أربعة أعوام تفصل تركيا، العراق، قطر، والإمارات عن وضع حجر الأساس للمرحلة الأولى لتنفيذ ما يعرف بمشروع “طريق التنمية”، إذ يُعتبر هذا المشروع الأضخم من نوعه بتكلفة تبلغ 17 مليار دولار، كما يهدف إلى ربط دول الشرق بالغرب.
يتكون المشروع من ثلاث مراحل، تنتهي المرحلة الثالثة والأخيرة عام 2050، بطول يبلغ 1200 كيلومتر. ينطلق مشروع “طريق التنمية” من الميناء العراقي الكبير في الفاو المطل على الخليج العربي، بمسارين مزدوجين يمران بتركيا وصولًا إلى دول أوروبا.
المسار الأول مخصص لشاحنات نقل البضائع، والثاني للقطارات الكهربائية، مما سيخفض مدة نقل البضائع من 33 يومًا إلى 15 يومًا. كما يمثل المشروع بوابة عبور للبضائع بين أوروبا ودول الخليج، متيحًا لدول أوروبا فرصة إيجاد مصادر طاقة بديلة عن روسيا.
لا شك أن المشروع سيفتح الباب على مصراعيه أمام تركيا والعراق ودول المنطقة لتحقيق تنمية اقتصادية وتجارية من خلال إيجاد أكثر من 100 ألف فرصة عمل. ومن المتوقع أن يضخ المشروع نحو 4 مليارات دولار أرباح سنوية لكل من تركيا والعراق، كما سيساهم المشروع في إزالة الهواجس الأمنية التي كانت تشكل عائقًا أمام العراق في تعاملاته مع دول العالم وسيعيده إلى الحضن العربي.
على الرغم من العوائد الإيجابية للمشروع، إلا أنه قد يشكل ضربة اقتصادية موجعة لاقتصاديات بعض دول المنطقة التي تعتمد على حركة التجارة في البحر الأحمر. التغيرات السياسية والأمنية السريعة في منطقة البحر الأحمر، وخصوصًا نتيجة هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى إسرائيل دفعت الدول إلى البحث عن بدائل أكثر أمانًا لتنقلاتها التجارية.
دية: المشروع العراقي-التركي أكثر واقعية وجدوى من نظيره الأمريكي
في الآونة الأخيرة، يكثر الحديث عن عزم بعض الدول على إنشاء ممرات تجارية آمنة تمر عبر منطقة الشرق الأوسط بسبب أهميتها الإستراتيجية؛ كمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والمشروع الأمريكي الذي يربط الهند بأوروبا مرورًا بدول الخليج العربي والأردن وإسرائيل.
الخبير الاقتصادي منير دية يرى أنه في ظل الأحداث الجارية في المنطقة من العدوان على غزة والتهديدات الأمنية على السفن في منطقة البحر الأحمر، لن يرى المشروع الأمريكي النور، وسيأخذ منحى عكسيًا لما كان متوقعًا له.
وأرجع دية فشل المشروع إلى ضغط الشارع العربي على حكوماته لكبح جماح أي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك، يرى أن المشروع العراقي-التركي سيكون أكثر واقعية وجدوى من المشروع الأمريكي.
وعند الحديث عن الممرات التجارية، يُستبعد دور قناة السويس في المنافسة مع أي ممر تجاري آخر. ويفسر دية وجهة نظره قائلًا “قناة السويس، التي تمر من خلالها 88 مليون حاوية سنويًا، تستحوذ على 12% من حركة التجارة البحرية العالمية، لذا لا يمكن أن يُعد مشروع طريق التنمية، الذي يُتوقع أن ينقل 3.8 مليون حاوية سنويًا، بديلاً عنها، فلا أساس للمقارنة هنا.”
أبوزيد: صراعات إقليمية ودولية ستحد من نجاح المشروع
من جانبه، قال الخبير السياسي نضال أبوزيد إن المشروع سيواجه عقبات وصراعات إقليمية في البيئة الجغرافية العراقية، وخصوصًا الصراع مع إقليم كردستان العراق، لافتًا إلى محاولات بعض القوى الدولية لإفشال المشروع نظرًا لتعارضه مع مشروع طريق الحرير.
وبحسب أبوزيد فإن أبرز تحديات المشروع تكمن في ارتفاع تكاليف النقل البري مقارنة بنظيره البحري، بالإضافة إلى أن التمدد الإيراني في الأسواق العراقية والسورية وجزء من الأسواق التركية يعرقل المشروع؛ مما قد يدفع إيران لرفض الممر البري الذي يهدد مصالحها في هذه الأسواق ويبعدها عن أي مشروع استراتيجي إقليمي، وهذا يتنافى مع سياستها البراغماتية.
وفي ظل استياء بعض دول الجوار من مشروع طريق التنمية وتداعياته، نوه أبوزيد إلى أن الأردن سيتأثر بشكل أو بآخر بسبب اعتماده على ميناء العقبة كممر تجاري يمر بسوريا وتركيا إلى أوروبا؛ لذا يواجه الأردن تحديًا في إيجاد حلول عاجلة للحد من تأثير المشروع التنموي على اقتصاده، خاصةً أنه قد يفقد السوق العراقي والأسواق الأوروبية لتصدير الخضار والفواكه.
ولفت أبوزيد إلى أن الأردن يفكر جديًا في مشروع إقليمي “طريق عمان التنموي”، للحد من تداعيات المشروع العراقي-التركي، وسيشمل المشروع الأردني خطًا للسكة الحديدية يمتد من حيفا مرورًا بالأردن وصولًا إلى الأراضي السعودية والبحر الأحمر والخليج العربي؛ وهذا قد يعزز التعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما في ضوء التطبيع السعودي-الإسرائيلي الأخير.
في سياق تذليل العقبات، يجب على الأردن مراجعة سياسات النقل والترانزيت والتخليص، وتقليل أجور النقل البحري، والعمولات والضرائب، وتخفيض التكاليف والرسوم، وإيجاد بدائل وطرق برية لتأمين نقل البضائع؛ للمحافظة على السوق العراقي وأسواق دول الجوار؛ ليكون قادرًا على منافسة المشاريع الإقليمية الكبرى.
في هذه الظروف، تظل المنافسة الإقليمية والدولية عاملًا حاسمًا في تحديد مسار ونجاح مشروع طريق التنمية، مع الأخذ في الاعتبار أن التعاون الدولي والإقليمي قد يلعب دورًا محوريًا في تجاوز العقبات الجيوسياسية وتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص التنموية المتاحة.