نخبة بوست – وفاء صبيح؛ رولا أبو رمان

تعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بسبب حادثة تحطم طائرة مروحية حدثًا غير مألوف إذا ما تحدثنا على وجه التحديد عن حيثيات وفاة رئيس جمهورية. لكن بعد أن زال هول الصدمة وتراجعت وطأة المفاجأة، بدأ الحديث عن مستقبل البلاد والتغيرات المرتقبة على السياسة الداخلية والخارجية في إيران.

ووفقًا للخبراء والمحللين، فإن وفاة الرئيس الإيراني ستكون لها تأثيرات متعددة الأوجه على البلاد. لكن ما هي التأثيرات والنتائج السياسية المحتملة الحدوث في إيران؟ وهل ستنعكس هذه الحادثة على حدة التوترات مع إسرائيل؟

السياسة الإيرانية ومدى تأثرها بالحادثة

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي

المحلل السياسي د. إبراهيم العبادي يرى أن غياب رئيسي لن يكون له تأثير كبير لا على الداخل الإيراني ولا على مستوى المنطقة، منوهًا إلى أن إيران محكومة بشكل متشدد من قبل بعض المؤسسات وعلى رأسها الحرس الثوري ومؤسسة المرشد الأعلى (خامنئي) الذي يسيطر على كافة مؤسسات الدولة. وبالتالي، فإن تأثير غياب رئيسي لن يكون بذلك التأثير الكبير.

أما على مستوى السياسة الخارجية لإيران، أشار العبادي إلى أنها ستكون أكثر تشددًا من ذي قبل وتميل إلى سيطرة الحرس الثوري عليها، والذي بدوره يميل إلى زيادة حدة التوتر في المنطقة، وخصوصًا في فلسطين وسوريا والعراق. إذ افترض العبادي أن الرئيس الجديد وحكومته ووزير خارجيته سيكون لهم تأثير مختلف على السياسة الخارجية الإيرانية أكثر مما كانت في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي.

تعاطف دولي مع حادثة سقوط الطائرة؛ لكن هل سيعاد النظر بعلاقاتها مع إيران؟

وبالنظر إلى منهج وأسلوب إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، يمكن اعتباره بأنه يميل إلى مدرسة الاعتدال، إذ دائمًا ما كان يحاول أن يقدم نفسه للغرب على وجه التحديد بأنه منفتح على الكثير من العلاقات والملفات في المنطقة. وعلى سبيل المثال، شهدت إدارته في الآونة الأخيرة انفتاحًا كبيرًا بتطبيع العلاقات مع السعودية.

وفي هذا الصدد، توقع العبادي للدور الإيراني القادم في المنطقة أن يشهد زيادة في حدة التوتر على مختلف الجبهات، وتحديدًا على الجبهة الشمالية للكيان الإسرائيلي، إضافة إلى سعي إيران لإطالة أمد الحرب في غزة، عدا عن استثمار إيران أكثر لدور الحوثيين فيما يعرف بـ “عسكرة باب المندب”. وبالتالي، فإن التأثير القادم لهذه الحكومة سيتمثل، بحسب العبادي، في زيادة حدة ملفات التوتر لعدة أهداف منها السيطرة على أي عملية تفاوض قادمة في المنطقة، لا سيما مع عودة الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية ومؤشرات بعودة ترامب مرة أخرى، إذ إن الإيرانيين يعون تمامًا ماذا يعني عودة الجمهوريين وإغلاق ملف التفاوض النووي الإيراني.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه خلال حادثة اختفاء الطائرة وعدم القدرة على الوصول لها، عرضت العديد من الدول – حتى التي تختلف مع إيران – تقديم الدعم والمساعدة، مما وضع علامات استفهام حول مدى انعكاس هذه المبادرات على طبيعة الخلاف فيما بينهم؟

وفي هذا الصدد، أكد العبادي أن “مشروع النفوذ الإيراني” أكبر من ذلك ولن يأخذ بعين الاعتبار هذا النوع من “التودد” من بعض القوى في المنطقة، مضيفًا أن مشروع النفوذ الإيراني سيأخذ شكلًا آخر في المرحلة القادمة وسيكون أكثر حدة وتوترًا وتصعيدًا من الجانب الإيراني في الكثير من الملفات.

وأضاف أن هناك تيارًا جديدًا بدأ يتشكل داخل إيران، حيث يؤمن هذا التيار بأن القيادة الإيرانية تستثمر في فقدان القيادات باختيارهم من قبل إسرائيل أو قوى أخرى، أو على غرار عملية السقوط الأخيرة لطائرة الرئيس إبراهيم رئيسي. ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد قراءات أولية عن مدى تأثير التيار الجديد بعد حادثة السقوط على المستقبل الإيراني الداخلي وحتى الخارجي، فالتيار بدأ يتنامى وربما يجد دعمًا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد الانتخابات القادمة، أو يكون هناك حركة شعبية إيرانية لإسقاط نظام الحرس الثوري ونظام المرشد الأعلى، ولكن هذا الأمر سيكبد إيران خسائر وخيمة، وفقًا للعبادي.

التوترات بين إسرائيل وإيران، هل ستتأثر؟

من ناحية أخرى، لا يمكن صرف النظر عن التوترات بين إيران وإسرائيل وخاصة أنها أثيرت في الفترة الأخيرة مع تصعيد الحرب في غزة. إلا أن العبادي يرى أن هذه التوترات ستبقى موجودة وستزداد في الفترة القادمة على بعض الجبهات، فمن وجهة نظره سيبقى هذا التصعيد في إطار الاشتباكات تحت سقف محدد، بالنسبة لإيران لا ترغب بالذهاب بعيدًا إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل، فالمشروعان الإيراني والإسرائيلي يتنافسان بأدوات مختلفة لكن كلا الطرفين لا يضعان في استراتيجيتهما الذهاب إلى حرب مفتوحة فيما بينهما.

الشلبي: السياسات من الصعب أن تتغير بتغيّر الشخوص

من جانبه قال د. جمال الشلبي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية بأن هذه الحادثة مأساة وطنية إيرانية لا أحد توقع حدوثها، إلا أن غياب الرئيس لا يمكنه أن يؤثر على بناء ونشاط الدولة الإيرانية. ففي النهاية، الأدوار والرؤى والاتجاهات السياسية الاستراتيجية والعسكرية يأخذها المرشد الأعلى للدولة “علي خامنئي” واصفًا إياه “بالحارس” على الأهداف السياسية والاستراتيجية التي وضعتها الثورة الإيرانية منذ عام 1979، بالإضافة إلى وجود مؤسسات أخرى مثل الحرس الثوري الذي يسيطر أيضًا على زمام الأمور العسكرية في إيران.

وقال الشلبي إن إيران على الرغم من أنها دولة دينية إلا أن هناك مؤسسات مدنية، سياسية، عسكرية، وبرلمانية متجذرة منذ الثورة الإيرانية. حيث أعلنت إيران أنها ستجري الانتخابات الرئاسية في 28 حزيران المقبل.

وأشار في حديثه إلى المادة 131 من الدستور الإيراني التي تنص: “في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة وجود بعض العقبات أو ظروف أخرى مشابهة، يتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية المهام بدلاً عنه.”

كما تؤكد المادة أيضًا أنه يتوجب على الهيئة المؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول لرئيس الجمهورية أن يعملوا على اتخاذ الترتيبات اللازمة ليتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال فترة 50 يومًا على أقصى تقدير.

أما في سياق التحول في السياسة الخارجية، أكد الشلبي أن السياسات من الصعب أن تتغير بتغيّر الشخوص، وإيران لديها طموح، فالدور الإيراني لا يتغير قد تختلف الأساليب والتكتيكات ولكن الاستراتيجية واضحة وباقية.

وحول الشأن الإسرائيلي، شدد الشلبي على أن التوترات الإسرائيلية الإيرانية لم تعد مرتبطة فقط بالحرب على غزة، إنما مع الجبهة الشمالية الإسرائيلية وضربات الحوثيين للموانئ والسفن الذاهبة لإسرائيل وأمريكا، عدا عن ضربات الحشد الشعبي العراقي التي وصلت إلى حيفا. فالتفاوض الإيراني اليوم لن يتم حصره مع الجانب الإسرائيلي وحسب، إنما مع الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version