نخبة بوسترولا أبو رمان

انشغل الشارع الأردني مؤخرا بالحديث حول جرائم القتل التي وقعت في عدة محافظات خلال أسبوع واحد فقط، ولعل اللافت للنظر هنا هو أن معظمها جرائم حدثت ضمن إطار عائلي !!

“نخبة بوست” ارتأى بتسليط الضوء عن كثب على هذا الموضوع لمعرفة أسباب هذه الجرائم وطرق مواجهتها، والأهم هنا هو معرفة فيما إذا كانت هذه الجرائم  “عابرة” أم أنها أصبحت “ظاهرة” !؟

الأفراح تتحول إلى أتراح .. والعائلة الخاسر الأكبر

ما بين التصديق والتكذيب أبشع الجرائم ارتكبت وتصدرت عناويين الصحف الأردنية، إذ قد تتحول الأفراح إلى أتراح بطرفة عين؛ ففي معان، قتل شاب صديقه “العريس” عن طريق الخطأ جراء إطلاق العيارات النارية ابتهاجا بحفل زفافه، كما هزت المجتمع جريمة قتل شاب لوالدته بطعنها 40 طعنة دون بيان الأسباب حتى الآن.

وعلى بعد أمتار من مدينة الكرك في الشونة الجنوبية، قام عدد من المجرمين بالسطو على مزرعة وسرقتها، وعلى إثر ذلك، تصدى لهم حارس المزرعة إلا أنهم أردوه قتيلاً.

كما قد تتحول الحياة الزوجية من مودة ورحمة إلى ضغوطات وتعقيدات، وهذا ما حصل مع رجل أقدم على خنق زوجته إثر خلافات بينهما.

وتابعت الجرائم طريقها إلى العاصمة عمّان، وتحديداً في عين الباشا، حيث قام شاب بقتل شقيقته نتيجة لخلافات بينهما، كما قُتل طبيب في منطقة شفا بدران، حيث اعتدى عليه أبناء خالته داخل منزله بالطعن حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

ومن سخط الحياة وقسوتها، لم يسلم إقليم الشمال من الجرائم المنتشرة، إذ قام شاب بقتل شقيقه في مخيم الزعتري إثر خلافات أسرية.

وضمن إطار الخلافات الأسرية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو يظهر امرأة تطلق النار على زوجها دون رحمة أو إنسانية.. ومن يتصور أن يغدو الملجأ الدافئ مقبرة مقيتة؟ هذا ما حدث لطفلة حديثة الولادة أقدمت والدتها على قتلها أيضا.

كما هزت المملكة أيضا جريمة جديدة، استوفت كل معاني الوحشية، إذ تم العثور على أجزاء من جثة لشخص مقتول على يد صديقه نتيجة خلافات بينهم، ولا يزال البحث جارياً عن باقي الأجزاء.

وآخر هذه الجرائم – حتى لحظة إعداد هذا التقرير – وقعت أمس في منطقة البيادر في العاصمة عمان، وهي جريمة قتل لشابين من جنسية عربية، وتبين بعد ذلك أن الجاني شقيقهم الذي أقدم على الانتحار بإلقاء نفسه من جسر عبدون.

الفرق بين الجريمة والظاهرة

بداية، يجب التفريق بين الجريمة والظاهرة؛ فالجرائم تُعرف بأنها أي فعل ينتهك القانون ويُعاقب عليه بواسطة النظام القانوني، وقد تكون هذه الأفعال ضد الأفراد أو الممتلكات أو المجتمع، كما أن الجرائم لا تنحصر فقط بجرائم القتل، فهناك جرائم سرقة، جرائم اغتصاب، جرائم احتيال مالي إضافة إلى جرائم الإتجار بالمخدرات وغيرها.

أما الظاهرة، وهنا نتحدث عن الظاهرة الاجتماعية، فتُعرف بأنها سلوك مجتمعي تجاه قضية معينة أو أمر معين، وقد يكون هذا السلوك مستحبًا أو غير مستحب، ولكن يبقى السؤال الأهم، هل جرائم القتل في الأردن دخلت في نطاق الظاهرة المجتمعية؟

أبو حمور: الجريمة في مجتمعنا لم تصل إلى مرحلة الظاهرة

لمعرفة فيما إذا كان بإمكاننا أن نعتبر حوادث القتل تلك مؤشرًا على انتشار ظاهرة القتل في الأردن، أشارت أخصائية علم الاجتماع د. شروق أبو حمور إلى أنه قبل إطلاق أي مصطلح على أي قضية من القضايا التي تحدث في المجتمع، يجب أن نكون حذرين في إطلاقه، فالظاهرة تكون أكثر انتشارًا وملاحظة، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار النسبة والتناسب بين العدد الكلي للمجتمع من جهة وعدد الجرائم من جهة أخرى.

هذه الأفعال هي جزء من الجريمة ولكنها لم تصل إلى حد يمكن أن نطلق عليها مصطلح “الظاهرة”،  فالظاهرة تأخذ أبعادًا أكبر ومستوى انتشارها أوسع

ولفتت أبو حمور إلى أن حوادث القتل التي وقعت في الآونة الأخيرة هي جزء من الجريمة التي يعاقب عليها القانون، إلا أنها تدخل في إطار الجرائم والأحداث الفردية.

وتابعت أبو حمور بقولها: حتى نصبح أمام ظاهرة مجتمعية حقيقية لا بد في البداية أن نأخذ عدد سكان الأردن بشكل عام ونقارنه بعدد جرائم التي تدخل في حيز القتل مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجرائم ما هو متعمد وغير متعمد، وفي النهاية وعند النظر له من منظور النسب والتناسب لا نستطيع أن نطلق عليها مسمى “الظاهرة”.

أما فيما يتعلق بالحد من الأسباب المؤدية لمثل هذه القضايا، قالت أبو حمور إن الأولية هنا تكمن بتشديد العقوبة على المقدمات المؤدية لها، كما يجب أيضًا تشديد الأمن وتحديث القوانين لتكون أكثر صرامة تجاه العوامل المساعدة.

وقالت “على سبيل المثال، إطلاق العيارات النارية يُعتبر شروعًا في القتل، لذا فإن تشديد العقوبة على من يقوم بذلك قد يقلل ويمنع من وقوع حوادث مماثلة في المستقبل”.

كما أشارت أبو حمور إلى ضرورة فرض الرقابة على الأماكن التي تسمح بتعاطي الكحول لمنع المشاجرات التي قد تؤدي إلى القتل، لأن الإنسان في تلك الحالات يكون فاقدًا لعقله وأكثر جرأة وتحديًا للقوانين من الناحية النفسية.

على صعيد متصل، لفتت أبو حمور إلى أهمية دور الأسرة باعتبارها عماد المجتمع وأساس التنشئة الاجتماعية السليمة وتعزيز الوازع الديني والأخلاقي لدى الفرد، فإن فسدت فسد الفرد، وبالتالي يفسد المجتمع، وإن استقامت استقام الفرد، وبالتالي استقام المجتمع.

وشددت أبو حمور على ضرورة أن تلعب الأسرة دورًا هامًا في مراقبة أبنائها وإرشادهم وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، إذ يقع على عاتقها الكثير من المهام والتي من بينها الحد من تأثير رفقاء السوء والسيطرة على أبنائها لمنعهم من التفاعل معهم حتى لا تتفاقم الأمور للأسوأ.

وحول القوة القانونية وقدرتها على ردع الجناة عن ارتكاب الجرائم، نوهت أبو حمور إلى ضرورة إجراء دراسات موسعة لتحليل العوامل والأسباب التي أدت إلى القتل ومعالجتها من جذورها.

العقوبات المفروضة “قوية” والقانون الأردني لا يُستهان به، لكن المعضلة تكمن في التلاعب واستغلال الثغرات في بعض القوانين لتخفيف العقوبات

الخزاعي: ثلث جرائم القتل في الأردن عنف أسري

من جانبه، أرجع خبير علم الاجتماع د. حسين خزاعي جرائم القتل في الأردن إلى عدة أسباب أبرزها عدم القدرة على حل المشاكل بين أبناء المجتمع بسرعة وتأجيل حلها، وخاصة المشاكل القائمة بين الأسر والأقارب، علاوة عن غياب ثقافة الحوار والحوار الإيجابي وعدم قبول الرأي الآخر ما بين أبناء المجتمع.

أما السبب الثاني، فيكمن من وجهة نظر الخزاعي في قضايا الثأر الشديد أو المشكلات الشديدة التي تكون بين أبناء المجتمع، والتي يعتقد الناس أنه لا يوجد حل لها إلا بالثأر والقتل.

في حين يكمن السبب الثالث للجرائم في عدم رغبة الأقارب والأهل بالتدخل، وخاصة إذا كانت المواضيع حساسة بين الأهل والأقارب، فيحاول الناس عدم التدخل في عملية الإصلاح خوفًا من التبعات المحتملة التي قد تنتج عن الجرائم.

وقال الخزاعي إن ثلث جرائم القتل في الأردن هي جرائم عنف داخل الأسرة يرتكبها أحد أفراد الأسرة؛ ولهذا السبب فإن عملية التدخل في مثل هذه الخلافات الأسرية قد تسبب المعاناة وتؤدي إلى الضرر لفئة المتدخلين.

الأسر الأردنية تعتبر ما يحدث داخل الأسرة أمرًا خاصًا لا ينبغي لأحد التدخل فيه، لذا هناك خلل في عملية إدارة الأسرة والجرائم التي تحدث ضمن نطاقها

أرقام .. ولكن؟

كشف تقرير الإحصاء الجنائي انخفاض الجرائم المرتكبة في الأردن خلال العام الماضي، بنسبة 0.48%، مقارنة بالعام الذي سبقه 2022.

ووفق التقرير الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام، ارتكبت 22784 جريمة في المملكة العام الماضي، مقارنة بـ 22895 جريمة في 2022، و20991 جريمة في العام 2021، و22187 جريمة في العام 2020.

وتتأثر الجريمة بالمجتمع الأردني وكسائر المجتمعات بما يعتريها من متغيرات اجتماعية واقتصادية وصحية، حيث تساوى معدل الجريمة لعامي 2022 و2023 بمقدار 20 جريمة لكل 10 آلاف نسمة من السكان.

وبلغت نسبة الجنايات المسجلة 24.49% خلال العام الماضي، والجنح 75.51% إلى مجمل الجرائم المسجلة في 2023، ويشير التقرير إلى أن نسبة الجرائم المكتشفة خلال العام 2023 بلغت 95.24%.

القضاة : الجريمة أصبحت ظاهرة

من جانبه، أكد اللواء المتقاعد د. عمار القضاة، الخبير الأمني والقانوني، أن التقرير الإحصائي الجنائي السنوي الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية يعكس مستوى الوضع الجرمي بصورة نسبية، لا سيما أن عدد الجرائم الواردة في التقرير لا يشمل جرائم المخدرات، والتي بلغت 23 ألف جريمة لعام 2023، بزيادة نسبتها 25% في عدد جرائم المخدرات، وزيادة 32% في قضايا الاتجار بالمواد المخدرة، و68% في نسبة التعاطي.

وأشار القضاة إلى أن التقرير المذكور لا يشمل الجرائم الإلكترونية، والتي أحيل منها 13,404 قضايا العام الماضي إلى القضاء، وأيضاً لا يشمل الجرائم الأسرية، التي أحيل منها أكثر من عشرة آلاف قضية إلى القضاء.

كما أن التقرير يقتصر على 26 نوعًا من الجرائم، بينما هناك أكثر من سبعين تصنيفًا جرميًا معتمدًا لأنواع الجرائم، مثل جرائم الاغتصاب، وهتك العرض، والانتحار، والغش، والجرائم الأخلاقية، والتي لا يستهان بأعدادها وخطورتها على المجتمع، ولم يتم ذكرها في التقرير.

من الواجب إعادة النظر في لغة الأرقام حول الجريمة بالأردن، لتطويرها وبيانها بدقة بما يخدم مكافحتها

وقال القضاة “من هنا، ولأن الإحصاء الجنائي يعتمد على أعداد الجرائم، إذ يحول الظاهرة الجرمية إلى أرقام فقط دون تحليل لأسبابها أو دوافعها، وبالتالي ترجمة الظاهرة الإجرامية إلى أرقام، وهو ما يُعرف بـ “التحليل الجنائي” ولإعطاء الدقة في حجم الظاهرة الجرمية في أي مجتمع، لا بد من توسيع قاعدة أنواع الجرائم التي يشملها التقرير ليعكس الحقيقة، لأن في ذلك بيانًا وتوسيعًا لعينة الدراسة، وبالتالي دقة في نتائج التقرير الإحصائي الجنائي السنوي، ودقة في معدل ارتكاب الجريمة”.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version