نخبة بوست – فرح أبو عياده ( معهد السياسة والمجتمع)

اندلعت احتجاجات وأعمال عنف في مناطق عدة في الشمال السوري، مثل أعزاز وعفرين وإدلب، كردة فعل على تعرض لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية إلى هجمات عنيفة استهدفت مصالحهم وأعمالهم وممتلكاتهم، على خلفية انتشار فيديو ادعى توثيق تحرش رجل سوري بطفلة تركية في إحدى المناطق العامة بالمدينة، الأمر الذي تم التطرق إلى ملابساته في إطار آخر، واستمرت سلسلة من الممارسات العنيفة تجاه السوريين في قيصري بشكل متفاوت، على الرغم من تدخل فرق الشرطة والجهات الأمنية المعنية، للحيلولة من أن تنتشر إلى عدة مدن مجاورة في الجنوب التركي.

لا تعتبر أحداث قيصري أحداث فريدة من نوعها تجاه السوريين في تركيا، على الرغم أن تركيا كانت من أكثر الدول وضوحًا في موقفها الداعم للثورة السورية حينما اندلعت، واستقبلت عدد كبير من اللاجئين، إذ يقدّر عدد اللاجئين في تركيا ما يزيد عن 3 مليون لاجئ سوري، وتعتبر من أكبر الدول المضيفة للاجئين السوريين، يليها الأردن، إلا أن المفارقة في الحالة التركية وجود مجموعة من المؤشرات التي تبين التصعيد ضد اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة، من قبل الأحزاب المعارضة لسياسة اللجوء التي انتهجها حزب العدالة والتنمية على الرغم من وجود تحولات مؤخرًا في النهج عبر إعادة أعداد من اللاجئين السوريين والتشديد على محاولات الهجرة غير الشرعية، كما أن المعارضة انتهجت استراتيجية خطاب الكراهية ضد اللاجئين بشكل خاص كأداة سياسية لاعتبارات انتخابية، بالإضافة إلى، ارتفاع أصوات التحريض ضد اللاجئين السوريين، لا سيما عبر بعض وسائل الإعلام التركية، التي فسرها بعض الباحثين باحتمالية ارتباطها بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها أنقرة، وعوامل أخرى.

تعد الحادثة التي حصلت في أنقرة أغسطس/آب عام 2021 تحديدًا في حي ألتن داغ، مشابهة لهذه الأحداث بدرجة ما، لكن المفارقة أن تزامنت هذه الأحداث مع عوامل ومسببات ساهمت في تشكيل الأفعال التي صدرت عن السوريين في الشمال السوري ضد تركيا مثل مهاجمة قواعد تركية عسكرية، بالإضافة إلى منع دخول حافلات وناقلات إلى شمال سوريا من خلال معبر باب السلامة، ومعبر باب الهوى، وتم إغلاقهما بشكل مؤقت لاحتواء وتهدئة الاحتجاجات.

علاوة على ذلك، تم حرق الأعلام التركية وإزالتها من على المؤسسات الرسمية في مدينتي الباب واعزاز، الأمر الذي أثار حفيظة بعض الشبان الأتراك، وتبلور على شاكلة حوادث الاعتداء في مناطق حدودية منها غازي عنتاب، واشتبك مسلحون يتبعون لإحدى الفصائل العسكرية، التي تتلقى دعمًا منذ سنوات من أنقرة، مع القوات التركية، ونددت حكومة الإنقاذ في المناطق المحررة الممارسات التي قام بها السوريون في الشمال ضد عناصر عسكرية ومدنية تركية، واعتبر البعض أن المستفيد الأول والوحيد من هذه الأحداث هو النظام السوري وحلفاؤه أبرزهم الروس، بالإضافة إلى التنظيمات الكردية المسلحة، التي تمثل تهديدًا للأمن القومي التركي، وترغب الأخيرة في الحد من دورها وتأثيرها، وتعمل على حماية أمنها القومي من هذا التهديد، ولهذا يستمر تواجدها العسكري على الأراضي السورية في مواجهة الأكراد.

يمكن إجماع جملة الأسباب التي أدت إلى التصعيد مع تركيا من الشارع السوري، من خلال ترجيحها من قبل البعض، إلى أن مسار عملية التطبيع مع دمشق الذي يتم العمل عليه بين الحين والآخر وبين عدة وسطاء من بينها العراق، يمكن أن يعتبر أحد الأسباب غير المباشرة التي قد تكون ساهمت في توليد هذا الانفجار، إلا أن اشتراط النظام المضي في العملية بانسحاب القوات التركية من الشمال السوري ما يزال تشكل عائقًا ولو بالحد الأدنى، إضافة إلى إن فتح معبر أبو الزندين مع تركيا، قد يكون أثار حفيظة المعارضة السورية وربما خلق لديها الشعور بالخيانة من قبل تركيا أو ولد لها خوفًا من أن تكون ضحية هذا التقارب، مع تردي وتبعثر الوضع الإداري في شمال غرب سوريا، ووجود جهات مستفيدة من التحريض للسوريين على الأتراك والعكس صحيح.

إن الأحداث الأخيرة تبين أن الحالة السياسية التي تعيشها المعارضة السورية اليوم تتسم بالتراجع المستمر في تفعيل دورها وأدائها كممثل عن السوريين، وعلى الرغم من ذلك فإنها تؤكد للجانب التركي أن أي حل أو قرار يجب أن يكون لصالح الطرفين وليس لصالح أحد على آخر، إذ يبدو أن المسار القادم ليس بذلك الوضوح او اليُسر، تحديدًا أن تركيا تشهد صعودًا للأحزاب التي تتخذ مواقف متطرفة من اللاجئين على شاكلة صعود اليمين المتطرف في أوروبا، حيث بينت الأحداث الأخيرة استمرار بعض النخب والأحزاب التركية بإلقاء التهم والأسباب في نشوء الصدع الأخير على سياسة اللجوء المعمول بها حاليًا من حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأمر الذي يطرح تساؤلًا عمّا هو قادم في اليوم التالي بعد انتهاء حكم الحزب الحالي وإن كان على مستوى أبعد زمنيًا إلى حد ما من هذه الأحداث، بالترافق مع عدم وجود ما يمكن أن يطلق عليه برنامج واضح للمعارضة السورية، يحدد ما هي الخطوة القادمة التي سوف يبنى عليها فجر اليوم التالي للمعارضة، ومعالم العلاقة ما بين المعارضة وتركيا في سياسات الحزب الحالي وغيره، تحديدًا في مسار التطبيع مع النظام الذي على ما يبدو أنه يشهد تقدمًا مؤخرًا، الذي حال حصل، فإنه قد يكون تطويق للمعارضة بشكل أو بآخر.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version