* الرداد: صفقة القرن ليست قدرًا محتومًا؛ وأي مشاريع سلام لن يتم تطبيقها إلا بموافقة الجانب الفلسطيني وبعد وقف الحرب
* شنيكات: طوفان الأقصى قلب معادلات الشرق الأوسط؛ ونستبعد إمكانية تطبيق نفس السياسات التي تبناها ترامب خلال فترته الرئاسية السابقة نتيجة التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة
نخبة بوست – شذى العودات
مع عودة دونالد ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض في الـ 20 من يناير / كانون ثاني المقبل تتجدد التساؤلات حول مستقبل “صفقة القرن” وتأثيرها على القضية الفلسطينية.
تأتي هذه التطورات في ظل تغييرات جذرية شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العام الماضي، أبرزها تصاعد التوترات العسكرية في غزة ولبنان، وتزايد الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى تحركات فصائل المقاومة في العراق واليمن. هذه الأحداث أعادت الزخم للقضية الفلسطينية، خاصة مع تزايد الوعي الشعبي والإقليمي والدولي بأهمية إيجاد حل عادل وشامل.

وفي هذا السياق، يُطرح سؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب الجديدة من فرض “صفقة القرن” في ظل هذه التغيرات المتسارعة، أم أن التحولات الإقليمية ستعيد رسم أولويات المنطقة؟
“صفقة القرن”: رؤية ترامب “للسلام” في الشرق الأوسط
في 28 يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة بـ”صفقة القرن”.

هدفت هذه الخطة إلى حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال مقترحات سياسية واقتصادية، وتضمنت الخطة إنشاء دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، مع استثمارات بقيمة 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني والدول المجاورة؛ كما نصت على أن تكون القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، مع إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية في ضواحي القدس.
قوبلت الخطة بترحيب من الحكومة الإسرائيلية، بينما رفضتها القيادة الفلسطينية معتبرة إياها منحازة لإسرائيل وتنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني
لم تُنفذ الخطة فعليًا، خاصة مع التغيرات السياسية في الولايات المتحدة والمنطقة؛ ومع إعادة انتخاب ترامب في هذه السنة، تثار التساؤلات حول إمكانية إعادة طرح “صفقة القرن” في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية.
الرداد : صفقة القرن؛ لن تطبق إلا بعد وقف الحرب
وفي هذا الصدد، أكد المحلل الإستراتيجي والعسكري د. عمر الرداد، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لا يمتلك أي مشروع حقيقي تجاه القضية الفلسطينية باستثناء “صفقة القرن”.
وأشار إلى أن المفارقة في ولايته الجديدة تكمن في كونه محاطًا بفريق إدارة أمريكي يظهر معه ترامب وكأنه الأكثر حكمة، حيث أن غالبية أعضاء هذا الفريق معروفون بتأييدهم الشديد لإسرائيل.
وفي حديثه حول ملامح طروحات ترامب الجديدة، أوضح الرداد أنها ستكون مستندة إلى النتائج العسكرية التي حققتها إسرائيل في غزة ضد حركة حماس من جهة، وضد حزب الله في لبنان من جهة أخرى.

وأضاف أن هذه الطروحات تستند أيضًا إلى التصدعات في الموقف الإيراني، خاصة بعد ضربات عسكرية كشفت هشاشة الدفاعات الإيرانية، فضلًا عن اختراقات أمنية واسعة استهدفت قيادات كبيرة في الحرس الثوري الإيراني وأوساطًا قيادية داخل حزب الله.
وفيما يتعلق بصفقة القرن، أكد الرداد أنها ليست قدرًا محتمًا، مشيرًا إلى وجود موقف عربي وإسلامي يبدو أكثر تماسكًا، يتمثل في الإصرار على قيام دولة فلسطينية مستقلة، رغم غياب الوضوح بشأن شكل ومضمون هذه الدولة.
الرداد: الدول العربية، بما فيها الدول المطبّعة مع إسرائيل أو التي قد تتجه للتطبيع مثل السعودية، ما زالت ملتزمة بمقاربة “لا حل إلا بإقامة دولة فلسطينية”
وتطرق إلى أن هذا الموقف يحظى بدعم واسع من الدول الإسلامية، ولم يستبعد إمكانية انضمام إيران إلى هذا التوجه في مراحل لاحقة.
وختم الرداد حديثه بالتأكيد على أن أي مشاريع سلام، بما في ذلك صفقة القرن، لن يتم تطبيقها إلا بموافقة الجانب الفلسطيني وبعد وقف الحرب.
شنيكات: طوفان الأقصى يعيد الصراع في الشرق الأوسط إلى جذوره الأولى
وفي ذات السياق، أكد رئيس رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست”، أن منطقة الشرق الأوسط شهدت خلال العام الماضي تغييرات جذرية ومفاجئة، تجاوزت توقعات العديد من المحللين السياسيين.
هذه التغيرات برزت بشكل خاص مع اندلاع أحداث مثل طوفان الأقصى، والتصعيد العسكري على الجبهة اللبنانية، ومشاركة الحوثيين في اليمن “جماعة أنصار الله”، فضلًا عن الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى فصائل المقاومة العراقية
وأوضح شنيكات أن هذه التحولات الكبيرة في المنطقة جاءت في وقت كان يُعتقد فيه أن الشرق الأوسط دخل مرحلة “ما بعد اتفاقيات أبراهام”، التي كان يُنظر إليها على أنها تمهيد لتطبيع شامل وسيطرة إسرائيلية أمنية على المنطقة.

وأضاف أن التوقعات السابقة كانت تشير إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، إلا أن الأحداث الأخيرة أعادت الزخم لهذه القضية، خاصة في ضوء التغيرات في الوعي الشعبي والإقليمي والدولي.
وفيما يتعلق برؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنطقة، أشار شنيكات إلى أن ترامب يسعى لإتمام صفقة تطبيع شاملة بين إسرائيل والسعودية، والتي يعتبرها إنجازه الأكبر على مستوى المنطقة.

ومع ذلك، أكد أن القضية الفلسطينية تبقى عقبة رئيسية، خصوصًا فيما يتعلق بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولتهم المستقلة.
وتطرق شنيكات إلى أن إدارة ترامب المحتملة في المستقبل ستواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل فريقه الداعم لإسرائيل بشكل مطلق، والذي يشمل مفاتيح السياسة الخارجية مثل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي والسفير الأمريكي في إسرائيل.
هذه الشخصيات تؤيد تزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا دون قيود
وتابع شنيكات بأن الحرب التي استمرت لأكثر من عام أظهرت حدود قدرة إسرائيل على ضبط المنطقة استراتيجيًا، مما يتطلب التفكير بحل حقيقي يتجاوز الرؤية السطحية للصراع، التي تعتمد على اتفاقيات اقتصادية أو تجاهل القضية الفلسطينية.
وشدد على أن التصعيد الأخير، خاصة طوفان الأقصى، أعاد الصراع إلى جذوره الأولى، مما يتطلب مراقبة العمليات العسكرية في غزة ولبنان لمعرفة مآلاتها.
ترامب، رغم دعمه المطلق لإسرائيل، سيعمل بنهج مصلحي ونفعي لتحقيق اختراقات في المنطقة؛ وإذا لم تحقق إسرائيل إنجازات حقيقية في غزة ولبنان، فقد تجد نفسها مضطرة للبحث عن تسويات للحفاظ على مكتسباتها الأساسية
وتساءل شنيكات عن طبيعة التسويات الممكنة، وهل ستُبقي حماس في غزة أو حزب الله في لبنان على حالهما كما كان الوضع قبل الحرب؟
وفي ختام حديثه، أشار شنيكات إلى أن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن قدمت دعمًا غير مسبوق لإسرائيل، بلغ أكثر من 19 مليار دولار وفقًا لتقارير أمريكية، وشمل دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.

ورغم ذلك، يرى شنيكات أن ترامب قد يقدم حلولًا أو تسويات جديدة بفضل أسلوبه القائم على عقد الصفقات وهروبه من القيود المؤسسية، لكنه استبعد إمكانية تطبيق نفس السياسات التي تبناها خلال فترته الرئاسية السابقة (2015-2020)، في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة.
هل تعود صفقة القرن مع عودة ترامب ؟
مع عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة ، تُطرح تساؤلات ملحّة حول إمكانية تطبيق “صفقة القرن” في ظل التصعيد العسكري المستمر في غزة ولبنان؛ فالخطة التي واجهت عراقيل كبيرة خلال ولايته الأولى تعود الآن إلى الواجهة، لكن الظروف الحالية أكثر تعقيدًا.
فالحرب في غزة، وتصاعد التوتر مع حزب الله في لبنان، والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل كلها عوامل تُلقي بظلالها على مستقبل هذه الخطة.
ترامب، المعروف بنهجه المصلحي واعتماده على الصفقات، قد يسعى لإعادة إحياء “صفقة القرن” كجزء من استراتيجيته في الشرق الأوسط؛ لكن السؤال يبقى: هل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة ستسمح بتمرير الخطة، أم أن الحروب الحالية ستفرض واقعًا جديدًا يعيد صياغة الأولويات السياسية؟