نخبة بوست – د. صدام أبو عزام ( أستاذ القانون الدستوري)
ينشغل الرأي العام بين الفينة والأخرى بالحديث الدائر في الصالونات والأروقة السياسية من بعض الطامحين في خلق نقاش حول أسماء يتم ترشيحها لتولي الحكومة القادمة، بغض النظر عن مصدر صنع بلونات الاختبار هذه، فإن الأمر لا يحتاج إلى عناء كثير للقول بأن هذا التقليد ذهب أدراج الرياح ولم يعد له وجود بعد تبني مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
فالأمر مختلف كلياً بعد مرحلة التطوير والتحديث السياسي فهذا التقليد الذي ظل سائداً لفترة طويلة – لها موجباتها- لا يمكن الحديث عنه في ظل المرحلة الحالية، إذ إن تفعيل موجبات الإنفاذ لمخرجات اللجنة يوجب أن يتم الانتظار لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية وإعطاء الأحزاب السياسية الفرصة لتشكيل تحالفات على ضوء مخرجات العملية الانتخابية لتشكيل أغلبية برلمانية.
ويشير البعض إلى أن المشاورات يجب أن تتم مع الأحزاب وللأسف هذا النهج أيضا مقلوب رأساً على عقب، إذ إن الأحزاب السياسية هي التي تدير وتشرف على هذه المرحلة ولا سيما حزب أو ائتلاف الأغلبية، بينما تنشغل الأقلية بترتيب صفوفها وتنظيم أدوراها لتطوير نهج رقابة برلمانية على خطة وبرنامج عمل الأغلبية.
وإن كانت مخرجات اللجنة الملكية قد حددت إطارا زمنيا لهذا المشروع الوطني إلا أن هذه المدة مدة تفعيل نهائي، وليست مدة بداية، وإن لم تستطع الأحزاب السياسية – وهي كذلك – أن تشكل أغلبية إلا أنه من الضرورة بمكان البدء بمراكمة أعراف دستورية وبرلمانية تؤدي إلى تفعيل هذا النهج قبل اكتمال المدة المحددة وهي البرلمان الثاني والعشرون.
كل ذلك يتطلب أن تبقى المسألة حاضرة في أذهان الجميع وأن لا يتم الانحراف أو إخراج مضمون الخطة عن فحواها، فعملية التكهن ورسم السيناريوهات مسألة بعيدة عن كل ذلك.
ففي النظام النيابي البرلماني، المطلوب أن يحصد حزب سياسي أغلبية برلمانية وفي حال عدم القدرة تبدأ الأحزاب عملية تشكيل ائتلافات لحسم مسألة الاغلبية وهذه العملية لها ضوابطها واعرافها، وبعد الاعلان عن تشكيل ائتلاف حزبي يمثل الأغلبية يتم تسمية رئيس الوزراء وبالتوازي مع ذلك وضع خطة وبرنامج عمل الائتلاف وتوزيع الحقائب الوزارية وفي بعض الأنظمة السياسية تضع الأحزاب السياسية آلية واضحة لذلك مبنية على أوزان المقاعد التي حصل عليها كل حزب عضو في الائتلاف.
يلي ذلك وضع خطة وبرنامج عمل الأغلبية لمدة أربعة سنوات مقرون بإطار زمني مع كلف تقديرية ومؤشرات أداء، ويمثل البيان الوزراي ملخصاً لهذه الخطة الذي على ضوئه تأخذ الحكومة الثقة، وعلى ضوء ذلك تنتظم الأقلية بتوزيع هذه الخطة والبدء بعملية الرقابة الدستورية على المخرجات.
ولا شك في أن إختيار المرشح الأبرز الذي سوف يقود الحكومة هو جزء من عملية تخطيط استراتيجي وتكتيك انتخابي عميق يديرها الحزب الذي يحظى بالعدد الأكبر من مقاعد مجلس النواب، ومتطلب ذلك تغيير جذريا في آليات العمل الحكومي وتدفقاته، على صعيد الوزارات لتفعيل المسؤولية الوزارية وعلى صعيد مجلس الوزراي.
إذ يتطلب النظام النيابي البرلماني العديد من الأوصاف والسمات التي يجب أن يدركها أعضاء الفريق الحكومي في آليات العمل التي تتواءم مع النظام النيابي، والنزول إلى مستوى الخطط والسياسات والممارسات اليومية وفق مؤشرات الأداء وتمثل كل هذه نبراس العمل اليومي للوزارات والمؤسسات العامة.
تشير بعض التجارب التي مرت بتحول ديمقراطي أو تحديث سياسي إلى أنه يتم تصميم برامج تعريف للفريق الوزاري مدعومة من فريق خبراء مستقل يقدم النصح والمشروة الدائمة للفريق الوزاري يستند فيها إلى سمات النظام النيابي بالبرلماني، فالبعض يعمد إلى أن تكون هذه الفرق في دار رئاسة الوزراء مع ضمان تدفقات العمل اليومية آليات لضمان الحكومة والاحتكام إلى ضمان استقرار تدفقات عمل لا تتعارض مع سمات النظام النيابي البرلماني.