الغرايبة يكتب: منظومة 2021 للتحديث السياسي في انتخابات 2024

* إذا حدث ذلك بالفعل؛ فسوف يسجل لمنظومة التحديث السياسي إحداثها أثراً كبيراً في خريطة البرلمان وفي تركيبة الحكومات والقيادات السياسية

* تخمين التحول النوعي يحتاج أن ننتظر النتائج الفعلية للانتخابات وما أنشأته من تكوين سياسي اجتماعي جديد، وملاحظة الأعضاء الجدد في البرلمان

* ليس ثمة ما يمنع أن ينتج التكتل العشائري والمحافظاتي مرشحين برامجيين وسياسيين وأيديولوجيين

* أمام القوميين والإسلاميين تحدٍّ ليحولوا رؤاهم الأيديولوجية إلى مقولات عقلانية وواقعية، وعدم استخدام النص الديني أو القومي في الدعوة إلى برامج ومواقف وسياسات

* البعد العشائري والمحافظاتي ضروري وأساسي في هذه المرحلة لضمان عدالة التمثيل وتحقيق الرضا والمشاركة

* تعدد الأصوات للدائرة والوطن يعزز المجال لنمو التيارات والشخصيات الوطنية

نخبة بوست – ابراهيم الغرايبة

تعكس منظومة التحديث السياسي الرؤية الأردنية لما سيكون عليه الأردن بعد مرور مائة سنة على الدولة الحديثة المركزية. وقد نص الخطاب الملكي إلى سمير الرفاعي، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، بوضوح على مجموعة من الأهداف والتطلعات ذات العلاقة المباشرة بالانتخابات النيابية، وخاصة انتخابات 2024، باعتبارها مؤسسة لمرحلة وتطلعات ودروس جديدة بعد التجربة السياسية الأردنية والتحولات العالمية والإقليمية. ومن ذلك، على سبيل المثال، الانتقال بالحياة السياسية والبرلمانية على أساس من الحزبية والتيارات البرامجية، وتمكين المرأة والشباب من المشاركة الفاعلة في الأحزاب السياسية والبرلمان والسلطة السياسية، والتمثيل العادل للمواطنين.

يمكن التقدير اليوم ماذا يمكن أن تحدثه المنظومة في مستقبل البرلمان ومن ثم الحكومة والحياة السياسية بعامة؛ على الأقل ضمن مؤشرات قياسية كمية، لكن تخمين التحول النوعي يحتاج أن ننتظر النتائج الفعلية للانتخابات وما أنشأته من تكوين سياسي اجتماعي جديد، مثل الحضور الحزبي والشبابي والنسائي والمحافظاتي، أو التركيب الاجتماعي والمهني للنواب. كذلك، ملاحظة الأعضاء الجدد في البرلمان (للمرة الأولى) وتحليل خريطة الغائبين عن المجلس. إننا نقرر بالانتخابات كيف نرى العالم وكيف نرى الأردن.

مؤكد بحكم قانون الانتخاب المنبثق (إلى حد كبير) عن المنظومة أنه سيصل إلى البرلمان 41 نائبا ينتمون إلى الأحزاب السياسية، من بينهم اثنان مسيحيان وواحد شركسي/شيشاني، وربما يكون 8 – 10 منهم شبابا لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة، وأنهم يمثلون المحافظات تمثيلا معقولا.

وبالنسبة لمرشحي المحافظات، يتوقع أن يصل إلى البرلمان مرشحون حزبيون (معلنون أو مضمرون) ربما بحدود 20 – 25 نائبا قياسا على الانتخابات السابقة. وسوف تصل نساء بحكم القانون إضافة إلى من ينجحن بعدد الأصوات خارج الكوتا المخصصة، وهناك تمثيل مسيحي شركسي منصوص عليه بالقانون، وسوف تكون المحافظات أو الدوائر حاضرة في البرلمان (18 دائرة). وكما جرت العادة أيضا في كل انتخابات، سوف يصل عدد من الشباب إلى البرلمان. وسوف يكون للمرة الأولى في مقدور أبناء البادية الترشح في دوائر انتخابية غير دوائر البادية، وسوف يكون أيضا بمقدور المسيحيين والشركس/الشيشان الترشح خارج المقاعد المخصصة لهم بالقانون. هكذا سوف يكون في مقدور أبناء البادية والشركس والشيشان والمسيحيين الحصول على مقاعد إضافية، ويمكن أن يكون لهم أيضا حصص في المقاعد المخصصة للنساء.

من شأن هذا التمييز الإيجابي أن يعزز التنوع في المجتمع الأردني ويحمي الفئات المعرضة للتهميش السياسي بمكاسب إضافية خاصة بهم

ليس متوقعًا أن تحصل الأحزاب السياسية في مجموعها على أغلبية برلمانية وإن كان ذلك ممكنًا نظريًا، لكن سوف تتشكل كتل برلمانية تمثل حالة سياسية وحزبية، ويفترض تبعًا لذلك أن تعكس الحكومة هذه الخريطة البرلمانية، وإن كانت ليست منبثقة عن التشكلات البرلمانية كما هي التقاليد السياسية في الدول الديمقراطية، إذ تُكلَّف الكتلة الحاصلة على الأغلبية البرلمانية أو الأكثر عددًا باقتراح حكومة مستندة إلى أغلبية برلمانية. لكن مشاورات التشكيل المتوقعة سوف تأخذ بالاعتبار أكثر من قبل الحضور الحزبي الجديد، وربما يكون عدد من الوزراء ينتمون إلى أحزاب سياسية بدعم وترشيح من الكتل البرلمانية، ويفترض اعتمادًا على وصول 60 – 80 نائبًا حزبيًا إلى البرلمان أن يكون ثلث إلى نصف الوزراء من قادة ومرشحي الأحزاب السياسية.

إذا حدث ذلك بالفعل، فسوف يُسجَّل لمنظومة التحديث السياسي إحداثها أثرًا كبيرًا في خريطة البرلمان والحكومة على الأقل كميًا إن لم يكن ذلك نوعيًا أو جوهريًا في تركيبة الحكومات والقيادات السياسية، لكن ما من إنجاز وتراكم كمي إلا ويحدث بالضرورة أثرًا نوعيًا.

اتخذت إجراءات وسياسات تسهل وتشجع المشاركة الانتخابية، مثل اعتماد بطاقة الهوية الصادرة عن الأحوال المدنية وتشديد العقوبات على المخالفات والممارسات والتدخلات التي تنتقص من نزاهة الانتخابات. هناك خوف وقلق دائمين من تدخلات وتأثيرات خارجية على الانتخابات بالتمويل أو التأثير والتدخل الأيديولوجي أو السياسي، لكن التقدير العام لهذا العام هو أن هذه التدخلات سوف تنحسر بسبب تنامي الوعي السياسي والشبكية الإعلامية التي صارت متغلغلة في الحياة اليومية وأعطت لجميع الأفراد قدرة على التأثير والمراقبة.

هناك تعديلات تزيد من تعزيز عدالة الانتخابات مثل تخفيض سن المرشح، وعدم اشتراط استقالة الموظف العام الراغب في ترشيح نفسه للانتخابات، وتقليل عدد الدوائر؛ الأمر الذي يزيد صعوبة الاعتماد على الروابط القُرَابية ويحفز التحالفات الانتخابية. وهناك سياسات وإجراءات لضمان الشفافية ومراقبة التمويل.

ليس هناك ما يكن تصوره من برامج للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والسكن والعمل وسائر الخدمات على أساس قومي فوق وطني أو ديني


سوف يظل التأثير العشائري والمحافظاتي قويًا في الانتخابات والتشكيل السياسي، لكن ليس هناك ما يمنع نشوء فكر سياسي برامجي وطني وشامل يتجاوز المحافظات والمناطق إلى انتماءات سياسية برامجية. وليس ثمة ما يمنع أن ينتج التكتل العشائري والمحافظاتي مرشحين برامجيين وسياسيين وأيديولوجيين (أيديولوجيا بالمعنى العلمي وليس الازدرائي).

هذا مع التأكيد أيضًا وبالضرورة أن البعد العشائري والمحافظاتي ضروري وأساسي على الأقل في هذه المرحلة لضمان عدالة التمثيل وتحقيق الرضا والمشاركة. ومؤكد أن الدوائر الوطنية سوف تؤسس لفكر وطني سياسي وبرامجي وهوية وطنية شاملة. كما أن تعدد الأصوات للدائرة والوطن يعزز المجال لنمو التيارات والشخصيات الوطنية.

الأيديولوجيات والبرامج السياسية محصورة في ثلاثة تيارات أساسية؛ اليمين المحافظ الذي يعكس قيم المجتمع ومؤسسات الدولة، والوسط الليبرالي القائم على الحرية الفردية وتقليل دور الدولة، وتيار يساري يؤمن بالتوسع في دور الدولة في الخدمات الأساسية وضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية

إن الأيديولوجيات والبرامج السياسية محصورة في ثلاثة تيارات أساسية: اليمين المحافظ الذي يعكس قيم المجتمع وثقافته ومؤسسات الدولة والطبقات الاجتماعية والاقتصادية التقليدية في الدولة والمجتمع، والوسط الليبرالي القائم على الحرية الفردية والمبادرات والتوسع في دور القطاع الخاص وتقليل دور الدولة ما أمكن، ويعكس في العادة الطبقات الوسطى والجماعات المهنية، وتيار يساري يراوح بين الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية ويؤمن بالتوسع في دور الدولة في الخدمات الأساسية والموارد العامة والتدخل الحكومي لضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحصول جميع المواطنين على فرص متساوية في التعليم والصحة ورعاية الطفولة على نحو يضمن حصول جميع الأطفال على التغذية الكافية والخدمات الصحية الأساسية. أما التيارات والأيديولوجيات القومية والدينية فإنها تشكل إضافة إلى أحد التيارات الثلاثة السابقة وليست مستقلة بذاتها، إذ ليس ما يمكن تصوره من برامج للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والسكن والعمل وسائر الخدمات على أساس قومي فوق وطني أو ديني، وإن كان الفكر القومي أو الديني يؤثر في طبيعة واتجاهات البرامج الخدماتية والتنموية والسياسات الخارجية. ولا بأس بذلك بشرط أن يكون مستندًا إلى معطيات ومقولات عقلانية ووطنية وليس محتوى قوميا أو دينيا.

وهذا تحدٍّ يخص القوميين والإسلاميين في البلد ليحولوا رؤاهم وأفكارهم الأيديولوجية إلى مقولات ومبررات عقلانية وواقعية، بمعنى عدم استخدام المحتوى أو النص الديني أو القومي في الدعوة إلى برامج ومواقف وسياسات. أشير هنا إلى أن الأيديولوجيا تعني الدليل الفكري والفلسفي للعمل والمواقف وليست كما الوصف السائد بالتعصب والتطرف، فما من برنامج أو تيار سياسي إلا ويجب أن يستند إلى أيديولوجيا فكرية وفلسفية.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version