نخبة بوست- أماني خماش

فرضت عناوين تعديل نظامي الخدمة المدنية والموارد البشرية حالة واسعة من الجدل رافقتها دراسات تحليلية من قبل المختصين لجميع البنود الخاضعة للتعديل، ومع كل دراسة جديدة تخرج تحليلات تتحدث عن أثر هذه التعديلات على نظام العمل بالقطاع العام وعلى موظفيه.

ومع بدء رسم هذه التعديلات خريطة جديدة لسير العمل في مؤسسات القطاع العام – والتي أتت بحسب ما أعلنته الحكومة لضبط إيقاع العمل في القطاع العام- بدأت تتكشف بعض آثارها السلبية بحسب ما أورده المختصون، ومن أهمها أن الأمان الوظيفي في القطاع العام أصبح على المحك.

الأمان الوظيفي قد يخرج من دائرة “الأمان”

من جانبها، أكدت الحكومة أن هذه الخطوة أتت سعيا منها لجعل الكفاءة هي معيار التفاضل بين الموظفين ورفع سوية الإنتاج والأداء، وليس بقصد المساس بوتر الأمان الوظيفي، إلا أن الخبراء والمختصين كان لهم رأي مغاير تماما، لاسيما وأن هذه التعديلات حملت في طياتها صلاحيات منحت السلطات الإدارية القدرة على تعيين الموظف أو إنهاء عقده بناءً على أسس غير علمية ومجردة من الحياد والموضوعية، مما سينعكس سلبًا على الاستقرار الوظيفي وجودة الإنتاج.

زوانة: التعديلات خطوة إيجابية ولكن..

من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي زيان زوانة إلى أن ما قامت به الحكومة خطوة إيجابية باتجاه تخفيض عدد من موظفي القطاع العام وفاتورة رواتبهم، ولكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة إخضاع كل من عامل التوقيت وآلية العمل بالتعديلات إلى الدراسة والتحليل.

الحكومات هي سبب انتفاخ كادر موظفي القطاع العام عندما جعلت من القطاع العام وجهة وظيفية للباحثين عن العمل، الأمر الذي أدى بدوره إلى تعزيز فكرة العدول عن التوجه للقطاع الخاص

وأشار زوانة إلى أن رواتب القطاع العام سبب رئيسي لإنهاك الخزينة العامة، وإضعاف قدرة الحكومات على تنظيم الإدارة المالية العامة المحفزة للاقتصاد الأردني، خاصة في ظل تدني عوائد هذا الإنفاق الضخم لعدم الحاجة الفعلية لجزء كبير منه، علاوة على إسهامه في ارتفاع كلف الدين العام.

وفيما يتعلق بحظر عمل الموظف في القطاع العام خارج أوقات العمل الرسمية، أوضح زوانة أن نظام الإدارة العامة الأردني ومنذ التأسيس أوعز بمنع الموظف العام من القيام بعمل ثانٍ إلى جانب عمله. لكن مع مرور الوقت وتدني هيكلة الأجور وارتفاع كلف المعيشة، لجأ طبيب الحكومة على سبيل المثال إلى فتح عيادة خاصة، والمهندس الحكومي لديه مكتب هندسي نشط، وسار على هذا المنوال الكثير من موظفي القطاع. ومع بدء العمل بهذا النظام، سيكون هناك تهديد لمصدر رزق الكثير من الموظفين.

وأشار زوانة إلى أن توقيت إقرار الحكومة لنظام إدارة الموارد البشرية لم يكن مناسبًا، تبعًا لعوامل عدة: حيث تزامن ذلك مع حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة بسبب حرب غزة، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الراهنة  بالممكلة مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وحول بند إجازة موظف القطاع بدون راتب، بين أن الحكومة قد أخطأت بشأن هذا القرار، ولا بد من القول إن تصريحات نائب رئيس الوزراء الأخيرة بهذا الخصوص غير مقبولة، بالإضافة إلى أن طريقة التنظيم الزمني العلاجي لا يقبلها المنطق ولا التجربة، لافتا إلى أن توجيهات رئيس الحكومة لفريقه بمراجعة هذا النظام قد تسهم في تعديله وإعادة العمل به بمساحته الصحيحة.

دية: القطاع الخاص يمر بتحديات اقتصادية كبيرة

من جانبه قال الخبير الاقتصادي منير دية أن الأمان الوظيفي لا يزال حاضرًا في القطاع العام، ولا بد من القول إن القطاع الخاص لا يزال يعاني من تحديات اقتصادية كبيرة تجعله ليس بأمان كامل، وقد شهد في الكثير من الأوقات حالة من تراجع في الأداء.

وأشار دية إلى أن الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع الخاص معرضة لأن تمر بمنعطف التعثر أو الإفلاس وغيرها من الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد يمر بها هذا القطاع، والتي قد تجبره على تسريح عدد من الموظفين أو تقليل رواتبهم. وبالتالي، فإن العمل في القطاع الخاص في ظل هذه الظروف الصعبة يحمل في طياته مخاطر عديدة، ولا ينطوي المشهد هنا على نسبة أمان عالية.

الوظيفة الحكومية ستبقى الأكثر أمانًا من غيرها، ولكن المرحلة القادمة تتطلب من الموظف أن يكون أكثر التزامًا

نظام الخدمة المدنية الجديد يحتاج إلى أن يخضع للكثير من التوضيح، وعلى وجه الخصوص البند الذي أوعز رئيس الوزراء بدراسته والذي تناول قضية حظر العمل خارج أوقات الدوام لموظفي القطاع العام واستثناء بعض القطاعات

وأكد دية أنه إذا تم تطبيق نظام الخدمة المدنية المعدل بصورة صحيحة، وبشكل دقيق وبمتابعة حثيثة، سيكون الموظف في هذه الحالة ملزمًا بالسير وفقًا لما نص عليه النظام، وبالتالي سيكون مقيدًا في كثير من الأحيان، إلا أنه في هذه الحالة سينعم ببند الأمان الوظيفي.

الصبيحي: بند خطير يسمح بالتعرض لرواتب موظفي القطاع العام في الظروف الطارئة

من جانبه، بين خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي أن نظام الموارد البشرية المعدل يضم بين بنوده بندًا يُعد الأخطر ضمن التعديلات التي طالت نظام الموارد البشرية، وهي مادة (١١٨/أ) التي منحت مجلس الوزراء في الظروف الاستثنائية والطارئة سُلطة إيقاف أو تأجيل أو اقتطاع أي جزء من رواتب الموظفين العموميين أو علاواتهم أو مكافآتهم أو حوافزهم أو أي بدلات يتقاضونها للمدة التي يراها مناسبة.

وأشار الصبيحي إلى أن هذا التشريع ليس مناسبًا لتضمين مادة خطيرة في نظام قد لا تتوافر فيه ضمانات كافية لحماية الموظف العام من تجاوز السُلطة الإدارية وربما تعسّفها أحيانًا، على عكس الضمانات التي نص عليها قانون الدفاع والتي تعتبر أكثر شمولية.

وفيما يتعلق ببند وضع موظف القطاع العام تحت التجربة، بين الصبيحي أن بنود التعديلات في نظام الموارد البشرية الجديد تتعارض مع مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، وأضاف قائلا ” مدة التجربة قصيرة جداً، ويُفترَض أن تكون خاضعة لتقييم أداء الموظف تقييماً دقيقاً وأميناً، سيما أن الموظف خلالها يكون خاضعاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي”.

نظام الموارد البشرية الجديد مليء بالمؤثّرات والانعكاسات السلبية على الموظف العام وأسرته من جهة والمجتمع والاقتصاد الوطني ككل من جهة أخرى، كما سيؤدي إلى توسعة رقعة الفقر والبطالة، وسيخلق مشكلات اجتماعية عديدة

وعن حاجة التعديلات الجديدة إلى دراسة دقيقة بين الصبيحي أنه على رئيس الوزراء سحب هذا النظام وإصدار أمرا بوقف العمل به فوراً، والعمل على تشكيل لجنة خبراء توكل إليها مهام دراسة الابعاد الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية لهذه التعديلات، ثم بدء العمل على تصويبها بمنهجية لا تحدث عواقب سلبية بالغة الأثر على القطاع العام.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version