* خطاب جلالته لا يعكس مخاوفه بشأن الوضع الحالي للسياسة الدولية فحسب، بل يضع الأردن أيضًا عند تقاطع حاسم بين ديناميكيات الأمن الإقليمي والدولي
* تأكيد جلالته على أن الأمم المتحدة تتعرض للهجوم ماديًّا وأخلاقيًّا يشكل أهمية خاصة؛ فهو يضع الدور التاريخي الذي لعبته المنظمة في حماية حقوق الإنسان في سياقه بينما يأسف على تراجع نفوذها
* الرد القوي لجلالة الملك على قوى التطرف في الكيان الغاصب والتي تنادي بأن يصبح الأردن “وطناً بديلاً” للفلسطينيين يتردد صداه بعمق في السياق التاريخي للنضال الفلسطيني
* خطاب جلالة الملك في الأمم المتحدة بمثابة إدانة قوية للظلم الدولي الحالي ودعوة واضحة إلى الاهتمام مجددا بمحنة الشعب الفلسطيني
* في عالم شهد ارتفاعًا في الاضطرابات الشعبية والغضب على المستوى الدولي إزاء الظلم المتصور، فإن دعوة جلالة الملك للدول للانضمام إلى الأردن في تسهيل جهود الإغاثة الإنسانية تسلط الضوء على احتمال عودة التعددية
* جلالة الملك مدافعٌ قويٌّ عن الأشقاء الفلسطينيين، يدرك أن نضالهم من أجل تقرير المصير يتماشى مع السعي الأوسع لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي
نخبة بوست – كتب: د. رضا البطوش
ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين خطابًا تاريخيًّا ذو دلالات عميقة في الأمم المتحدة وسط أزمة إنسانية عالمية متصاعدة، وعربدة دون رادع لكيان غاصب تهدد الأمن الإقليمي برمته، ركز فيه جلالة الملك بشكل خاص على ما يتعرض له الأشقاء الفلسطينيين من وحشية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، حيث ان خطابه لا يعكس مخاوفه بشأن الوضع الحالي للسياسة الدولية فحسب، بل يضع الأردن أيضًا عند تقاطع حاسم بين ديناميكيات الأمن الإقليمي والدولي.
ففي الوقت الذي يصارع فيه العالم الأزمات الإنسانية المتصاعدة، يشكل الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة تذكيراً بالغ الأهمية بالحاجة الملحة إلى التحرك. وتتردد صدى كلماته في القضايا الأوسع نطاقاً المتمثلة في العدالة والكرامة والسيادة التي تشكل أساس المحنة الفلسطينية.
خطاب جلالته تذكير بالغ الأهمية بالحاجة الملحة إلى التحرك؛ وتتردد صدى كلماته في القضايا الأوسع نطاقاً المتمثلة في العدالة والكرامة والسيادة التي تشكل أساس المحنة الفلسطينية

سياق الخطاب
يأتي خطاب جلالة الملك في وقت يتسم بالصراعات الدولية والإقليمية المتصاعدة، تجلى في حجم الدمار الذي حل بغزة والضفة الغربية في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما يتعرض له الأشقاء في لبنان، والذي ازاح اللثام عن الوجه البشع لكيان استعماري احلالي غاصب، حيث يؤكد التقييم الصريح الذي قدمه جلالة الملك للأعمال العدائية الجارية على الاتجاه المحزن المتمثل في العنف ضد المدنيين والتآكل الواضح للقانون الدولي والمساءلة. ويساهم تأكيده على الوضع الإنساني المأساوي غير المسبوق الذي يتعرض له الاشقاء الفلسطينيين، إلى جانب انتقاد أوسع نطاقاً للعجز الملحوظ للأمم المتحدة، في تسليط الضوء على حقيقة محبطة ــ الاعتقاد المتزايد بأن بعض الدول تعمل فوق القانون الدولي.
الأزمة الحالية للأمم المتحدة
إن تأكيد جلالة الملك عبد الله الثاني على أن الأمم المتحدة تتعرض للهجوم ماديًّا وأخلاقيًّا يشكل أهمية خاصة. فهو يضع الدور التاريخي الذي لعبته المنظمة في حماية حقوق الإنسان في سياقه بينما يأسف على تراجع نفوذها.
ومن خلال الاستشهاد بأمثلة ملموسة ــ في معاناة الأشقاء الفلسطينيين على مرأى ومسمع وتحت مراقبة الأمم المتحدة ــ فإنه يضع فشل الأمم المتحدة في إطار الاهتمام الملح الذي يقوض الثقة الدولية. إن هذا النقد يتماشى مع خطاب أوسع نطاقاً حول شرعية المؤسسات الدولية، مما يشير إلى أن تراجع سلطتها قد يفتح الباب أمام العدوان غير المقيد من جانب الدول، وبالتالي خلق نظام دولي أكثر فوضوية.

دعوة إلى المساءلة والإنسانية
إن عرض الإحصائيات المتعلقة بالخسائر البشرية والتدمير الممنهج في غزة والأراضي الفلسطينية الأوسع نطاقاً يترجم الحتميات الأخلاقية التي ينادي بها جلالة الملك عبد الله الثاني من خلال دعوات دولية عاجلة للتحرك. إن رواياته الحيّة والمؤلمة عن معاناة المدنيين تنقل إحساساً عميقاً بالإلحاح لا يمكن تجاهله. إن الإشارة إلى “أكثر من 42 ألف فلسطيني” استشهدوا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تطرح مسألة المسؤولية الأخلاقية التي يتعين على المجتمع الدولي أن يتعامل معها.
عرض الإحصائيات المتعلقة بالخسائر البشرية والتدمير الممنهج في غزة والأراضي الفلسطينية الأوسع نطاقاً يترجم الحتميات الأخلاقية التي ينادي بها جلالة الملك عبد الله الثاني من خلال دعوات دولية عاجلة للتحرك
ومن خلال إدانة العنف الذي تمارسه دولة الكيان الغاصب ضد المدنيين والدعوة إلى إيجاد آلية لحماية الفلسطينيين، يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني على موقف الأردن من حماية الكرامة الإنسانية باعتبارها مبدأ أساسيا من مبادئ العلاقات الدولية. ويؤدي إصراره على الواجب الأخلاقي إلى إثارة الدعوة إلى التأمل في المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي حول التدخل في الأزمات الإنسانية بشكل فعال.
إن الرد القوي لجلالة الملك على قوى التطرف في الكيان الغاصب والتي تنادي بأن يصبح الأردن “وطناً بديلاً” للفلسطينيين يتردد صداه بعمق في السياق التاريخي للنضال الفلسطيني.
من خلال رفضه قبول أي سيناريو ينطوي على تهجير الفلسطينيين، لا يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني على السيادة الوطنية الأردنية فحسب، بل إنه يتمسك أيضاً بالمنظور القومي العربي لحقوق الفلسطينيين؛ إن تأطير مثل هذا التهجير باعتباره جريمة حرب يدعو إلى التدقيق في السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى ظروف قاسية في الأراضي المحتلة، ويكشف عن الآثار الأوسع نطاقاً لبشاعة الاحتلال على الاستقرار الإقليمي
الموقع الاستراتيجي للأردن
إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني يحمل أيضاً آثاراً جوهرية على الموقع الاستراتيجي للأردن في الشرق الأوسط، فمن خلال انتقاده العلني للأفعال الإجرامية للكيان الغاصب وإعادة تأكيده على دور الأردن كحامي لحقوق الفلسطينيين، فإنه يضع الأردن في موقف الزعيم الإقليمي الذي يدعو إلى السلام والاستقرار، على الرغم من التحديات التي تفرضها الضغوط المحلية والدولية.
إن أحد الجوانب الحاسمة في خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني هو دعوته لإحياء مبادرة السلام العربية، التي تعترف بإسرائيل في مقابل السلام. حيث يؤكد تبني هذا النهج على التزام الأردن الراسخ بالحوار، حتى في مواجهة الرفض من جانب حكومات الكيان الغاصب المتعاقبة، إلا ان إصرار جلالة الملك على ضرورة الردع الدولي للغطرسة الإسرائيلية يثير تساؤلات حول مدى جدوى عمليات السلام هذه في ظل العنف المستمر.
الإشارة إلى التطرف – الذي قد يهدد استقرار الأردن – تسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على الأردن أن يقوم به في ظل التوترات المتصاعدة، وخاصة بالنظر إلى الروابط التاريخية بين الأردن والشعب الفلسطيني وروايتهم المشتركة
لقد كان خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة بمثابة إدانة قوية للظلم الدولي الحالي ودعوة واضحة إلى الاهتمام مجددا بمحنة الشعب الفلسطيني. إن رثاءه لنضالات الأمم المتحدة من أجل الشرعية والحاجة الملحة إلى المساءلة الدولية يتركز حول الآثار الأوسع للصراع على الأمن الإقليمي والدولي. ومن خلال الجمع بين الالتزام بالسلام والدفاع الشرس عن الحقوق الإنسانية والمساءلة القانونية، يعمل خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني كتذكير محوري بالالتزامات الأخلاقية للمجتمع الدولي في ضمان العدالة والاستقرار في عالم متزايد الانقسام. ومع تنقل الدول عبر تعقيدات المشهد الجيوسياسي المعاصر، يجب أن يتردد صدى المبادئ التي عبر عنها جلالة الملك عبد الله الثاني كقوة توجيهية في تشكيل الحوار والعمل نحو مستقبل أكثر عدالة وسلامًا. إن الاستجابات الدولية لدعوته لن تشكل مسار الأردن وفلسطين فحسب، بل ستحدد أيضًا مستقبل العلاقات الدولية في عالم يتوق إلى العدالة وسط الاضطرابات التي تشكل المشهد الإقليمي والدولي.
السياق التاريخي
امتد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأكثر من خمسة عقود، تميزت بالعنف والقمع والمبادرات الدبلوماسية غير المنتجة، حيث تضع تصريحات جلالة الملك عبد الله الثاني نفسها بقوة في هذا الإطار التاريخي. فقد عبر عن معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكداً على أكثر من 57 عاماً من الاحتلال والقمع، والتي على الرغم من الاستشهاد بها لبناء قضية للظلم، فإنها تربط أيضًا من يستمع للخطاب بسرد أطول للصراع. فالإشارة التاريخية لا تعمل على استحضار التعاطف فحسب، بل تعمل أيضًا على لفت الانتباه إلى المسؤوليات الأخلاقية للدول والمنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة.

التوقيت المثالي للخطاب
أدى التدقيق المتزايد في الإجراءات العسكرية الإسرائيلية وشرعيتها بموجب القانون الدولي إلى تحول المشهد الدولي بشكل كبير في السنوات الأخيرة وخاصة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. إن اتفاقيات أوسلو، التي كانت تعتبر ذات يوم مساراً قابلاً للتطبيق نحو السلام، قد تعثرت وسط استمرار التوسع الاستيطاني والعمليات العسكرية للكيان الغاصب، مما أدى إلى تآكل وانعدام الثقة وقاد إلى التطورات التي نشهدها.
تأكيد جلالة الملك عبد الله الثاني على أن الوضع الراهن “لا يمكن الدفاع عنه وغير قابل للاستمرار” يتحدث عن حقيقة تتردد صداها لدى العديد من الدول التي تشعر بخيبة أمل متزايدة إزاء النهج الدبلوماسي التقليدي الذي أدى إلى الركود تجاه القضية الفلسطينية
القانون الدولي والضرورات الأخلاقية
إن أحد الجوانب المحورية في خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني هو مناشدته للقانون الدولي، ولا سيما الإشارة إلى حكم محكمة العدل الدولية. ومن خلال تأطير تصرفات الكيان الغاصب على أنها غير قانونية، فإن خطابه يضع الأردن والدول الأخرى المعنية ليس فقط كمراقبين بل كمشاركين نشطين لديهم التزام قانوني وأخلاقي بالاستجابة. إن الدعوة إلى بوابة إنسانية إلى غزة تمثل تحولاً من مجرد خطاب دبلوماسي إلى مطالبة بالتدخل الإنساني القابل للتنفيذ.
ردود الفعل والتأثيرات الدولية
في عالم شهد ارتفاعًا في الاضطرابات الشعبية والغضب على المستوى الدولي إزاء الظلم المتصور، فإن دعوة جلالة الملك للدول للانضمام إلى الأردن في تسهيل جهود الإغاثة الإنسانية تسلط الضوء على احتمال عودة التعددية. إن تأكيده على المساعدات الإنسانية كحق من حقوق الإنسان، وليس أداة سياسية، يستغل الوعي المتزايد حول المسؤوليات الدولية وحقوق الإنسان.
المدن في جميع أنحاء العالم التي شهدت احتجاجات حاشدة ضد الإجراءات الإسرائيلية هي شهادة على تغيير السرديات التي يمكن أن تؤثر على الدوائر الدبلوماسية

ثنائية الصور: التمثيل الديمقراطي لدولة الكيان الغاصب مقابل الواقع الرصدي
إن التباين المؤلم الذي يطرحه جلالة الملك عبد الله الثاني بين السردية التي يتبناها الكيان الغاصب بديمقراطية الدولة والواقع الوحشي الذي يعيشه الفلسطينيون يتحدى من يستمع إلى هذه السردية لإعادة النظر في المفاهيم المسبقة. ويؤكد هذا التناقض أن بقاء إسرائيل كدولة ديمقراطية يتعارض مع سياساتها الحالية تجاه الفلسطينيين. إن جلالة الملك عبد الله الثاني، من خلال تأطير القضية من حيث الخيارات والضرورات الأخلاقية، يضع العبء على الكيان الغاصب وحلفائه لإعادة النظر في مواقفهم الاستراتيجية.
إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة محمّلٌ بالأهمية، سواء باعتباره تأملاً تاريخياً أو دعوة إلى العمل. إن قدرته على التعبير عن النضال الفلسطيني في حين يدعو في الوقت نفسه إلى التدخل الإنساني يضعه في طليعة تحول نموذجي محتمل في العلاقات الدولية فيما يتعلق بطبيعة الصراع مع الكيان الغاصب.
الخطاب لا يتناول المظالم القديمة فحسب، بل يقدم أيضاً مخططاً للسلام يرتكز على القانون الدولي والواجب الأخلاقي؛ وبينما تتأمل مختلف الدول كلماته، يظل التحدي قائماً: هل يحشد المجتمع الدولي الشجاعة للتحرك، أم أنه سيستسلم مرة أخرى للتقاعس، مما يسمح للمعاناة بالاستمرار دون تحدي؟ قد تحدد الإجابة مستقبل الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط
إن جلالة الملك عبد الله الثاني مدافعٌ قويٌّ عن الأشقاء الفلسطينيين، يدرك أن نضالهم من أجل تقرير المصير يتماشى مع السعي الأوسع لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. إن التزامه بشرعية حقوق الأشقاء الفلسطينيين في نيل حقوقهم التاريخية؛ يجسد تطلعات أمة متشابكة بعمق مع الرواية الفلسطينية، وبينما يواصل الأردن التعامل مع تعقيدات السياسة الدولية والإقليمية، فإن دعم جلالة الملك عبد الله الثاني الدائم للقضية الفلسطينية يمثل حجر الزاوية للأمل والسلام والاستقرار في منطقة محفوفة بالخلافات. إن إدراك هذه الديناميكية أمر بالغ الأهمية لأي مشاركة هادفة في السعي إلى تحقيق سلام عادل ودائم للقضية الفلسطينية.