• دمج الوزراتين بـ “وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية”
  • تعيين 5 امناء عاميين وتقليص عدد مديريات التربية بدل 42 مديرية لتصبح 12
  • الحكومة: إنشاء نظام تعليمي متكامل يسهل الإنتقال من التعليم الأساسي إلى العالي
  • خبراء تربويون: قرار الدمج بين الوزارتين لم يجد طريقه إلى الشرح والتوضيح الكافي
  • “ذبحتونا”: تخوّف من رفع “فلكي” للرسوم الجامعية
  • أكاديميون: قرار الدمج لم ينجح منذ التسيعينات بسبب اختلاف مهام الوزارتين

نخبة بوست – وفاء صبيح

كغيره من القرارات التي قد تبدو مفاجئة ومثيرة للجدل في بادئ الأمر، يثير دمج وزارتي “التريبة التعليم” و”التعليم العالي” مجموعة متنوعة من الآراء ووجهات النظر حول فوائده وعيوبه، وهل سيكون فعّالاً في تحسين العملية التربوية بالمملكة أم لا!؟

وبحسب الكتب الرسمية الصادرة مؤخرا، وجّه رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة الحكومة إلى البدء بدمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي ومؤسسة التدريب المهني تحت مسمى “وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية”، بحيث تكون مسؤولة عن إدارة التعليم في جميع مراحله (التعليم التأسيسي، التعليم العام، التعليم والتدريب المهني والتعليم العالي)، بما يضمن مواءمة وتكاملية المدخلات والمخرجات لتلك المراحل.

هذه الخطوة تعد من أهم المخرجات لخارطة تحديث القطاع العام، وستخضع لعمليات التقييم والمراجعة والتعديل بناءً على التجارب والتغذية الراجعة، وسيتم تعيين 5 امناء عاميين وتقليص عدد مديريات التربية بدل 42 مديرية لتصبح 12 مديرية فقط .

التركيز الحالي ينصب – وفقا للكتب الرسمية الصادرة عن الحكومة – على تأسيس الأسس التنظيمية والقانونية للوزارة الجديدة، حيث تهدف الخطة إلى تعزيز استقلالية الجامعات بالتوازي مع التغييرات المرتقبة في التشريعات.

إنشاء نظام تعليمي متكامل

يهدف الدمج بحسب مصادر حكومية إلى الاستفادة القصوى من الموارد والإمكانيات التعليمية لتعزيز النمو الاقتصادي إلى جانب دمج السياسات التعليمية من خلال إنشاء نظام تعليمي متكامل يسهل الإنتقال من التعليم الأساسي إلى العالي ويحقق التوافق مع الاحتياجات الاقتصادية، ومن المتوقع أيضا أن يسهم الدمج بين الوزراتين بتحسين جودة التعليم والبحث العلمي لتلبية معايير العصر ودعم الابتكار وتطوير المناهج الدراسية لتشمل مهارات جديدة مثل التكنولوجيا والتفكير النقدي والإبداعي.

عبيدات: يجب إلغاء فكرة الدمج الكامل نظرا لتعقيداتها العديدة وغير الواقعية  

من جانبه يرى الناقد والمحلل التربوي د. ذوقان عبيدات أن قرار الدمج بين الوزارتين لم يجد طريقه إلى الشرح والتوضيح الكافي، فالدمج ليس فقط دمج بين وزارتي” التربية والتعليم”  و” التعليم العالي” بل دمج الوزارتين والتدريب المهني ودمج دور الحضانة، وقال “أتساءل بحيرة ودهشة: لماذا اُتخذ القرار بهذه الطريقة؟ ولماذا لم يتم تقديم أي تبريرات مقنعة أو نتائج متوقعة لهذه الخطوة!؟”.

وأضاف  “لا يبدو أن هناك لجاناً فنية تربوية تدخلت أو دور حضانة أشركت لتحديد ما إذا كانت الحلول يمكن أن تأتي عبر اللجوء إلى وزارة التربية والموارد البشرية، وكذلك، لم يظهر أن خبراء من وزارة التربية قد اجتمعوا للنظر في الانضمام إلى قطاع التعليم العالي، ولم يبد أن هناك مناقشات جادة بين أساتذة التعليم العالي حول كيفية تقديم حلول للتعليم الجامعي عبر الاندماج مع الحضانات، يبدو أن القرار كان إداريا أو سياسيا بحتا بعيدا عن الأسس الفنية والتخصصية التي ينبغي أن يستند إليها”.

عملية دمج الوزارتين المعنيتين بالتعليم الجامعي والتربية تواجه مجموعة من التحديات، والتي تشمل الجوانب الإدارية، الفنية، وحتى المنطقية، من أبرز هذه التحديات التباين في الفئات العمرية التي تخدمها كل وزارة؛ فالطلاب الجامعيون تحت إشراف وزارة التعليم العالي، بينما تعنى وزارة التربية بطلاب المدارس، ولكل مرحلة خصوصياتها واحتياجاتها

أما فيما يتعلق بالتحديات الإدارية، فإن كل قطاع (من الحضانة إلى التعليم الجامعي) يتبع فلسفة تعليمية خاصة، مما يجعل من الصعب على وزارة واحدة استيعاب وتوحيد هذه الفلسفات، بالإضافة إلى ذلك، يطرح دمج الوزارات تحديات تتعلق بالتنسيق الإداري، إذ يبرز سؤال: من بين الأمناء العامين الخمسة، من سيكون المنسق الرئيسي؟ ويُعتبر وجود أمين عام واحد ووزير واحد حلًا مفترضًا لهذا التحدي.

واشار عبيدات إلى أن تحقيق الفائدة المرجوة من إعادة هيكلة وزارات التعليم يتطلب التفكير بعناية في الإجراءات الضرورية، أولاً، يجب إلغاء فكرة الدمج الكامل نظرًا لتعقيداتها العديدة وغير الواقعية  وتركيز الجهود على ضمان نجاح الوزارة الجديدة عبر تعيين وزير واحد وأمين عام واحد يمتلكان القدرة على التنسيق والإدارة الفعالة بين الأقسام المختلفة.

كما ينبغي تأسيس إدارات فرعية متخصصة تعنى بالأمور الأكثر تفصيلاً وخصوصية في كل قطاع تعليمي، بما يضمن استمرارية التركيز على احتياجات كل فئة عمرية وتعليمية دون تضارب. هذه الإدارات يجب أن تتمتع بدعم واضح وقوي من الإرادة السياسية، التي تلزم بالإصلاحات الضرورية والجرأة في تعديل القوانين عند الحاجة.

دعاس: دمج وزارتي التربية والتعليم العالي تمهيدا لخصخصة الجامعات الرسمية

بدوره قال د.فاخر دعاس منسّق الحملة الوطنية من اجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” أن قرار مجلس الوزراء بدمج وزارتي التربية والتعليم العالي في وزارة واحدة هو بمثابة إلغاء لوزارة التعليم العالي.

القرار يأتي بناء على توصية من قبل لجنة تطوير القطاع العام التي لم تكن تضم في عضويتها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي أو أي أكاديمي أو تربوي أو ممثل عن وزارتي التربية والتعليم العالي، بل إن وزير التربية والتعليم العالي آنذاك لم يكن مرحبًا بهذه التوصية

واعتبر دعاس أن هذا القرار سيكرس خصخصة الجامعات الرسمية، ويرفع يد الحكومة بالكامل عن الجامعات – من جهة وقف الدعم المادي لها- وعن الطلبة عبر إلغاء صندوق دعم الطالب.

تساؤلات رهن الإجابة حول محور الدمج بين الوزارتين!؟

على صعيد متصل، أكد دعاس أن هناك العديد من التساؤلات والأمور المبهمة بخصوص دمج الوزراتين، ووفقًا للقرار فقد تم إلغاء وزارة التعليم العالي والاستعاضة عنها بالأمانة العامة للتعليم العالي، وتتولى مهام تطوير السياسات والمؤشرات المتخصصة بمرحلة التعليم العالي ومراقبة وتحسين الأداء لهذه المرحلة إضافة إلى الإشراف على تنفيذ خطط وبرامج تطوير التعليم العالي وإدارة الموارد البشرية والمالية المتاحة، بما ينعكس على مخرجات هذه المرحلة. ( لا يوجد ذكر لدور وزارة التعليم العالي في ما يتعلق بصندوق دعم الطالب (المادة 4/ل) من قانون التعليم العالي: تقديم المنح والقروض للطلبة في الجامعات الرسمية).

تم إلغاء مجلس التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي وإنشاء مجلس التعليم العالي وتطوير المهارات، بحيث يتضمن التعليم العالي والمهني، والتقني التطبيقي، وتمثيل للمجالس القطاعية)، ولم يتم ذكر صلاحيات هذا المجلس أو مرجعيته، وما إذا سيبقى تابعًا للأمانة العام للتعليم العالي الجديدة أم سيتحول إلى هيئة مستقلة؟!

واشار دعاس إلى أنه تم دمج هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي مع هيئة تنمية وتطوير المهارات الفنية والتقنية لتصبحا هيئة واحدة تحت مسمى هيئة الاعتماد وضمان الجودة)، ونقل مهام وحدة جودة التعليم والمساءلة في وزارة التربية والتعليم الحالية إلى الهيئة الجديدة، إضافة مهام جودة التعليم والمساءلة لمرحلة التعليم التأسيسي إلى مهام الهيئة الجديدة.

“ذبحتونا”: القرار يتطلب تعديلات كبيرة في التشريعات الناظمة

أولى تبعات هذا المشروع وفقا للحملة الوطنية ” ذبحتونا” هي قيام الجامعات الرسمية برفع رسومها بحرية مطلقة، مما سيؤدي إلى رفع الرسوم الجامعية لطلبة التنافس بنسب قد تصل إلى 150%.

وأشارت “ذبحتونا” إلى أن القرار يتطلب تعديلات كبيرة في التشريعات الناظمة من قوانين وأنظمة وتعليمات، حيث سيتم إلغاء قانوني التعليم العالي والجامعات وكافة الأنظمة والتعليمات المنبثقة عنهما، كما يبدو أننا سنشهد إلغاءً لنظام صندوق دعم الطالب تمهيدًا لرفع يد الحكومة عنه، وترك الطلبة أسرى البنوك التجارية وشركات التمويل.

حذرت حملة ذبحتونا من خطورة تحويل مؤسسات وهيئات وزارتي التربية والتعليم والتعليم  العالي إلى هيئات مستقلة ما يؤدي إلى تفريغ الوزارتين من دورهما، ويرفع من عدد الهيئات الحكومية المستقلة والتي أصبحت مدخلًا للواسطة والمحسوبية دون إنتاجية حقيقية

حجازي: قرار الدمج لم ينجح منذ التسيعينات بسبب اختلاف مهام الوزارتين

على صعيد متصل، قال الخبير الإداري والأكاديمي د. هيثم حجازي” أن موضوع الدمج والإلغاء موضوع قديم متجدد، وقد كانت هناك أكثر من محاولة لدمج الوزارتين مرات عديدة منذ التسعينات، لكن هذا الأمر لم ينجح لسبب بسيط وهو ان مجال عمل كل وزارة من هاتين الوزارتين مختلف عن الآخر”.

واضاف يدور الحديث اليوم عن الغاء وزارة التعليم العالي واستحداث وزارة للتربية والموارد البشرية، وعلى الرغم من تكرار الحديث عن مسببات هذا الاجراء، فإن الضبابية ما تزال تلف هذا الأمر، وليس واضحا على وجه الدقة الهدف الذي يتم السعي إلى تحقيقه من خلال عملية الإلغاء، وإن كان الحديث يدور عن الرغبة في وضع إطار عام موحد للتعليم بمختلف مراحله لتلبية احتياجات سوق العمل.

ولفت حجازي إلى وجود فروقات بين مهام وزارات التربية والتعليم وبين مهام وزارات الموارد البشرية، فالأخيرة تعمل على إجراء دراسات ميدانية وإدارية مستمرة لسوق العمل، وتقديم الاستشارات والتوجيه المهني للموارد البشرية العاملة، وإجراء المتابعة والتقييم لقضايا التشغيل في القطاع الخاص، ودعم المشروعات الريادية الصغيرة، وإعداد برامج لتدريب وتأهيل المواطنين الباحثين عن عمل.

وبالتالي فإن هذه المهام لا تقع ضمن اختصاصات وزارة التربية، خاصة في ظل وجود المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، وكذلك هيئة الخدمة العامة التي تعنى بالموارد البشرية في القطاع الحكومي.

وقال حجازي يجب الانتباه الى حقيقة أن المهام التي تقع على عاتق وزارة التربية كثيرة ومعقدة، وبالتالي لا حاجة لإرهاقها بالمزيد من المهام والواجبات حتى تتمكن من القيام بواجباتها الأساسية على أكمل وجه، وبهدف تطوير وتنمية الموارد البشرية يمكن تعزيز المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية وتطوير مهامه ليقوم بهذا العمل عوضا عن وزارة التربية، أو نقل مهامه الى وزارة العمل، ناهيك عن الكلف الإضافية المترتبة على إضافة مهام الموارد البشرية الى وزارة التربية، وفي مقدمة ذلك وجود خمسة أمناء عامين للوزارة.

اما وزارة التعليم العالي فيمكن الغاؤها والاكتفاء بمجلس التعليم العالي لرسم السياسات، علاوة على تفعيل وتعزيز هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، وقيامها بالمهام الروتينية التي تقوم بها الوزارة حاليا.

الخلاصة: إجراءات واقعية لمواجهة التحديات

يتطلب تقييم فعاليّة دمج وزراتي “التريبة والتعليم” و “التعليم العالي” نظرة متعمّقة لأسبابه وتوقعاته، بالإضافة إلى تحليل دقيق لكيفية تأثيره على مختلف جوانب النظام التعليمي بالمملكة.

التحديات المتوقعة لقرار الدمج تبدأ من مقاومة التغيير والتي تكمن بالتحديات الثقافية والمؤسسية في تقبل النظام التعليمي الجديد، تحديات التنفيذ عبر التأكد من التنفيذ الفعال للسياسات والبرامج الجديدة،علاوة عن ضرورة توافق الأهداف الاقتصادية والتعليمية من خلال التأكد من أن الإصلاحات التعليمية تتوافق مع الأهداف الاقتصادية الأوسع

أما فيما يتعلق بالإجراءات التي يجب اتخاذها لتحقيق الفائدة المرجوة من هذا القرار، فيجب تشكيل لجان متخصصة من خبراء في التعليم والاقتصاد لإدارة عملية الدمج والإصلاح، واستشارة المعنيين عبر إجراء جلسات استشارية مع المعلمين، الأساتذة، الطلاب، وأرباب العمل لجمع الآراء والمقترحات، فضلا عن عقد برامج تدريبية للمعلمين وتطوير برامج التدريب.

أخيرا، لابد من الاستعانة بالعبقرية والابتكار في صياغة رؤية شاملة ومستقبلية للوزارة الجديدة، وهذا يتطلب القدرة على تخيل وتنفيذ إستراتيجيات غير تقليدية تلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية للتعليم في المملكة.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version