* أبو هنية: هجوم “ردع العدوان” تم بقيادة تحرير الشام ولا علاقة له بـ “داعش” الذي يفتقد للوجود العسكري في هذه المنطقة
* شحادة: انسحاب حزب الله سهّل سيطرة الفصائل على ريف حلب؛ ويتم التحضير لهجوم معاكس من قِبَل الحرس الثوري الإيراني وقوات النظام السوري لاستعادة السيطرة
نخبة بوست – شذى العودات
شهدت محافظة حلب خلال الأيام القليلة الماضية تطورات عسكرية متسارعة، حيث أعلنت فصائل المعارضة السورية عن إطلاق عملية “ردع العدوان” التي أسفرت عن سيطرتها على مساحات واسعة في ريف حلب الغربي وأجزاء من أحياء المدينة؛ فتزامن ذلك مع انسحاب سريع لقوات النظام السوري من هذه المناطق، مما يشير إلى تحول مهم في المشهد السوري، خاصة أن هذه العملية تُعد أكبر تحرك عسكري منذ مارس/آذار 2020 في شمال البلاد.
تأتي هذه التطورات في ظل تعقيدات إقليمية، منها انسحاب عناصر حزب الله من بعض المناطق السورية، وتعثر المفاوضات التركية مع النظام السوري، والتوترات المستمرة في أوكرانيا التي تشغل حلفاء النظام؛ كل هذه العوامل قد تكون ساهمت في إتاحة الفرصة للمعارضة السورية للتحرك عسكريًا في هذا التوقيت.

ورغم التباينات بين فصائل المعارضة، إلا أن توحدها في غرفة عمليات “الفتح المبين” يشير إلى تنسيق عالٍ وجاهزية قتالية مكنتها من تحقيق تقدم سريع والسيطرة على مناطق استراتيجية، مما يعكس تعقيد المشهد السوري الحالي.
وبينما تحقق الفصائل المسلحة تقدمًا ميدانيًا ملموسًا، يثار سؤال جوهري حول “دور تنظيم داعش في المشهد الحالي“، خاصة مع تصاعد نشاطه في مناطق أخرى من سوريا. فما الذي يحدث في حلب؟ وهل يشير هذا التصعيد إلى عودة “داعش” أم أن الأمر يقتصر على صراع جديد بين قوى المعارضة والنظام؟
“ردع العدوان”: تفاصيلها وتحولاتها الميدانية
انطلقت معركة “ردع العدوان” بقيادة فصائل المعارضة السورية الكبرى، بما في ذلك هيئة تحرير الشام وفصائل من الجيش الوطني السوري، بهدف استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية في ريف حلب وإدلب؛ فجاء الهجوم بشكل مباغت واستهدف مواقع للنظام السوري وحلفائه، بما في ذلك ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وأسفر عن تقدم واسع للمعارضة في وقت قياسي.
وخلال الأيام الأولى للعملية، نجحت الفصائل في السيطرة على أكثر من 30 قرية وبلدة، إضافة إلى قطع الطريقين الدوليين M4 وM5 اللذين يمثلان شرايين رئيسية تربط دمشق بحلب واللاذقية؛ فهذا الإنجاز الميداني لم يكن معزولًا عن انسحاب قوات حزب الله من بعض المناطق، ما أتاح للفصائل المهاجمة تنفيذ خططها بسرعة ودقة، كما تمكنت المعارضة من التقدم نحو مدينتي حلب وسراقب، مما يشير إلى تحول كبير في ميزان القوى.

لم يمر هذا التقدم دون رد فعل قوي من النظام السوري وحلفائه، فقامت القوات الروسية بشن غارات جوية مكثفة على ريفي حلب وإدلب، فيما قصفت قوات النظام المناطق التي سيطرت عليها المعارضة بالقذائف المدفعية والصواريخ؛ ومع ذلك، يبدو أن التحركات العسكرية للنظام لم تكن كافية لوقف تقدم المعارضة أو استعادة المناطق التي خسرتها.
يعكس الهجوم تحركًا استراتيجيًا من المعارضة لإعادة ترسيم خطوط السيطرة، خاصة في ظل تراجع الدور الإيراني وانشغال روسيا بأولويات أخرى؛ كما تمثل العملية أول تغيير كبير في موازين القوى بشمال سوريا منذ عام 2020، وقد تفتح المجال لتطورات سياسية وميدانية جديدة
أبو هنية: هجوم “ردع العدوان” تم بقيادة تحرير الشام ولا علاقة له بداعش
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن أبو هنية ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست” إن الهجوم الجاري في شمال شرق سوريا، وبالتحديد في حلب، هو عملية تقودها هيئة تحرير الشام “النصرة سابقًا” بالتعاون مع فصائل من الجيش الوطني السوري الحر.
وأوضح أن هذا الهجوم، الذي أطلق عليه اسم “ردع العدوان”، ليس له أي صلة بتنظيم داعش، حيث لا يوجد أي تواجد للتنظيم في هذه المعركة.
“داعش” يفتقد للوجود العسكري في هذه المنطقة ويقتصر وجوده الأمني على حدوده الدنيا
وأشار أبو هنية إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يركز حاليًا على تعزيز وجوده في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، وليس شمال غربها؛ إذ قال:
منذ بداية العام الحالي، تضاعفت هجمات داعش بمعدل مرتين مقارنة بالعام الماضي في المناطق التي تسيطر عليها قسد، وأيضًا في البادية السورية، وخاصة في أرياف دير الزور، وحمص، والرقة؛ هذه المناطق تشهد تصاعدًا واضحًا في نشاط التنظيم
وفي سياق متصل، أضاف أبو هنية أن الهجوم في حلب تقوده هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني الحر، وهي فصائل مناهضة لتنظيم داعش.

وبيّن أن الوضع السوري لا يزال معقدًا ومفتقرًا إلى حلول سياسية واضحة، حيث تتوزع السيطرة بين عدة قوى، منها هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى نشاط تنظيم داعش في البادية السورية وأرياف دير الزور والرقة وحمص.
التصعيد في هذه المناطق يعكس استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا؛ الهجوم الأخير الذي أُطلق عليه اسم ‘ردع العدوان’ تمكن خلال ساعات قليلة من السيطرة على عشرات القرى، مما يُبرز خطورة الوضع الراهن
واختتم حديثه بالقول إن غياب الاستقرار في سوريا يفتح المجال أمام انتعاش تنظيم داعش مرة أخرى، حيث بدأ التنظيم بالفعل في تعزيز نشاطاته في سوريا والعراق، مع تضاعف هجماته مقارنة بالعام الماضي.
شحادة: انسحاب حزب الله سهّل سيطرة الفصائل على ريف حلب
وفي ذات الصدد؛ قال المحلل السياسي وخبير الجماعات والحركات الإسلامية ، الدكتور مروان شحادة، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن ما جرى في ريف حلب خلال الأيام الماضية هو نتيجة هجوم شنته فصائل مسلحة، على رأسها هيئة تحرير الشام والجيش السوري الحر والجيش الوطني السوري، على مقرات تتبع لحزب الله والحرس الثوري الإيراني والنظام السوري.

وأوضح أن هذه العمليات جاءت في ظل انسحاب واسع لعناصر حزب الله من هذه المناطق، مما مكّن الفصائل المهاجمة من السيطرة على حوالي 30 قرية.
في الوقت الحالي؛ يتم التحضير لهجوم معاكس من قِبَل الحرس الثوري الإيراني وقوات النظام السوري لاستعادة السيطرة على المناطق التي خسرها النظام
وحول دور تنظيم داعش في هذه الأحداث، أكد شحادة أن التنظيم ليس له أي علاقة بهذه العمليات في ريف حلب أو المناطق الواقعة في شمال سوريا الأوسط والغربي؛ وقال:
تنظيم داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية ينشط بشكل رئيسي في عمليات اغتيال وهجمات مباغتة في المناطق الواقعة شرق وشمال شرق سوريا، وليس في هذه المناطق
وأشار شحادة إلى أن جهود تنظيم داعش في الوقت الحالي تتركز على تنفيذ هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية وبعض عناصر النظام السوري في المناطق الشرقية.
وبيّن أن التنظيم، بعد خسارته الحرب في عام 2017، اعتمد استراتيجية الهجمات المباغتة لإبقاء حضوره قائمًا في المناطق التي ينشط فيها.
تصعيد ميداني ومشهد سياسي معقد ..
تسلط معركة “ردع العدوان” الضوء على واقع المشهد السوري المليء بالتعقيدات، حيث يمثل التصعيد الأخير تحولًا ميدانيًا وسياسيًا مهمًا في شمال البلاد؛ فبين التقدم السريع لفصائل المعارضة والرد العنيف من قبل النظام وحلفائه، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، بما في ذلك إعادة ترتيب القوى أو الدفع نحو مفاوضات سياسية جديدة.

وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتصاعد نشاط تنظيم داعش في مناطق أخرى من سوريا، يثار سؤال جوهري: هل يمكن لهذا التصعيد أن يساهم في انتعاش تنظيم داعش مجددًا واستغلاله لحالة الفوضى، أم أن التركيز سيبقى على الصراع بين قوى المعارضة والنظام؟