نخبة بوست – في ظل الحديث الدائر على الساحتين العربية والدولية حول سيناريوهات الحرب المتوقعة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ومدى احتمال تصعيد القتال بين الطرفين، قال المحلل السياسي ومدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إنه حينما يتصل الأمر بالصراع بين المقاومة اللبنانية حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، لا يمكن سحب أي من السيناريوهات المتداولة.

وأشار الرنتاوي في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إلى أن كل الخيارات والاحتمالات مطروحة على الطاولة، على الرغم من أن جميع الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي والحكومة اللبنانية، إضافة إلى حزب الله، وإيران، وإسرائيل، والدول العربية، ليس لديهم رغبة في الانجرار نحو حرب إقليمية واسعة المدى. مضيفًا أن الحرب في لبنان هي بوابة حرب إقليمية واسعة، وحزب الله لن يُترك وحده إذا تصاعدت المواجهات، وفي مثل هذا السيناريو ستكون أطراف متعددة ملزمة بالدخول في هذه المعركة، فثمة التزامات تجبر هذه الأطراف على الانخراط في الحرب بشتى السبل الممكنة.

وعن الموقف الإسرائيلي من توسع الحرب على الجبهة اللبنانية، أوضح الرنتاوي أنه يوجد في التيار الإسرائيلي أطراف تسعى إلى الخلاص بحرب واحدة من حزب الله ومن حماس وإيران، فهذا التيار الإسرائيلي هو الأكثر تشددًا والأكثر عقائدية، ويعمل على أن يستجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب شاملة تستهدف إيران وحلفاءها في الإقليم، وكان ذلك واضحًا منذ بداية الحرب ولا يزال قائمًا.

وفي ذات السياق، نوه الرنتاوي إلى أن اجتماع الجنرالات الاحتياط الألف الذي عقد مؤخرًا، أظهر حجم التطرف الذي يجتاح هذا المجتمع، حيث تعالت صيحات الحرب ليس فقط على غزة وإنما على لبنان وإيران، وعلى جميع الأطراف المنخرطة في هذا الصراع.

الرنتاوي لـ "نخبة بوست": سيناريو اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني "غير مرجح"

وشدد على أنه لا يجوز سحب سيناريو الحرب من التداول، فقد أوضح حزب الله بشكل لا يبقي مجالًا للشك، بأن احتمالات الانجرار إلى حرب شاملة واردة، وبناءً على ذلك يجري استعداداته هو والحلفاء لمواجهة سيناريو من هذا النوع، والأطراف جميعها على الصعيدين الإقليمي والدولي، تتحسب لخيار كهذا، وتبني على الشيء مقتضاه.

على صعيد متصل، نوه الرنتاوي إلى أن الجيش الإسرائيلي ليس في حالة قتالية وتجهيزية وتعبوية ومعنوية مناسبة لخوض حرب على الجبهة الشمالية، والتي ستكون بكل المعايير أشد قسوة ووطأة على هذا الكيان. فما عادت به مسيرات حزب الله “الهدهد”، وما استطاعت تصويره من أهداف ومعلومات وإحداثيات العصب الرئيسي الاستراتيجي، والاقتصاد، والحياة المدنية والعسكرية الإسرائيلية في شمال فلسطين، وعلى وجه الخصوص مدينة حيفا، أقنعت الإسرائيليين أن الحرب القادمة ستكون وبالًا على كافة الأصعدة، ومنها الجبهة الداخلية، والاقتصاد الإسرائيلي، والعصب السكاني، بالإضافة إلى التمركز الاجتماعي التجاري والبحري. ومع هذه الأسباب لا يزال سيناريو اندلاع حرب شاملة “غير مرجح”.

وعن المشهد الغزاوي، أوضح الرنتاوي أن الجيش الإسرائيلي يواجه مشقة ومعاناة في مواجهة حماس بقطاع غزة، والتصريحات الصادرة عن القادة والناطق باسم الجيش، وأعضاء كنيست الحرب، وغيرهم، أظهرت استحالة تصفية حركة حماس، وإمكانية استرداد المختطفين. فكيف سيكون الأمر في حال ذهبت إسرائيل باتجاه التصعيد في الجبهة الشمالية؟!

وبين الرنتاوي أن أكذوبة إسرائيل التي تقول إنها تستطيع أن تحارب على جبهات عدة، كما حدث في أكتوبر عام 1973، سقطت تمامًا. فهذا الجيش برهن على أنه لا يستطيع القتال إلا على جبهة واحدة، وبالكاد يحدث ذلك، كما اتضح الأمر في حرب التسعة أشهر في غزة. وبذلك يجب التمييز بين ما هو ادعاء وغطرسة وحرب نفسية إسرائيلية، وبين الإمكانيات الواقعية والعملياتية للجيش الإسرائيلي.

وفي ذات الصدد، أشار الرنتاوي إلى أن سيناريو توسع الحرب على الجبهة اللبنانية، باق كما هو عليه الآن، والمتجسد برفع وتيرة التصعيد، وإيصال المنطقة إلى حافة الهاوية، على أمل التوصل إلى تسوية سياسية ممكنة وواقعية، ولكنها مشروطة بانتهاء الحرب على غزة. فليس هناك سيناريو واحد يقتضي بأن حزب الله والحوثيين “أنصار الله” سيوقفون القتال، ما لم توقف إسرائيل حربها على غزة. فالخيار المنطقي والوحيد هو الذهاب إلى تهدئة في غزة تفتح الأفق أمام تهدئة على جبهات الإسناد.

وفيما يتعلق بالتحذيرات الأخيرة التي جاءت على لسان الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، المتعلقة بالدور القبرصي، والتسهيلات التي يمنحها لإسرائيل، أشار الرنتاوي إلى أنها وسعت من دائرة الاهتمام العالمي بالصراع الدائر في غزة وعليها، وأدخلت قبرص إلى خط النار. فالجميع بات مدركًا بأن النار في غزة قد تطال أطراف الاتحاد الأوروبي بدءًا بقبرص، وقد تفضي إلى ما لا يحمد عقباه، وإلى ما ستؤول إليه تهديد الأمن الأوروبي بشكل أو بآخر، سواء كان ذلك على صعيد التصعيد العسكري، أو على صعيد زيادة وتائر التطرف، وزيادة معدلات الهجرة إلى هذه الدول. ولذلك، الذهاب باتجاه توسيع الحرب على الجبهة اللبنانية قد يؤدي إلى توسيع نطاق المواجهة، ونقل المعركة ليس فقط على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وإنما في عموم شرق المتوسط.

ولفت الرنتاوي إلى أن هذا السيناريو لا يرغب به أحد، والجميع يسعى إلى تفاديه. والجدير بالقول إن تفاديه مرهون بإنهاء الحرب على غزة من جهة، وبعدم حدوث تطورات ليست في الحسبان. فالكثير من الحروب اندلعت رغم عدم رغبة الأطراف المنخرطة فيها بذلك، فوجدت نفسها مرغمة بالضد من مصالحها وإرادتها، وهذا الاحتمال يبقى قائمًا طالما الميدان مشتعل. فضربة إسرائيلية كبيرة في لبنان، ستدفع بالأمور من حافة الهاوية إلى قعرها، وكذلك الأمر في حال شن حزب الله ضربة قوية على إسرائيل حتى لو عن طريق الخطأ، ستؤدي إلى السيناريو ذاته.

واختتم الرنتاوي بقوله “لا يمكن استبعاد أي من الاحتمالات الواردة”، بالرغم من اعتقاده بأن النظرية الأرجح هي عدم وجود مصلحة للأطراف في الانجرار إلى حرب إقليمية شاملة، باستثناء التيار اليميني الديني القومي، الأكثر تشددًا وتطرفًا في دولة الكيان، المدعوم ببعض الجنرالات في الجيش. وبالرغم من أنهم أقلية على المستويين الإقليمي والدولي حتى الآن، إلا أنهم في مركز التأثير وصنع القرار وأصواتهم مرتفعة، وقد يجرون الإقليم برمته إلى ما لا تحمد عقباه.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version