نخبة بوست -لا شكَّ بأن إجراء الإصلاحات الدستورية وتعديلات قوانين الأحزاب والانتخابات فتح الباب أمام المشاركة الحزبية في الحياة السياسية في الأردن، وأصبحنا نشهد حراكًا حزبيًا وتشبيكًا مع الفعاليات الثقافية والشبابية والأكاديمية. وأخذت الأحزاب تتسابق في شرح برامجها واستقطاب الفئات المختلفة للمشاركة فيها. وتمكَّن حوالي 38 حزبًا من تحقيق الشروط القانونية والحصول على الترخيص، وأجزم بأن هناك العديد من الأحزاب الأخرى تسعى إلى استكمال تحقيق الشروط وربما سنشهد ولادتها قبل الانتخابات المقبلة.

وأخذت الاستقطابات أثناء تأسيس الأحزاب عدة أشكال، كان بعضها الإقناع بمبادئ الحزب، وبعضها العلاقات الشخصية أو الاقتداء والتبعية لبعض الأشخاص، وبعضها الإغراء بأن يتبنى الحزب بعض الأشخاص وتسميتهم كمرشحين محتملين للانتخابات القادمة أو توقع الحصول على مناصب، أملاً بدخول الحزب في حكومة ما بعد الانتخابات بعد الحصول على مقاعد كافية تتيح له المشاركة في الحكومة.

وبالنتيجة، أصبحت هناك فئة ملتزمة بالحزب، يتفاوت حجمها من حزب لآخر، ولدينا أيضًا بعض الحزبيين المرتبطين ببقائهم في الحزب بتحقيق أهدافهم ومصالحهم، منها البقاء في مواقع قيادية أو ترشيح الحزب لهم لخوض الانتخابات أو تسلمهم وظائف عامة في حال تمكن الحزب من الدخول في الحكومة. وبدأنا نشهد بعض الاستقالات التي ربما ارتبطت بهذه الأسباب، وبالتأكيد سنشهد المزيد منها في المرحلة القادمة.

ولحين نضوج التجربة واستقرار الحياة الحزبية، والتي تتطلب عدة سنوات وخوض العديد من الانتخابات، فإنه من الطبيعي أن تمر الأحزاب بتقلبات واستقالات على كافة المستويات ولأسباب مختلفة. فتجربة الحياة الحزبية في تسعينات القرن الماضي قد أفضت الى غياب بعض الأحزاب إما بسبب برامجها غير الواقعية أو لعدم نضوج تجربتها وعدم تطويرها ومرونتها، وأغلبها بسبب ارتباط وجودها بأشخاص ورموز مؤسسيها وقياداتها.

وكان بعض من منتسبي الأحزاب يخوض الانتخابات البرلمانية أو البلدية من خلال التزكية العشائرية والجهوية دون الإفصاح عن انتمائهم إلا بعد نجاحهم. وهذا يبين مدى الوهن والضعف واللاشعبوية التي مرت بها تلك الأحزاب وعدم تمكنها من الوصول إلى الناخب وإقناعه بفكرة التصويت بناءً على البرامج قبل إقناعه ببرامج الحزب نفسه (إن كانت له برامج).

وجاء قانون الانتخاب الجديد ووضع كوتة للأحزاب بهدف توفير بيئة تشريعية لإنجاح التجربة الحزبية الجديدة والاستفادة من تجربة التسعينات، وبالتالي وضع الكرة في مرمى الأحزاب لتقوم بما يتوجب عليها القيام به وترتيب أوراقها. وبذلك تقع على عاتق الأحزاب مسؤولية كبيرة في المساهمة في إنجاح التجربة أو فشلها ربما من خلال السعي إلى القيام بمجموعة من الخطوات الرئيسية:

أولها: ولغايات الاقتناع بمصداقية تلك الأحزاب وفعالية البرامج وزيادة فرص تنفيذها والتسهيل على الناخب في تحديد خياراته وتعزيز ثقته، فإن على الأحزاب المتقاربة فكرياً القيام بالتآلف أو الاندماج، أو على الأقل توحيد برامجها، وإنتاج ثلاث تيارات، وسطي، يمثل أحزاب الوسط (وهي كثيرة)، وإسلامي، وهي أحزاب التوجه الإسلامي، ويساري، تمثل أحزاب التوجه اليساري، فالإزدحام يعيق الحركة، وهذا بالتأكيد يساهم بشكل كبير في تجاوز مشكلة تمويل الحملات الانتخابية التي بدأنا نشهد معالمها في تشكيل تلك الأحزاب قوائمها الانتخابية.

وثاني هذه الخطوات: مؤسسة عملها لضمان استمراريتها وصمودها في وجه التحديات وخصوصًا عند تغيير قياداتها ومدى قبولهم الاستمرار في الحزب عند انتخاب قيادات بديلة من قبل منتسبيها. فتقبُّل نتائج العملية الديموقراطية لا يكون فقط على مستوى نتائج الانتخابات الوطنية، بل يجب أن تسبقها تقبُّل نتائج الانتخابات الداخلية وفرز قياداتها ومرشحيها. فالتنافس على المواقع القيادية داخل الحزب حق مشروع لكل عضو من خلال التوافق أو الانتخاب الشفاف وإقناع الأغلبية بقدرته على القيادة والسعي إلى تحقيق برامج الحزب وخططه.

وثالث الخطوات: العمل على تعزيز الوعي الحزبي وثقافة العمل الجماعي على مستوى منتسبي الأحزاب وعلى مستوى المجتمع عامة، وشرح البرامج والمواقف الحزبية من القضايا العامة بلغة بسيطة وواضحة يفهما الجميع، وخصوصًا منتسبيها، توصل الرسائل الإيجابية بأهمية الأحزاب في المشاركة في العملية السياسية ودورها في التنمية الاقتصادية وتحقيق تطلعات الفئات المختلفة.

ورابع الخطوات: العمل الدائم على تحديث البرامج والأهداف وتعديلها بما يتناسب مع الخبرات المكتسبة والتغذية الراجعة من المعنيين بما يواكب التطورات والأحداث والبعد عن الجمود الفكري والتمترس خلفها.

إن النظر إلى التجربة السابقة خلُص إلى أن ممارسات بعض الأحزاب قد خلقت فجوة ثقة بين الأحزاب وقياداتها وبين المواطن الذي يشعر بأن الأحزاب ما هي إلاّ طريق قياداتها إلى المناصب والمنافع، وأن تعددها وعدم تآلف المتقارب منها يعزز هذا الشعور، وبالتالي أدى إلى العزوف عن المشاركة في الأحزاب. وعليه، فإنه تقع على عاتق الأحزاب مهمة العمل على سدّ هذه الفجوة بالفعل قبل القول وبناء الثقة والعمل بشفافية وانفتاح وإطلاق وعود قابلة للتطبيق.

إن الطريق طويل ويتطلب المزيد من الوقت والجهد والعمل المخلص. وبالتأكيد بأننا لا نتوقع بقاء الحال على حاله، فسوف نشهد أحزابًا تسقط وأُخرى تنهض وغيرها تكبر.”


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version