* دية: نطالب باتخاذ خطوات حكومية موازية لقرار رفع الأجور تتضمن دعم الطاقة البديلة، تخفيض الرسوم والضرائب، وتوفير تسهيلات اقتصادية للقطاعات المتضررة
* أبو حمور: التأثير الاجتماعي لرفع الحد الأدنى للأجور سيبقى محدودًا ما لم يتم اتخاذ إجراءات تكاملية تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية وضمان استقرار الأسعار
* مخامرة: الحد الأدنى للأجور يجب أن لا يقل عن 500 دينار لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ و 40% من الشعب الأردني تحت خط الفقر
* مواطنون: زيادة الحد الأدنى للأجور لا تكفي لمواجهة الأعباء المعيشية، و”قلق” من ارتفاع الضرائب وغلاء الأسعار
نخبة بوست – شذى العودات
بعد انتظار دام نحو ثلاث سنوات منذ آخر تعديل طرأ على الحد الأدنى للأجور، أعلن وزير العمل خالد البكار أمس عن رفع الحد الأدنى للأجور من 260 دينارًا إلى 290 دينارًا، بزيادة قدرها 30 دينارًا؛ وذلك بدءا من بداية السنة الجديدة وستستمر لسنتين.
هذه الخطوة؛ التي جاءت بعد جدل واسع وضغوط متزايدة لتحسين الظروف المعيشية للطبقات العاملة، تحمل وعودًا بإحداث تغيير إيجابي، لكنها أيضًا تُواجه تحديات كبيرة في ظل واقع اقتصادي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
القرار الذي طال انتظاره؛ أثار ردود فعل متباينة بين المواطنين والخبراء، حيث عبّر البعض عن ارتياح مبدئي باعتبار الزيادة استجابة لاحتياجات طال انتظارها؛ في حين يرى آخرون أنها قد تكون خطوة غير كافية لمعالجة التدهور المستمر في القوة الشرائية؛ فمع الارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسية، وزيادة تكاليف النقل والإيجارات، وحتى الحديث عن احتمالية رفع أسعار المشتقات النفطية، حيث يخشى كثيرون أن تُستهلك هذه الزيادة الجديدة قبل أن يشعر بها المواطنون فعليًا.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يمكن لهذه الزيادة أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الأردنيين الذين يواجهون ضغوطًا اقتصادية خانقة؟ أم أنها مجرد إجراء شكلي قد يتلاشى تأثيره سريعًا في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة؟

“نخبة بوست” استطلعت آراء خبراء اقتصاديين ومواطنين لتسليط الضوء عن كثب على هذا الموضوع.
دية: خطوة جيدة لكنها غير كافية؛ وهذه هي التداعيات المحتملة للقرار ..
وفي هذا الصدد؛ قال الخبير الاقتصادي منير دية أن قرار اللجنة الثلاثية برفع الحد الأدنى للأجور من 260 إلى 290 دينارًا يمثل تنفيذًا للمادة 52 من قانون وزارة العمل، التي تربط الحد الأدنى للأجور بمعدل التضخم.
وأوضح دية ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست” أن آخر زيادة للحد الأدنى للأجور كانت عام 2021، حين ارتفعت من 220 إلى 260 دينارًا، فيما لم يتم رفع الأجور خلال الأعوام 2022، 2023، و2024.
وأشار إلى أن التضخم التراكمي خلال السنوات الثلاث الأخيرة بلغ 8.8%، ما يعادل زيادة مقدارها 21 دينارًا، ليصل الحد الأدنى للأجور المفترض إلى 281 دينارًا.
مع قرار اللجنة الثلاثية، تم تحديد الحد الأدنى بـ290 دينارًا، بزيادة طفيفة عن المعدل المحتسب، واستثنت اللجنة قطاع المحيكات من هذا القرار بسبب هيمنة العمالة الأجنبية على القطاع ونسبة الأردنيين المتدنية فيه
دية

وأضاف دية أن القرار يشمل تعويض أصحاب العمل عن فارق الزيادة في بعض القطاعات مثل الأمن والحماية والخدمات الفندقية.
كما يرى أن الخطوة جيدة كبداية، لكنها غير كافية لتلبية متطلبات الحياة الأساسية للعمال في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع الأجور، مشددًا على ضرورة استمرار ربط الحد الأدنى للأجور بمعدل التضخم.
وحذّر دية من تداعيات محتملة لهذا القرار، مثل زيادة نسب البطالة وتسريح العمال، أو ارتفاع أسعار المنتجات وتراجع تنافسية السلع الأردنية في الأسواق المحلية والدولية.
هناك أهمية لتقديم الحكومة حزم تحفيزية للقطاعات المتأثرة، تشمل تخفيض تكاليف الطاقة، رسوم الكهرباء والمياه، والضرائب، وخاصة ضريبة المبيعات
وشدّد دية على ضرورة تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى تقليل الكلف التشغيلية للشركات والمصانع، بما يحافظ على تنافسية المنتج المحلي، ويجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، محذرًا من احتمالية انتقال الاستثمارات إلى دول ذات تكاليف تشغيلية أقل، مثل انخفاض كلف العمالة والطاقة فيها.

واختتم دية حديثه بمطالبة الحكومة باتخاذ خطوات موازية لقرار رفع الأجور، تتضمن دعم الطاقة البديلة، تخفيض الرسوم والضرائب، وتوفير تسهيلات اقتصادية للقطاعات المتضررة، لضمان استدامة القرار دون آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والعمال.
نطالب باتخاذ خطوات حكومية موازية لقرار رفع الأجور، تتضمن دعم الطاقة البديلة، تخفيض الرسوم والضرائب، وتوفير تسهيلات اقتصادية للقطاعات المتضررة، لضمان استدامة القرار دون آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والعمال
دية
أبو حمور: خطوة إيجابية لكن الارتفاع المستمر في الأسعار “يلتهم” تأثيرها
من جهتها؛ قالت الخبيرة الاجتماعية الدكتورة شروق أبو حمور، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن يُعد خطوة إيجابية من حيث المبدأ لتحسين وضع الطبقات الأقل دخلًا.
ومع ذلك؛ رأت أبو حمور أن تزامن هذا القرار مع حالة من القلق الاجتماعي والاقتصادي نتيجة الحديث المتزايد عن احتمالية رفع أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة إلى الواقع المعيشي الصعب الذي يشهده الأردن، والمتمثل في الارتفاع الكبير في أجور المنازل وأسعار السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية التي أصبحت عبئًا متزايدًا على العديد من الأسر.

وأوضحت أبو حمور أن رفع الحد الأدنى للأجور في ظل هذه الأوضاع قد لا يحقق التأثير المنتظر في تحسين نوعية الحياة أو نقل الفئات الفقيرة إلى الطبقة الوسطى.
إذا كانت هناك مقترحات تدور حول رفع أسعار المشتقات النفطية، فإن ذلك سيزيد من تكلفة النقل والطاقة، ما سيؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأفراد
وأضافت أن الارتفاع الكبير في إيجارات المنازل يجعل العثور على سكن مناسب بأسعار معقولة تحديًا كبيرًا بالنسبة للكثير من الأسر، مما يفاقم من الأعباء المالية على الأسر ذات الدخل المحدود.
وأشارت أبو حمور إلى أن معادلة زيادة الأجور مقابل ارتفاع الأسعار لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين حقيقي في مستوى الحياة.
قد تُستهلك أي زيادة في الأجور مباشرة في تغطية التكاليف المرتفعة للنقل والإيجار والطعام، مما يجعل هذه الزيادة مجرد إجراء ظاهري دون تحقيق نقلة نوعية حقيقية في حياة الأسر
وأضافت بقولها إنه في ظل هذا الوضع، قد تبقى الحالة الاقتصادية للمواطنين كما هي دون تغيير يُذكر؛ وشددت أبو حمور على أهمية أن يتزامن رفع الأجور مع خطوات استراتيجية أخرى لضبط التضخم والحد من الزيادات المستمرة في الأسعار.
كما تطرقت في حديثها إلى أهمية أن تشمل هذه الخطوات استقرار أسعار المشتقات النفطية، وتنظيم سوق الإيجارات، والسيطرة على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والسلع الأساسية.

واختتمت أبو حمور بالتأكيد على أن التأثير الاجتماعي لرفع الحد الأدنى للأجور سيبقى محدودًا ما لم يتم اتخاذ إجراءات تكاملية تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية وضمان استقرار الأسعار.
بدون هذه الإجراءات، لن يتمكن المواطنون من تحقيق الاستفادة الحقيقية من أي زيادات في الأجور، وستبقى الأعباء الاقتصادية والاجتماعية واقعًا يثقل كاهل العديد من الأسر
مخامرة: قرار غير كافي؛ و 40% من الشعب الأردني تحت خط الفقر
وفي نفس السياق، صرّح الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 290 دينارًا لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين الأردنيين، خصوصًا في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير.
هذا المبلغ لا يغطي الحد الأدنى من التكاليف، وأعتقد أن الحد الأدنى للأجور يجب أن لا يقل عن 500 دينار لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وزيادة الضرائب عليها، بالإضافة إلى الأعباء الأخرى مثل القروض، وكلف الكهرباء والمياه
وأضاف مخامرة أن هذه الزيادة تُعد خطوة أولية لكنها غير كافية لتخفيف الضغط على الأسر ذات الدخل المحدود، موضحًا أنه حتى مع رفع الحد الأدنى للأجور 30 دينارًا، لا يمكن للمواطنين تغطية جميع تكاليفهم الأساسية؛ خاصة مع وجود تقارير تشير إلى أن 40% من الشعب الأردني يعيش تحت خط الفقر، مما يؤكد ضرورة إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور بشكل دوري.

وأشار إلى أن قرار رفع الأجور قد يواجه معارضة من الشركات الصناعية التي تعاني أصلًا من ارتفاع الكلف التشغيلية، مثل الطاقة والمواد الخام.
الصناعيون يعتبرون أن رفع الحد الأدنى للأجور سيزيد من أعبائهم المالية في ظل ارتفاع التكاليف الأخرى المرتبطة بالإنتاج والخدمات
وأكد على أهمية مراجعة هذا القرار بعد سنة أو سنتين لتقييم تأثيره على معيشة المواطن، مضيفاً أن الأوضاع الاقتصادية تزداد صعوبة، والأسعار تستمر بالارتفاع، مما يجعل المواطن الأردني غير قادر على مواجهة هذه الأعباء حتى مع الزيادات الحالية.
وختم مخامرة حديثه بالإشارة إلى أن تحسين مستوى الأجور يجب أن يترافق مع سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى ضبط التضخم، وتخفيض كلف الطاقة، وتقديم حلول تدعم القدرة الشرائية للمواطنين لضمان تحسين حقيقي في معيشتهم.
مواطنون لـ “نخبة بوست” : هذه الزيادة لن تحدث فرقاً مع غلاء الأسعار
ولإكمال هذا التقرير بشكل شامل، لم تقتصر “نخبة بوست” على تحليل آراء الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين، بل قامت برصد ردود فعل مجموعة من المواطنين الذين يمثلون الفئات المستهدفة من هذا القرار؛ فجاءت آراؤهم لتعكس تنوع وجهات النظر بين الأمل بتحسن الأوضاع وخيبة الأمل من تأثير محدود لهذه الزيادة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
عادل، موظف في شركة خاصة، قال بلهجة تعكس إحباطًا: “الزيادة لا تكفي لمواجهة ارتفاع الأسعار المستمر؛ 30 دينارًا لن تُحدث فرقًا كبيرًا في ظل الغلاء الحالي“.
من جهتها، وصفت سمر، وهي معلمة في مدرسة خاصة، القرار بأنه خطوة إيجابية لكنها تحتاج إلى تدعيم بسياسات إضافية، وقالت: “نحتاج إلى سياسات تحد من ارتفاع تكاليف المعيشة؛ زيادة الأجور لوحدها لن تكون كافية للتخفيف من الأعباء المتزايدة.”
أما خالد، عامل في قطاع الإنشاءات، فقد أوضح أن الزيادة ستقدم مساعدة محدودة، مضيفًا:”مع ارتفاع أسعار الوقود والإيجارات، هذه الزيادة لن تُحدث فرقًا كبيرًا؛ نحن بحاجة إلى إجراءات أعمق لتحسين حياتنا اليومية.”
هذه الآراء الميدانية تُظهر بوضوح أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور، رغم كونه خطوة إيجابية، قد لا يُحدث الأثر المرجو منه في ظل غياب سياسات موازية تهدف إلى ضبط أسعار السلع والخدمات.

وهنا؛ تبرز الحاجة إلى معالجة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع أبعاد الأزمة الاقتصادية، لضمان تحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على جميع الفئات.
زيادة الحد الأدنى للأجو؛ تخفيف للأعباء المعيشية أم مقدمة لرفع الأسعار !؟
بعد الاطلاع على أراء خبراء الاقتصاد والمواطنين، يبقى السؤال الأبرز حول ما إذا كان رفع الحد الأدنى للأجور إلى 290 دينارًا سيحقق أثرًا فعليًا في تحسين الظروف المعيشية للطبقات العاملة في الأردن؛ وهل ستكون هذه الزيادة، التي جاءت بعد سنوات من الثبات، كافية لمواجهة الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، أم أنها ستبقى عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد التكاليف الأساسية؟
وهنا؛ تبقى الكرة في ملعب الحكومة: هل ستُرافق هذه الخطوة بسياسات اقتصادية موازية تُعالج التضخم وتخفض تكاليف المعيشة؟ أم أن هذه الزيادة ستصبح مجرد رقم جديد في ظل واقع اقتصادي يفرض مزيدا من الضرائب وغلاء الأسعار !؟