجب العمل على التخلص من هذه العادات لأن المظلوم الوحيد هنا هو الدولة.
من ناحية أخرى، عبّر العياصرة عن استعداده للانضمام إلى أحد الأحزاب، منوها إلى أن انتسابه لحزب معين سيكون بعد إجراء الانتخابات النيابية حتى لا يُفهم من ذلك رغبته بالترشح للانتخابات.
على صعيد متصل، وصف العياصرة الانتخابات النيابية المقبلة بأنها خطوة “جيدة” نحو الإصلاح، لافتاً إلى أن المجلس القادم سيكون أفضل من المجالس السابقة في ظل تطبيق قانوني الأحزاب والنواب الجديدين، واصفا إياه بأنه “سيكون أكثر تسييسًا”، وتابع العياصرة أن المجالس التي ستليه في الأعوام القادمة ستزداد فيها التجربة الحزبية وستصقل أكثر بمعنى سيصبح مجلس النواب في الأردن “حزبي برامجي” وفي نهاية المطاف نصل إلى الحكومة البرلمانية.
وقال العياصرة إن الهدف من المجلس “العشرين” ليس في عدد الأصوات إنما تحفيز المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية، فأساس الدولة الأردنية قائم على “التشاركية” و”الشعبوية” إلى أن نصل إلى عملية سياسية فعالة ونحافظ على التوازن بين السلطات الثلاث.
فالمعادلة لدى العياصرة قائمة على تقييم المجالس بناءً على زيادة منسوب العمل السياسي في كل مكان، بمعنى إذا زاد السياسيون في مجلس النواب سيزيدون في الحكومة.
ونوه العياصرة إلى أن ليس كل ما يقوله الناس حقيقيًا، لذلك عند الحديث عن الفساد يتم تضخيمه، بينما دور الدفاع عن الدولة يتم تقليصه، لا سيما أن الموالاة في الأردن أصبحت “كسولة”، حيث لا توجد موالاة اعتراضية، وهذا من شأنه أن يضعف النخب، فالمجلس يحتاج إلى منهجية إصلاحية تتسم بـ “الحكمة”.
الحركات الإسلامية تتمتع بارتياح أكثر من غيرها
وخلال حواره مع “نخبة بوست”، تطرق العياصرة إلى محددات العمل النيابي قائلاً: “إنها كثيرة ومتعددة ومن ضمنها الأسئلة التي تُطرح على النواب مثل لماذا تصل إلى البرلمان، ما هي المصالح التي ستدافع عنها؟”، إلا أن المشكلة الأساسية هنا تكمن بأن المجلس يعبّر عن المصالح الخاصة، والنائب غير الحزبي عليه أن ينتمي إلى أحد مراكز القوى في الدولة، فهي من تحدد رئيس المجلس ورؤساء اللجنة، أما الحركات الإسلامية فتتمتع بارتياح أكثر من غيرها، فلا يذهبون إلى الوزراء للمطالبة بالخدمات وإنما يبقون في إطار منظومتهم السياسية، وصراعهم مع الحكومة صراع أيديولوجي وليس برامجي.
ولفت العياصرة إلى أن محددات العمل النيابي ترتبط بفردية النائب، بمعنى أن آلية الانتخاب تقوم على أساس الخدمات، وبالتالي التشريع والرقابة والعمل السياسي لا سلطة لهم في هذا المشهد، لا سيما أن معظم التشريعات التي أتت لمجلس النواب لم يطرأ عليها أي تغيير جوهري نظرًا لعدم قيام النواب بأدوارهم التي تعرضت للاغتيال عندما تحولوا إلى نواب خدمات، فهذا يجعل النائب يقدم تنازلات حقيقية للسلطة التنفيذية، وهذا ما جعل جلالة الملك يطمح إلى مشروع إصلاحي لتغيير طريقة تشكيل الحكومات بالمملكة.
النيابة.. “سُلطة”
وفي معرض حديثه عن ميزات العمل النيابي، أوضح العياصرة أن النيابة سُلطة، فالنائب قادر على صناعة خطة حياة للمواطن، وله القدرة أيضا على تعديل القوانين، لافتا إلى أن شرعية الدولة الأردنية بنائها “تشاركي”، ففي عام 1923 كان لدى الأردن قانون الانتخاب، وفي عام 1929 كان هناك ممارسة عملية للانتخاب، وبعد تعطيل مجلس النواب في عام 1976، لجأ جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال إلى تأسيس مجلس وطني استشاري، لذا نحن مضطرون لذلك، ولا يمكن العيش دون تشاركية سياسية.
حكومة الخصاونة.. بطيئة
وعن موقفه من حكومة الخصاونة، قال العياصرة بأن إنجازاتها كانت بطيئة ولم تدافع عن نفسها إعلاميا، كما أنها لم تفصح عما قدمت، بالرغم من أنها عملت على استقرار الكثير من الملفات.
وحول عدم إدخاله في التعديل الوزاري على حكومة الخصاونة، بين العياصرة أن الذي حال دون ذلك هو جدليات إدخال النواب إلى الحكومة كـ “وزراء”، حيث تم اختياره ليكون وزيرا، لكن حصلت اختلافات بين مرجعيات الدولة في آلية توزيع النواب، وبالتالي كان القرار الحاسم بعدم “توزير” النواب، ولدى سؤاله عن ردة فعله على هذا القرار؛ قال ضاحكًا: “كل أردني يمتلك “كرافة” يرغب في أن يصبح من أصحاب المعالي”.
الأحزاب في الأردن “مستوردة”
من ناحية أخرى، تناول الحوار مع العياصرة محور الأحزاب، حيث شدد على ملفين رئيسين يتعين على الأحزاب الخوض بهما هما الاقتصاد والإدارة، وأكد أن نجاح الأحزاب يعتمد على سلوك الأعضاء والناخبين، فإذا كان المجلس “مسيّسًا” سيضطر الملك إلى جلب حكومة “مسيّسة”.
ودعا العياصرة إلى ضرورة وجود أحزاب وطنية ذات برامج وسطية، والتي تسهم في صنع خطاب منسجم مع الحالة الوطنية، بحيث يقدم الحزب الوطني خطابًا فعّالًا لتخليص الأردن من اتهامات التكفير والتخوين التي يتعرض لها نتيجة مواقفه وتحالفاته.
ولفت العياصرة إلى أن الأردن لم يصنع أحزابًا في تاريخه، مضيفا إن فكرة الأحزاب “مستوردة” من الخارج، وقال على سبيل المثال: “الحزب الإسلامي” أفكاره قادمة من مصر، و”الحزب الشيوعي” نابع من الدولة السوفيتية الشيوعية، أما حزب البعث فقادم من سوريا والعراق.
وتطرق العياصرة خلال حديثه عن الأحزاب إلى الحركة الإسلامية ودورها في الانتخابات القادمة، قائلا: “بالنظر إلى نتائج الانتخابات في الجامعات نجد أن الإسلام السياسي تنفس في الأردن، حيث استفاد من قضية الحرب في غزة بما تحمله من عواطف وآمال لدى الناس”.
وأشار إلى أن الإخوان المسلمين في الأردن بحجمهم وعقلانيتهم وطبيعتهم يدركون حيثيات المرحلة التي تمر فيها المملكة وسيكون لهم حضور على الساحة لكن سيبقى ذلك في إطار المعقول والمقبول، مضيفا أنه لا يوجد “قطيعة” للإخوان في الأردن وذلك لكون وجودهم في الدولة الأردنية جزء منه وطني وجزء آخر إقليمي، وله اعتبارات مرتبطة بتحالفات تاريخية للأردن.
المواطن الأردني لديه “فائض وعي” في فهم إمكانات الدولة
من ناحية أخرى، قال العياصرة إن الأردنيين يمرون في مرحلة خطيرة جدًا والتي أسماها بـ “فائض الوعي”. فالوعي لدى الأردنيين كامل، لكنه فائض بمعنى أن المواطن الأردني أصبح حالما ويعتقد بأن الأردن لديه فائض من الإمكانات والموارد المخبئة، وعليه يتعين على أصحاب القرار اليوم الحديث بوضوح مع الشعب عن إمكانات الدولة وقدراتها الحقيقية.
وأكد العياصرة ضرورة التوضيح للمواطن أنه من حق الدولة الأردنية اليوم الجلوس مع إسرائيل على طاولة الحوار، إذ لا يمكن صناعة القرار الأردني بمعزل عن القضية الفلسطينية، فالذي يحكم الوضع اليوم هو “المصالح” وليست “العواطف”.
السيناريو المتوقع لإنهاء الحرب في غزة
وحول سيناريوهات الحرب على غزة، قال العياصرة إنه على الرغم من عناصر القوة التي اكتسبتها القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر والمتمثلة في اعتراف بعض الدول الغربية بالدولة الفلسطينية وحالة التعاطف والتأييد من قبل الشعوب في العالم، إلا أن الحالة السياسية في غزة بعد الحرب ستتمثل بفقدان “حماس” لسيطرتها على القطاع وخسارة قدرتها العسكرية.
واستبعد العياصرة فكرة استمرار سيطرة “حماس” على قطاع غزة، قائلاً إما أنها ستكون شريكة في الحكم أو تفقد سيطرتها بشكل كامل، مما يخلق وجودا جديدا لإسرائيل في غزة والذي بدوره يكثف من الوجود الأمريكي في المنطقة، واصفا القضية الفلسطينية بأنها تعيش داخل خطوط حمراء وتختنق بداخلها بسبب حالة الخلاف وعدم التوافق بين منظمة التحرير الفلسطينية “فتح” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، داعيًا الفلسطينيين إلى إعادة فتح مرجعيتهم وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية للجلوس على طاولة الحوار وتحقيق المكاسب العامة للقضية الفلسطينية.
وشدد العياصرة على أمرين يجب أن يتحققا للمشهد الفلسطيني اليوم، أولاً أن يعود كل فلسطيني للمرجعيات وتنتهي قصة الانقسام بتوحّد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وثانيًا أن تخرج غزة من دائرة الصراع مؤكدًا أن المشهد السياسي الفلسطيني هام للأردن أيضًا واصفًا إياه بـ “الخطوط العريضة”.
ونوه إلى أهمية حالة التعاطف والرغبات والآمال لدى الناس تجاه حرب غزة، لأنها ترهق وتستنزف القوى الإسرائيلية بحسب تعبيره، إلا أنها غير كافية لهزيمة إسرائيل، وفي المقابل أكد أن هزيمة المقاومة غير مبرر الحديث عنها؛ لأن المقاومة “بنيوية” متجذرة بالمجتمع الفلسطيني، وهذا ما يبرر الصمود الأسطوري لدى أهل غزة، مشيرا إلى أن الأمور لم تتضح بعد حول الخاسر الأكبر في المشهد لكنها ستنتهي على الأغلب بـ “مسار سياسي”.
موقف الأردن من غزة يشهد حالة “تخوين”
وبشأن موقف الأردن تجاه حرب غزة؛ انتقد العياصرة قيام البعض بإدانة الأردن وتخوينه، إلا أن هوية الأردن الحيوية ومصالحه الاستراتيجية مرتبطة بشكل أساسي بما يحدث بفلسطين، لافتا إلى أن موقف الأردن الراسخ تجاه غزة لم يكن نتيجة شعور انفعالي عاطفي للأشقاء، ولا بسبب أن نصف الديموغرافيا الأردنية أصولها فلسطينية، إنما لأن ما يجري في فلسطين ملف داخلي – أردني، ولو نجح التهجير ستتأثر بنية الأردن الديموغرافية مما سينعكس على الهوية الوطنية.
وفي ختام حديثه، لفت العياصرة إلى الدول المستفيدة من الحرب على غزة، وأكد أن إيران لن تعمل على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ولن تخوض حربا معها ولا مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تبتز أميركا في إسرائيل، فالحرب في غزة تحقق مكاسب لإيران لن تتنازل عنها بعمليات عسكرية “رعناء” أو حرب شاملة.
وتتمثل هذه المكاسب في تعزيز علاقاتها مع أميركا، حيث كانت ضربتها الأخيرة لإسرائيل بالتنسيق وتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، عدا عن مساعي إيرانية بالحصول على اعتراف دولي بأنها قوة إقليمية، وهذا متمثل في مشروعها النووي، وفي سيطرتها على صناعة القرار في كل من (سوريا، العراق، اليمن ولبنان).