نخبة بوست – خلال القرن الماضي في العالم العربي وفي بدايات المد القومي واليساري، السلطة أستغلت ووظفت الدين لصالحها، لأن الدين أو التدين يدخل في بنية المجتمع الثقافية، فيسهل على السلطة وتوظيفاتها الدينية توجيه خطاب شعبوي يدغدغ المشاعر الدينية العفوية لدى المجتمع.
وينطبق هذا التوظيف على المؤسسات السياسية الدينية، واستغلاله بخطابات شعبوية انتهازية آنية.
وبعدها وتحديدا عند إرهاصات الثورة الإيرانية وتأثيراتها في الجوار والمحيط العربي وامتداد المد الديني والقناعة أن الإسلام “الشيعي أو السني” يستطيع أن يحدث ثورة وانقلاب، فأخذت السلطات في معظم الدول العربية، مقاربات جديدة متفاوتة في مواجهة هذا الخطر الجديد المتمثل بالمد الديني ومواجهته بكافةالممارسات والتكتيكات الناعمة أو الخشنة.
وللموضوعية نجحت الأنظمة الملكية نسبيا أكثر من غيرها من النظم الجمهورية في احتواء هذا التهديد بين مد وجزر.
والاستنتاج: أن كل الأطراف، إن كانت سلطة أو مراكز القوى الاجتماعية والاقتصادية وحتى المؤسسات السياسية المتمثلة في بعض الأحزاب، تتبدل توظيفها للدين تبعا لمصالحها.
والمفارقة أنه في الدول التي ديمقراطياتها عريقة ومتجذرة، عندما يقول الفرد أو المجموعة الصغيرة أو الكبيرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية : أنا الدولة. فهو تعبير حضاري على أساس أنه جزء ومكون اساسي مع آخرين في هذه الدولة التي هي للجميع، ضمن علاقات متبادلة وعقد اجتماعي واضح الملامح، ويستطيعون إدارة الدولة بتوازنات معقولة، وبفاعلية.
لكن في بلادنا في العربية، فإن من يقول:
“أنا الدولة” بمنطوق حضاري، وتعرفون ماذا يحصل بعدها !!
ويقول المفكر المغربي د. حسن أوريد في نفس الإطار، أن الشعبوية هي الخطر الداهم، على الديمقراطية ليس بشكلها التقني الإجرائي بل تؤثر على قيمها ومبادئها. ويعيش العالم اليوم حالة تنامي للشعوبية التي يعتبرها د. أوريد أنها الخطر الداهم في القرن الواحد والعشرين بعد الفاشية والراديكالية الإسلامية، وفي الوقت الذي يصل فيه الشعبويون ومن خلفهم مهندسو الخراب للسلطة عن طريق الديمقراطية، إلا أنهم أول ما يفعلوه هو تقويض الديمقراطية والقضاء على مؤسسات الدولة والسيطرة عليها، وتخوين المعارضين ووصفهم بالشياطين.
ومن أعراضها، مفهوم “الرسكلة” لرجالات الحرس القديم بشكل وثوب جديد، وتحويل التكنوقراط ورجال الأعمال إلى سياسيين، وأن هذا يضر بالدولة ويفقد مصداقيتها. “الرسكلة بمعنى Recycling ” بمعنى التدوير .
وفي الغرب بدأت الديمقراطية تشيخ، وتفقد المؤسسات السياسية والحزبية مصداقيتها في المجتمع، بسبب أنها تهتم بمصالحها، وتخضع لضغط اللوبيات ومراكز القوى المختلفة، وتبتعد عن مصالح واهتمامات وقضايا الطبقات المجتمعية المختلفة، وبدأ بظهور ما يعرف بالحركات الاجتماعية، فهل العالم يشهد تغييرا قادما لا محالة؟ وهل غيرنا الآن في مرحلة ما بعد الديمقراطية؟ وهل يبحث عن مقاربات جديدة لأنماط مبتكرة لأطراف المجتمع؟
وفي دول منطقتنا ما زال عقل السلطة يراوح مكانه سياسيا.
وهل نحن في إغتراب بين الدولة والدين والمجتمع، وما هي جدلية العلاقة وآليات الاستيعاب، وهل نبحث عن عقد جديد بين القوى التقليدية القديمة والقوى الاجتماعية الجديدة ؟
وما هي الإشكاليات والأسئلة البحثية المطروحة اليوم خاصةً في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة منذ أحداث الربيع العربي وما تشهده اليوم هذه العلاقة من تحولات على صعيد المجال العام والفضاء الديني والسياسات الدينية وتحولات العلاقة بين الأنظمة السياسية وشعوبها.