نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي مطلع الشهر الحالي عملية عسكرية برية في جنوب لبنان؛ وذكر المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، في بيان أن قوات الجيش بدأت عملية عسكرية برية مركزة في جنوب لبنان.
ومع صدور أولى بيانات حزب الله بشأن تصديه لقوات إسرائيلية خاصة حاولت التسلل إلى قرى جنوب لبنان، واعتراف الجيش الإسرائيلي بمقتل عدد من جنوده في أول اشتباكات مباشرة مع مقاتلي الحزب، تبرز تساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة لمسار العمليات البرية للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان.
كما تتجه الأنظار أيضا نحو قدرة حزب الله على الصمود في القتال البري وإمكانية استمراره بنفس الوتيرة المرتفعة التي شهدناها خلال الأيام الأولى للقتال، بعدما شهدنا استمرار قدرات حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التنظيمية والتسليحية على الاستمرار في التصدي للغزو البري للاحتلال لقطاع غزة الدائر منذ عدة أشهر.
حزب الله يعلن جاهزيته للمواجهة .. والعدو يصفه بـ “الحدث الخطير”

وفي هذا الصدد؛ أعلن حزب الله جاهزيته للمواجهة المباشرة وأصدر تصريحات قوية في أعقاب التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان؛ إذ أكد الحزب أن قواته “جاهزة لمواجهة مباشرة” مع الجيش الإسرائيلي، مع التأكيد على أن العمليات الإسرائيلية تستهدف مواقع في القرى الحدودية.
وفي ظل متابعة مجريات الأحداث على الأرض؛ تشهد جبهة لبنان معارك ضارية بين عناصر من حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث أعلن حزب الله أنه تصدى لقوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي حاولت التقدم من محورين باتجاه بلدتي مارون الراس ويارون في جنوب لبنان عصر أمس الجمعة.
وأضاف الحزب في بيان نشره على حسابه في منصة تليغرام، فجر السبت، أنه أوقع أكثر من 20 جندياً للاحتلال بين قتيل وجريح ثمناً لصور التقطوها في قرية لبنانية قرب الحدود.
وأوضح البيان أن قوة إسرائيلية حاولت التقدم تحت تغطية نارية مدفعية وجوية باتجاه بلدتي مارون الراس ويارون، إلا أن مقاتلي الحزب فجروا عدة عبوات ناسفة بجنود الاحتلال، الذين قال الحزب إنهم من النخبة في جيش الاحتلال، ثم قام المقاتلون بالاشتباك مع عناصر القوة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقذائف الصاروخية “من مسافات قريبة وصلت إلى مسافة صفر ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف القوة المتسللة، ومن لم يُصَب حَمَل قتيلًا أو جريحًا وانسحب تحت غطاء مدفعي من مرابض العدو داخل الأراضي المحتلة”.
وأشار الحزب في بيانه إلى صور ومقاطع فيديو نشرها جيش الاحتلال أمس الجمعة، ويظهر فيها جنود إسرائيليون قرب منازل لمواطنين لبنانيين في الجنوب، وقال إن هذه الصور أُخذت “قرب منازل في قرية حدودية في جنوب لبنان تم تصويرها في بقعة جغرافية تبعد عشرات الأمتار عن الأراضي المحتلة” وأضاف البيان أن جيش الاحتلال تكبد خسائر كبيرة ليحصل على هذه الصور وصلت إلى 20 قتيلاً وجريحاً في صفوفه. وكانت صفحات إسرائيلية قد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر جنود الاحتلال وهم يتجولون قرب منازل في الجنوب اللبناني وأظهرت صوراً لما قالت إنها أسلحة وذخائر وجدتها.
كما أعلن حزب الله أنه فجّر عبوتين ناسفتين في قوة إسرائيلية أثناء تسللها يوم الخميس عبر الحدود، وقصف مدينة طبريا ومستوطنات الجليل بعشرات الصواريخ، بينما تجددت الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى في لبنان.
وقال الحزب في بيان إن القوة الإسرائيلية تسللت إلى محيط بلدة مارون الراس بجنوب لبنان، حيث تفجير العبويتين فيها.
في المقابل، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوقوع “حدث خطير وغير عادي” في الشمال ، وأشارت إلى نقل جنود قتلى ومصابين من منطقة الحدود مع لبنان بواسطة المروحيات.
الأيام الأولى للقتال البري في جنوب لبنان: هل يمارس حزب الله نفس تكتيكات حماس ؟

وفي تحليله للمشهد الدائر جنوبي لبنان؛ قال الخبير العسكري والاستراتيجي نصال أبو زيد في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن تكتيكات قتال حزب الله تختلف عن نماذج القتال التي اتبعتها المقاومة في غزة، حيث يدافع حزب الله على الحافة الأمامية لمنطقة المعركة ولا يمنح قوات الاحتلال أي تقدم جغرافي، على الأقل في المرحلة الأولى من القتال.
ويعود ذلك بحسب أبو زيد إلى اختلاف جغرافيا جنوب لبنان مقارنة بجغرافيا غزة؛ الشكل الطولي لغزة يمكّن المقاومة من مبادلة الأرض بالخسائر، بمعنى أنها تسمح للاحتلال بالتقدم على الأرض مقابل إيقاع خسائر في القوات المتقدمة؛ هذا ما حدث في بداية العملية العسكرية حينما سمحت المقاومة للاحتلال بالتقدم في بيت لاهيا وبيت حانون وأوقعت به خسائر.
لكن هذا التكتيك لم يُستخدم في خان يونس، حيث قاتلت المقاومة هناك بنفس تكتيك حزب الله الحالي، وهو القتال على الحافة الأمامية لخط المعركة. السبب في ذلك أن جغرافية خان يونس ضيقة عرضيًا ولا تمنح المقاومة عمقًا استراتيجيًا للتنازل عن الأرض، ولو كان على حساب الخسائر.
بينما في جنوب لبنان، شكل جغرافيا الجنوب لا يسمح لحزب الله بالتنازل عن أي مساحة جغرافية، على الأقل في المرحلة الأولى، التي يعمل فيها الحزب على إرهاق وإضعاف قوات الاحتلال بالخسائر. وبعد ذلك، قد يسمح نسبيًا بتقدم الاحتلال إلى مناطق يختارها لتكون ساحات قتال، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة التضاريس الجغرافية الوعرة في جنوب لبنان التي لا تمكن قوات الاحتلال من المناورة بسهولة.

وفيما يتعلق بإمكانيات الصمود، فإن هذا النوع من القتال الذي تتبعه المقاومة في غزة وجنوب لبنان يندرج ضمن إطار الحروب غير المتكافئة، والتي تمنح ميزة للمدافع أكثر من المهاجم، لأنها تهدف إلى استنزاف موارد الاحتلال. بالتالي، فإن فرص صمود المدافع تكون كبيرة، رغم أن الخسائر تكون كبيرة أيضًا.
لكن المرونة التي تتمتع بها الجماعات التي تقاتل بهذا التكتيك تزيد من فرص صمودها مقارنة بالجيوش النظامية. ما يدل على ذلك أن المقاومة في غزة صمدت لمدة عام كامل رغم كل ما تعرضت له من خسائر، وأن المقاومة في لبنان لا تزال صامدة رغم كل ما تعرضت له من خسائر في البنية التحتية والتنظيمية.
حماس وحزب الله .. نقاط الضعف والقوة ؟
وفيما يتعلق بثبات حماس في الأيام الأولى، أوضح أبو زيد أن ما حدث في غزة هو أن المقاومة تتبع تكتيك قتال استنزاف، أي أن مستوى القتال يرتفع أو ينخفض بناءً على تطورات الموقف.
اعتمدت المقاومة على ما يُعرف عسكريًا بمفهوم “الكمون التكتيكي”، وهو خفض حدة العمليات إلى مستويات تمنح المهاجم أريحية، ثم يتم البحث عن الفرصة للقيام بعمليات عسكرية ذات دلالات سياسية
كما حدث في رفح بعد إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، غالانت، القضاء على لواء رفح نتيجة هدوء العمليات من جانب المقاومة، لتعود المقاومة وتعيد تشكيل نفسها بعمليات جديدة تُعرف بـ”قتال الحرباء”، أي انتظار الأهداف ومعالجتها عبر الكمائن، إيقاع خسائر، والاستمرار بهذا التكتيك حتى استنزاف قوات الاحتلال.
المقاومة في شمال غزة اتبعت ما يُعرف بـ”القتال الزئبقي”، أي أنها تتوجه بعملياتها في الاتجاه المعاكس لضربات الاحتلال وتملأ الفراغ التعبوي الذي تخليه قوات الاحتلال
أما في جنوب لبنان، فإن حزب الله يعتمد بحسب أبو زيد شكلًا جديدًا من القتال يضمن له المرونة والاستمرارية، وهو “التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي”.
من ناحية التسليح، أشار أبو زيد إلى وجود فروق كبيرة في القدرات التسليحية بين حماس وحزب الله؛ حيث يتفوق حزب الله في الشكل والمضمون. ومع ذلك، تتفوق المقاومة في غزة في مجال الاستخبارات والإجراءات الأمنية، إذ تعتمد أساليب تقليدية قديمة لا تعتمد على التكنولوجيا التي اخترقها الاحتلال في حالة حزب الله، بسبب الاسترخاء الأمني لدى الحزب.
تتفوق المقاومة في غزة في الاستخبارات المضادة، وهو ما يفسر سرعة استهداف قيادة حزب الله وسهولة وصول الاحتلال إلى الهيكل التنظيمي للحزب
وفيما يتعلق بمقارنة عمليات 2006 وحصار بيروت عام 1982، لفت أبو زيد إلى أن تلك العمليات تختلف من حيث الشكل والأهداف عن العملية الجارية حاليًا.
ففي عام 2006، اعتمد الاحتلال على رأس الحربة المدرعة، لكنه فشل في الوصول إلى نهر الليطاني ودخل بسقف أهداف مرتفع لم يتمكن من تحقيقه. بينما في العملية الحالية، دخل الاحتلال بسقف أهداف منخفض، وصرح بأن العملية محدودة لتجنب التورط في أهداف غير قابلة للتحقيق، كما حدث في غزة.
في عام 1982 لم تكن قدرات حزب الله كبيرة، حيث كان أغلب عناصره من حركة أمل، إذ كان حزب الله لا يزال حينها في طور التأسيس، ولم يدخل في مواجهة مع الاحتلال خلال اجتياح لبنان، وركّز بدلاً من ذلك على بناء الحزب بدلاً من مواجهة الاحتلال
وفي هذا النوع من القتال، سواء في غزة أو جنوب لبنان، هناك قاعدة تقول: إن الجيوش النظامية إذا قاتلت مقاومة أو حركة تحرر وطني، فإن الجيوش النظامية إذا لم تكسب، تخسر، بينما المقاومة إذا لم تخسر، تكسب.

خلاصة القول: جهوزية حزب الله للمواجهة البرية
لطالما كان حزب الله يتحدث عن إمكاناته البرية وقدراته في إيذاء العدو بحال فكر الدخول الى لبنان، واليوم نعيش هذه المرحلة، فالجيش الإسرائيلي أعلن بدء عملية برية في لبنان بأهداف بسيطة، ما يُظهر أنه تعلم من دروس وعبر حرب تموز عام 2006، وعدوانه على غزة 2023 يوم وضع أهدافاً مستحيلة ويفشل في تحقيقها حتى اليوم.
يُريد جيش العدو من خلال ما أعلنه عن العملية البرية ضرب مقدرات حزب الله قرب الحدود، ومنها من استخدام صواريخه الثقيلة وضرب الأنفاق، ولكنه بطبيعة الحال يمتلك مجموعة من الأهداف غير المعلنة، إنما ما يهمنا هو الإضاءة على هذه العملية البرية وجهوزية الحزب.
تؤكد المصادر أن المقاومة جاهزة للمواجهة، ولكن ما يجب معرفته هو أن الحرب البرية لا تعني منع العدو من الدخول، بل على العكس قد تعني في بعض النقاط استدراجه للدخول، تماماً كما حصل في العام 2006، كما أن الجيش الاسرائيلي قادر من خلال الضغط العسكري والغارات أن يدخل، إنما الحرب الأساسية والمواجهة تكمن في المرحلة الثالثة حيث سيُمنع من تثبيت النقاط، وسيكون مضطراً للخروج والتراجع بسبب حجم الخسائر التي سيُمنى بها، وتشدّد المصادر على أن العبرة من الحرب البرّية ستكون في الخواتيم.
بالمحصلة؛ لا شكّ أن العمليّة البرّية ستشكل أساساً لأيّ تفاوض مقبل، لأنّ الجيش الإسرائيلي الذي يعيش نشوة انتصاراته يرفض التفاوض طالما يعتبر نفسه منتصراً، لذلك الأهميّة تكمن في هذه الحرب ونتائجها، فالتفاوض يحصل على أساس أمرين، القوّة السّياسية والقوة العسكريّة الميدانيّة.