نخبة بوست – نشر الخبير الدستوري الدكتور نوفان العجارمة على صفحته على “فيسبوك” تعليقاً مفصلاً حول الثورة السورية، أكد فيه أنه على مدار نصف قرن تقريباً لم نشهد ثورات حقيقية، بل مجرد انقلابات تم فيها استبدال حاكم بآخر دون أن ينعكس الأمر على فلسفة الحكم في الدولة.
التغيير الذي حدث في مصر عام 2011 هو مثال على ذلك
وأوضح العجارمة أن الثورة الحقيقية تهدف إلى تغيير فلسفة الحكم من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وضع دستور جديد يعيد تنظيم علاقة الفرد بالسلطة أو صياغة عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم.
وتحدث العجارمة عن الوضع في سوريا، قائلاً إنه من المبكر جداً الحكم على ما حدث هناك مؤخراً، حيث تم الانقلاب على نظام بشار الأسد والإطاحة به في ظل مساندة دولية وإقليمية للثورة.
الدولة السورية تمر حالياً بمرحلة انتقالية حتى يتم وضع دستور جديد أو تعديل الدستور القائم، كما أعلنت الحكومة المؤقتة
وأشار إلى أنه في العادة، خلال مراحل الانقلابات أو الثورات، تقوم السلطة الواقعية التي تقود الثورة بحكم البلاد من خلال إعلانات دستورية مؤقتة إلى حين وضع دستور دائم، وهو ما لم يحدث في سوريا حتى الآن.
نجاح الثورة يعني السقوط الحكمي للدستور القديم، لأن “الدستور لا يعترف بالثورة، والثورة لا تعترف بالدستور”، مشدداً على أن بقاء الدولة واستمرارها أهم من بقاء الدستور
وتناول العجارمة نظرية العقد الاجتماعي كما قدمها لوك وهوبز وروسو، مشيراً إلى أنها تهدف إلى عقلنة الفرد بحيث يتخلى طواعية عن حريته الطبيعية من أجل الحصول على منافع النظام السياسي.
واعتبر أن هذه النظرية تشكل عاملاً أساسياً في صياغة الدستور السوري الجديد، لكنه حذر من استخدام أدوات الماضي للحكم على الحاضر والمستقبل.
وشدد العجارمة على أهمية وضع عقد اجتماعي جديد أو دستور جديد يراعي النقاط التالية:
- حل المشكلات المتراكمة: أشار إلى أن النصوص وحدها غير قادرة على حل مشكلات المجتمع القديمة والمتراكمة، والتي تحتاج إلى فترة زمنية لمعالجتها. وأكد أن الأشخاص الذين يطبقون هذه النصوص يجب أن يتمتعوا بالكفاءة والخبرة، مع الحرص على اختيار وزراء أكفاء دون إقصاء أو تهميش لأي فئة أو طائفة؛ مؤكداً على أن التحول الديمقراطي يشارك فيه جميع أبناء الدولة، مما يزيل الخوف من المستقبل أو استحضار مآسي الماضي.
- مكانة القواعد الدستورية: أكد أن القواعد الدستورية تمثل القانون الأعلى في الدولة، حيث تحدد أسس نظام الحكم والفلسفة التي يقوم عليها؛ كما تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وتنظم العلاقة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ مشدداً على ضرورة أن يدور النشاط القانوني في الدولة ضمن إطار الدستور الذي يجب أن يكون في مكانة الصدارة مقارنة ببقية القوانين.
- تأثير الدعم الدولي: تحدث عن تأثير الدعم الدولي للثورة السورية على نصوص الدستور من عدة جوانب، حيث رجح ظهور نسخة جديدة من الإسلام السياسي، تختلف عن التجارب المصرية (الإخوان المسلمون) أو التونسية (الغنوشي)، وتتجه نحو النسخة التركية (أردوغانية) أو الماليزية (مهاتير محمد)، بما يتوافق مع مصالح السياسة الغربية وخاصة الأمريكية، التي تدرك أهمية الدين في حكم منطقة الشرق الأوسط. وأكد أن هذه النسخة لن تسعى إلى أسلمة الدولة السورية.
- متطلبات الدستور العصري: أكد العجارمة أن الدستور ليس مجرد وثيقة تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم، بل هو أداة لضمان العدالة بين طبقات المجتمع؛ مبيناً ضرورة أن يكون الدستور عصرياً يتوافق مع قيم العالم المتقدم في القرن الحالي، مع مراعاة مصالح الأجيال السورية القادمة.
وختم العجارمة منشوره بالتأكيد على أن آمال الشعوب بعد الثورات تكون كبيرة جداً، واستشهد ببيت شعر للشاعر العراقي عبد الأمير جرص: “آمالهم في الذين لا أمل لهم”.