* إيران تقاتل الولايات المتحدة بالجماعات المسلحة، وفي المقابل فإن أمريكيا تقاتل إيران بإسرائيل؛ إنها حرب مفروضة على العرب وإسرائيل، كما فُرضت من قبل على الأفغان
* تريد إيران المشاركة مع الإقليم والعالم على نحو يتفق مع حجمها ومصالحها، لكن الولايات المتحدة تريدها وتحتاج إليها عدواً!
* في السنوات الأخيرة، شهدنا عودة الصراع الإقليمي؛ حرب روسيا وأوكرانيا، الأزمة الصينية الأمريكية، الأزمة المصرية الإثيوبية، إضافة بالطبع إلى الحرب الجارية في فلسطين ولبنان
* جاء “الربيع العربي” غضباً عارماً شاملا، معاقبة الخصم بمعاقبة الذات! ذلك أنها تحالفات لم تكن تهدف إلى مشاركة حقيقية، لكنها لعبة وصفها بصراحة جورج بوش الابن “سنضرب المتطرفين بالمتطرفين”
* تعتقد إسرائيل أن استمرارها مستمد من الأيديولوجيا الأمريكية بأنه لا مجال للسلام في الشرق الأوسط، ليس سوى الهيمنة والحرب والقمع والانتقام والقوة المفرطة، ويتطوع الكثير من العرب لإثبات صحة هذه المقولة
* كان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 تحدياً سوفيتياً خروتشوفيا لنتائج الحرب العالمية الثانية، وكانت الحرب في أفغانستان 1978، تحدياً سوفيتياً بريجينفيا، لكن الثورة الإيرانية 1979، تحدّت نتائج الحرب على نحو يكدّر الانتصار الغربي
نخبة بيوست – كتب: إبراهيم غرايبة
ثمة تقدير أن الحرب في غزة ولبنان ليست حربا إسرائيلية لكنها حرب أمريكية، فقد كانت إسرائيل تمضي في تهدئة الجبهة اللبنانية، وقيل أيضا عن مفاوضات إسرائيلية مع حزب الله. وكانت تمضي أيضا في سلام اقتصادي مع غزة، وكانت الجبهة الغزاوية تبدو في حالة سلام مع إسرائيل لدرجة أن السلطة الوطنية الفلسطينية انتقدت التنسيق والتعاون بين أمريكا وحماس!
وقد يبدو هذا التقدير منطقيا، ففي الاستقلال الجغرافي بين إسرائيل من جهة ولبنان وغزة من جهة أخرى كان ثمة مصلحة إسرائيلية في تهدئة هاتين الجبهتين بل والاستفادة منها كما حدث في مشروع السلام الاقتصادي بين إسرائيل وغزة، حيث كان يعمل أكثر من عشرين ألف غزاوي في إسرائيل، وأقيمت منقطة اقتصادية حرة بين غزة وإسرائيل.
كانت الجبهة الغزاوية تبدو في حالة سلام مع إسرائيل لدرجة أن السلطة الوطنية الفلسطينية انتقدت التنسيق والتعاون بين أمريكا وحماس!
فما الذي حدث إذن؟
لقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 إلى بداية عصر جديد في مختلف أنحاء العالم، عصر يتميز بانخفاض الصراعات وتحسن العلاقات بين الدول المجاورة. لم تنته الحروب تماما ــ لكنها تحولت إلى صراعات داخلية وحروب أهلية، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة، وبين إثيوبيا وإريتريا (كانت أقرب إلى الصراع الداخلي وإن كانت حربا بين دولتين)، وفي رواندا وبوروندي والكونغو، وأماكن أخرى. لكن الصراعات بين الدول، التي ميزت فترة الحرب الباردة، بدت وكأنها قد انحسرت. في السنوات الأخيرة، شهدنا عودة الصراع الإقليمي، حرب روسيا وأوكرانيا، الأزمة الصينية الأمريكية، الأزمة المصرية الإثيوبية، إضافة بالطبع إلى الحرب الجارية في فلسطين ولبنان. وهناك حروب وأزمات لا تقل صعوبة وكارثية لكن لا يعترف بها (سوريا والسودان وليبيا واليمن).

من المفارقات أن دولاً عظمى وكبيرة مثل الهند والصين والاتحاد السوفيتي (ثم روسيا) تُحرم من كعكة الانتصار، ودولاً أخرى لا تستحق (بريطانيا وفرنسا) حصلت على أكثر مما تستحق
كان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 تحديا سوفيتيا خروتشوفيا لنتائج الحرب العالمية الثانية، وكانت الحرب في أفغانستان (1978 ) تحديا سوفيتيا بريجينفيا، لكن الثورة الإيرانية (1979) تحدت نتائج الحرب على نحو يكدر الانتصار الغربي. وإنه لمن المفارقات أن دولا عظمى وكبيرة مثل الهند والصين والاتحاد السوفيتي (ثم روسيا) تحرم من كعكة الانتصار، ودولا أخرى لا تستحق (بريطانيا وفرنسا) حصلت على أكثر مما تستحق، لكن المفارقة الأكبر أن الدول المعادية في الحرب (ألمانيا واليابان وإيطاليا وتركيا) أصبحت كأنها المنتصرة في الحرب، وفي المقابل فإن الهند والصين والاتحاد السوفيتي ومصر؛ شريكة الطرف المنتصر تخرج وكأنها مهزومة! واليوم فإن دولا كبيرة أخرى تبحث عن مكان، أو تحاول أن تفرض مكانا في الخريطة العالمية (البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا).

اليوم، دول كبيرة تبحث عن مكان، أو تحاول أن تفرض مكاناً في الخريطة العالمية؛ البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا
لماذا استثني الشرق الأوسط من فرص الاستقرار عندما انتهت الحرب الباردة كما حدث في البلقان والدول التي خرجت من الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية؟
كان ممكنا إلى حدّ كبير أن تمضي التسويات السياسية والداخلية التي أزهرت في أوائل التسعينات إلى حالة جديدة معقولة من السلام والديمقراطية، وإذا كان صحيحا أن صعود الأصوليات وتمددها في التسعينات وتحولها إلى تهديد خطير للإقليم كانت مشروعا أمريكيا لمنع الاستقرار فإنه صحيح أيضا أن مآلات ومصائر الحالة الأصولية (القاعدة وداعش وأخواتهما وبناتهما) كانت تمردا على الذات، أسامة بن لادن بعد التحالف والرعاية صار العدو رقم 1، وداعش لقيت رعاية وتسهيلات وتواطؤا، وتركت تعيث فساد، ثم قضي عليها على نحو جعل الوضع الجديد في نتائجه وتداعياته أسوأ مما كان، والتحالف البعثي (السوري والعراقي) مع الأصوليات في التسعينات تحول إلى انهيار داخلي على جميع المستويات، وتصعيد حماس في مواجهة فتح أنشأ المشهد القائم، والتحالف مع إيران ضد العراق البعثي وما بعده أنشأ حالة هي أشد خطورة من بقاء البعث يحكم العراق؛ والانقلاب (الإسلامي) عام 1989 تحول إلى حرب أهلية طاحنة، وأخيرا جاء “الربيع العربي” غضبا عارما شاملا، معاقبة الخصم بمعاقبة الذات! ذلك أنها تحالفات لم تكن تهدف إلى مشاركة حقيقية، لكنها لعبة وصفها بصراحة جورج بوش الابن “سنضرب المتطرفين بالمتطرفين” أو كما قال هو أيضا “إنها حرب صليبية”.
اذا كان صحيحا أن صعود الأصوليات وتمددها في التسعينات وتحولها إلى تهديد خطير كان مشروعاً أمريكياً؛ فإنه صحيح أيضا أن مآلات ومصائر الحالة الأصولية (القاعدة وداعش وأخواتهما وبناتهما) كانت تمردا على الذات
أكدت إيران عمليا ونظريا أنها تريد المشاركة مع الإقليم والعالم على نحو يتفق مع حجمها ومصالحها، وما زالت مستعدة لذلك، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تريدها وتحتاج إليها عدوا وليس صديقا أو شريكا! يمكن الملاحظة ببساطة ووضوح أن الجماعات المقاتلة اليوم (حماس وحزب الله والميلييشيات العراقية والحوثية) تعتمد على إيران في تمويلها وتدريبها وتسليحها وإيوائها، وأنها تقاتل الولايات المتحدة بهذه الجماعات، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقاتل إيران بإسرائيل. إنها حرب مفروضة على العرب وإسرائيل، كما فرضت من قبل على الأفغان.

تريد الولايات المتحدة أن تحول الشرق الأوسط إلى منطقة محاطة بالأسلاك الشائكة، يمنع الدخول إليها أو الخروج منها، مع السيطرة عليها بالتقنية المتقدمة والفجوة الواسعة في التقدم والتنمية
تريد إسرائيل أن تفرض واقعا جديدا في فلسطين، وتريد الولايات المتحدة الأمريكية من الدول المجاورة أن تتحمل نتائج التطرف الإسرائيلي، أو أن ينتقل الصراع بعيدا عنها، أن يتحول الاحتلال من إسرائيلي إلى عربي، وأن يتحول الصراع من عربي – إسرائيلي إلى عربي – عربي، وقد حدث هذا من قبل، وتعتقد أنها بمقتل القادة الفلسطينيين واللبنانيين ومهاجمة سوريا وإيران واليمن تستحق أن تحصل على تعويض كبير يعود عليها بالتقدم الاقتصادي والتقني، ويريحها من العبء السكاني (الفلسطينيين)، وهي وإن كانت تبدو مهتمة بسلام اقتصادي مستقل عن الصراع مع دول عربية فإنها في الحقيقة تبتعد عن الإقليم وتعزل نفسها، أو تكون جزءا من الغرب، وربما تريد الولايات المتحدة أن تحول الشرق الأوسط إلى منطقة محاطة بالأسلاك الشائكة، يمنع الدخول إليها أو الخروج منها، مع السيطرة عليها بالتقنية المتقدمة والفجوة الواسعة في التقدم والتنمية. وتعتقد إسرائيل أن استمرارها وقوتها مستمد من الأيديولوجيا الأمريكية بأنه لا مجال للسلام في الشرق الأوسط، ليس سوى الهيمنة والحرب والقمع ولانتقام والقوة المفرطة، ويتطوع الكثير من العرب لإثبات صحة هذه المقولة.

الواقع المتشكل هو نتيجة الحرب بما هي منتصر ومهزوم، لكن الطبيعة لا تمنح القوي قوة مطلقة، ولا تحرم الضعيف من أي قوة؛ الصراع هو قانون الطبيعة
يبدو الحل المنطقي والبديهي أن تعيش الأمم جميعها معا في سلام برغم الاختلاف والتنوع، لكن المسار المتوقع والذي يعتبره الطرف الغالب هو الحل أن الأقوى يفرض إرادته، وأن الواقع المتشكل هو نتيجة الحرب بما هي منتصر ومهزوم، لكن الطبيعة لا تمنح القوي قوة مطلقة، ولا تحرم الضعيف من أي قوة. الصراع هو قانون الطبيعة.
يعتقد العقل الأمريكي و الغربي أن حربه مع الطبيعة؛ قهر الطبيعة، لطالما كانت هذه العبارة هي الأكثر انتشارا منذ الثورة الصناعية الأولى التي منحت الغرب قوة وهيمنة مفرطة، لكن الطبيعة لا تمنح أسرارها كلها للغالب ولا تحرم الضعيف منها. وهي أيضا لا تقهر!