نخبة بوست – أماني خماش
تتزايد الجدليات حول تأكيد انعقاد مهرجان جرش للثقافة والفنون هذا العام أو لا، خصوصًا في ظل تصريحات وزيرة الثقافة هيفاء نجار مؤخرًا بأن إقامة المهرجان لا تعتبر أولوية في الوقت الراهن نظرًا للأوضاع المأساوية التي يمر بها الشعب الفلسطيني، لاسيما في قطاع غزة.
وفي ظل تباين الآراء بين مؤيد ومعارض، يرى المؤيدون أن المهرجان يشكل نافذة حضارية تبرز الوجه الثقافي للأردن وتعزز السياحة الثقافية، مؤكدين على أهمية استمراره كمنصة للتبادل الفني والثقافي.
بالجانب الآخر، يعرب المعارضون لإقامة المهرجان هذا العام عن ضرورة التركيز على الأولويات الوطنية في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة المنكوب، وتركيز الجهود على الفعاليات التي تدعم صمود سكان القطاع والضفة الغربية إزاء الاحتلال الإسرائيلي.
الطاهات: مهرجان جرش إرث أردني لا يمكن التخلي عنه
وفي هذا الصدد، قال عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة اليرموك د. خلف الطاهات إن مهرجان جرش هو إرث أردني لا يمكن التخلي عنه، بل يجب توظيفه الآن كصوت عربي أردني قادر على إيصال معاناة الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية من خلال الفن والثقافة، ومن خلال أيضًا استضافة الفنانين والمثقفين العرب الذين يسهمون في دعم فلسطين على الساحة الفنية والثقافية والغنائية، فالفن كان له دور في إعادة إحياء الكثير من القضايا الإنسانية.
وبيّن الطاهات أن مهرجان جرش هو منبر للدولة، يمكن توظيفه للتأكيد على موقف الأردن الثابت تجاه ما يحدث في غزة، وهو فعالية ثقافية فكرية دولية يجب استثمارها في دعم قضايا الأمة العربية، لاسيما أنه حلقة من سلسلة حلقات الدعم الأردني السياسي والدبلوماسي والإعلامي، الذي عمل الأردن منذ بداية العدوان على توظيفه لدعم القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن الفن الفلسطيني كان حاضرًا منذ البدايات كوسيلة استخدمها الشعراء والفنانون الفلسطينيون لإيصال حقيقة المشهد الفلسطيني، ويمكن الاستشهاد بكثير منهم كمحمد عساف وأغانيه الفلسطينية، والشاعر محمود درويش الذي كان من أبرز الأقلام التي جسدت المعاناة الفلسطينية بكلماته وأشعاره، كما لا يمكن أن ننسى الصوت النسائي في الداخل المحتل الذي عمل على نقل التراث الفلسطيني وأرشفته دلال أبو آمنة.
الجهني: إيقاف المهرجان هذا العام ينسجم مع عادات الأردنيين
من جهته، بيّن مدير مكتب كتلة الإصلاح النيابية خالد الجهني أنه لا يجب إقامة المهرجان في ظل سيل الدم في غزة، فقد سبق وأن أوقف المهرجان خلال فترة الحرب على لبنان عام 1982، وإيقافه هذا العام ينسجم مع عادات الأردنيين، فالأردنيون عند حزن جارهم يختصرون شكل أفراحهم، ومن هذا المنطلق يجب التفاعل مع الحدث الأهم، خصوصًا أن ما يحدث في غزة هو تهديد للأردن، لذلك يجب إقامة المهرجان لإحياء ثقافة المقاومة، وإذكاء الروح الوطنية الأردنية، ولإبراز معاناة أهل غزة.
ولفت الجهني إلى أن الدول عندما تُستهدف توقف بث جميع الأغاني العاطفية، فلماذا لا يكون مهرجان جرش هذا العام ذو طابع وطني، يتحدث عن بطولات الجيش والشعب الأردني على أرض فلسطين، فيمكن التوجه للحديث عن شخصيات أردنية بارزة قدمت التضحيات لفلسطين، مثل كايد عبيدات، وعبدالله التل وغيرهما، وذلك من شأنه أن يعبر عن الصبغة التعبوية الوطنية الأردنية لما قدمه الأردن تجاه القضية، وعند ذلك تصل الرسالة للفلسطينيين بأننا ندعم صمودهم.
وأشار الجهني إلى أن مهرجان جرش خرج عن إطار تقديم الثقافة والفنون، وأخفق في إقناع المجتمع برسالته، فلا يوجد له رسالة واضحة، وارتبط بذهنية الأغاني والطرب ليس أكثر، بينما مسماه أشمل من ذلك، لافتًا إلى أن المهرجان منذ سنوات يعاني الخسائر، ويثقل كاهل المدينة، من خلال ما يحدثه من إرهاق لأهالي المنطقة خلال فترة إقامة المهرجان، كانقطاع المياه وأزمة المواصلات.
العبادي: لا أحد يزايد على الأردنيين بموقفهم تجاه غزة
من جانبه، قال نقيب الفنانين محمد يوسف العبادي إن حصة الغناء في مهرجان جرش هي الأقل، حيث إن فعاليات المهرجان متعددة، فيوجد به الأدب والشعر والفكر والثقافة والمسرح والسينما، وعمل المهرجان خلال العامين الماضيين على إقامة مهرجانين على هامش مهرجان جرش، المهرجان المسرحي والمهرجان السينمائي، سيما أن المسرح يعد شكلاً من أشكال النضال، والسينما والأغنية كذلك، حيث عرض في المهرجان 53 مسرحية أردنية.
وأضاف “لا أحد يزايد على الأردنيين بموقفهم تجاه ما يحدث في غزة، وبرغم الحرب والهجوم الهمجي والشرس على البشر والشجر والحجر في غزة وفلسطين، إلا أنه لا يمكن تعطيل مرافق الحياة في الأردن، والأردنيون قوميون عرب بالسليقة، فالأردن يكون حيث يكون الجرح”.
ونوّه العبادي إلى أن مهرجان جرش هو مهرجان الدولة الأردنية، وإقامته يعود لقرار سياسي متعلق بظروف الدولة الأردنية والمزاج العام، ونحن متضامنون كليًا مع غزة على المستويين الرسمي والشعبي، وتجسد ذلك بإمداد جلالة الملك أهالي غزة بالإنزالات الجوية، رغم ما لذلك من خطورة، والموقف الشعبي لا يختلف فهو ثابت، ولا يتغير تضامنه مع غزة والقضية الفلسطينية، إلا أن الحياة يجب أن تستمر، نحن بحاجة إلى أردن قوي، ليستطيع الوقوف مع المشروع الفلسطيني.
وبشأن ما حدث من جدلية حول إقامة مهرجان جرش، أوضح العبادي أن المهرجان لا يقتصر على الغناء فقط، حتى وإن كان المهرجان ذا طابع غنائي، فالأغاني تعد أحد مصادر الدعم المعنوي، وتحديدًا الأغاني الوطنية التي كانت تشارك مع الجنود في الحروب، وذلك من أجل تعزيز موقف الجنود، وإذكاء روح الحماس والنخوة في نفوسهم، فالأغنية ليست عيبًا، سيما أن الأغنية الوطنية أسهمت مساهمة فاعلة بكل معارك الأمة ضد أعدائها.
حداد: يجب تجاوز العناوين العريضة والذهاب للمنطق
على صعيد متصل، قالت مديرة دائرة الفن والمنوعات في صحيفة الدستور رنا حداد إن مهرجان جرش هو مهرجان ثقافي فني فكري، وله شقين: الأول ثقافي والثاني فني، وتتفرع عن المهرجان فعاليات ثقافية كالمسرح والأمسيات الشعرية، فلا يمكن الحكم عليه ووأده بسبب جانب واحد فقط، وهو جانب الحفلات الغنائية، حيث يجب الذهاب للمنطق، وتجاوز العناوين العريضة والمضللة، فالحفلات الغنائية هي جزء من المهرجان تقام آخر نهار جرش، حيث يبدأ البرنامج من الصباح، ويستهل نشاطه بالندوات وتكريم شخصيات وطنية.
وقالت حداد إن المهرجان يتخلله حضور قوي للسينما والمسرح، وحوارات وأمسيات شعرية وقصصية، علاوة على أن جميع ما تم تناوله من الأعمال هي أعمال مخلدة ذات قيمة، ومن خلال العمل مع لجنة المهرجان تم الاطلاع على آلية عمل اللجنة، التي تقوم على استقطاب شخصيات ثقافية لإقامة الندوات التي من شأنها أن تثري المشهد الثقافي والفني العربي، ومن التوصيات التي خرجت بها اللجنة العام الماضي ضرورة تضمين الدراما العربية للقضية الفلسطينية.
وبيّنت حداد أن المهرجان له مميزات عديدة، من ضمنها حرصه على استضافة الدول كضيوف شرف، الذي من شأنه أن يوطد العلاقات بين الأردن والدول المستضافة، سيما أنه في العام الماضي أسس ركنًا خاصًا للهيئات الدبلوماسية، تعرض من خلاله فلكلور بلدها، بالإضافة إلى أنه يتم عرض منتجات لنزلاء الإصلاح والتأهيل، وإقامة البرامج الداعمة للشعراء، والمعارض الفنية الداعمة للفنانين التشكيليين العرب والأجانب، ومن وحي المنطقة يستلهمون رسوماتهم التشكيلية، ومن جهة أخرى يعمل المهرجان على دعم المجتمع المحلي، بالإضافة إلى أنه يحاكي شوق المغترب الأردني ليرى الفلكلور والتراث الأردني حاضرًا في المهرجان.
وشددت حداد على أن غزة في القلب، وشعور العجز تجاه ما يحدث يجب ألا يقودنا فقط لرفع الشعارات، حيث يمكن إقامة المهرجان لدعم أهل غزة، ويجدر التنويه هنا إلى أن بعض الحفلات التي تقام يعود ريعها لدعم أطفال غزة، ولا يمكن خفت صوت الفن في أوقات الأزمات، لما لذلك من تأثير على هذه الأزمات، فقيادة الرأي العام العالمي سببه الفن ومواقع التواصل الاجتماعي، فهما أدوات الجيل الجديد، ونستطيع مخاطبته من خلالهما، ومن هذا المنطلق يجب العمل على برنامج يتماشى مع الوضع الراهن، فيمكن الاستغناء عن جزء الحفلات الغنائية، والاستعاضة عن ذلك بالأغاني الوطنية.
وبشأن الجدلية التي حدثت بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول إقامة المهرجان، نوّهت حداد إلى أنه كان يجب مخاطبة الجمهور بشكل مباشر للحديث حول حيثيات إقامة المهرجان من قبل الجهات المعنية، تجنبًا لهذه الجدلية، وفي مثل هذه المحكّات يجب أن يبرز دور الإعلام، وليس مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام هو الجهة المخولة لتقديم المشهد بشكل واضح للمواطن، والمحزن أنه منذ بداية مهرجان جرش إلى الآن قيمة المهرجان لم تقدر بالمستوى المطلوب، ولم تعرف كافة فعالياته وبرامجه.