نخبة بوسترولا أبو رمان

يعتبر قطاع المياه في الأردن من المحاور الأساسية التي تحظى باهتمام خاص لدى جلالة الملك وذلك لما يشكله من أهمية حيوية تخدم جميع القطاعات الحيوية الأخرى.

ومن هذا المنطلق، اقترحت رؤية التحديث الاقتصادي عدة مبادرات متعلقة بقطاع المياه، مثل تقليل نسبة الفاقد، وتشكيل مجلس ترابط (بين الوزارات، المياه والزراعة والطاقة والبيئة)، ورفع كفاءة استخدام المياه وتحقيق الاستدامة الذاتية والمالية إضافة إلى تطوير المراقبة والتحكم في إدارة العرض والطلب على المياه وإطلاق مشاريع وطنية لتكون إحدى ركائز الأمن المائي.

“ميريديام سويز” الشركة المنفذة لمشروع الناقل الوطني

وفي هذا الصدد، جرت مفاوضات مكثّفة بين الحكومة مع الشركة الوحيدة التي تقدمت بعرض لتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه ومرت عملية المفاوضات بمراحل عديدة، وعليه أعلن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أمس أن لَّجنة الشراء الخاصة بالمشروع اختارت المناقِص “ميريديام سويز” كمناقص مفضَّل؛ بعد أن حقَّق العرض المحدَّث متطلَّبات التَّأهيل الفنِّي والمالي واجتاز الحدّ الأدنى للعلامة الفنيَّة المطلوبة من الشُّروط المرجعيَّة وستباشر اللجنة باستكمال إجراءات الشِّراء والدُّخول في المفاوضات المباشرة مع المناقص تنفيذاً لهذا المشروع الحيوي والمهمّ.

تحديات قطاع المياه في الأردن .. والزراعة المستهلك الأكبر

تشير الإحصاءات إلى أن قطاع الزراعة يستهلك 50.17% من موارد المياه المتوفرة بالمملكة، بينما يُستهلك 45.8% منها للأغراض المنزلية.

تلعب العوامل الداخلية والخارجية دورًا رئيسيًا في تأجيج تحديات قطاع المياه في الأردن والحد من وفرة المياه العذبة نتيجة الطلب المتزايد عليها، ويُعتبر النمو السكاني أحد العوامل الداخلية التي تشكل معضلة شائكة أمام قطاع المياه في المملكة

وحول العوامل الخارجية، تساهم العوامل السياسية في زيادة التحديات المائية، فمع اندلاع الربيع العربي واستقبال الأردن للاجئين السوريين، زاد الطلب على المياه، إذ أصبح المواطن الأردني يتقاسم حصته بالماء مع اللاجئ السوري.

كما شكلت التلميحات الأخيرة من قبل الجانب الإسرائيلي بعدم تمديد اتفاقية المياه الإسرائيلية للأردن على إثر التوترات المتزايدة جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، تحديًا مائيًا جديدًا للأردن.

من هنا ظهرت الحاجة إلى إقامة مشاريع وطنية بعيدًا عن سياسة الإخضاع، واستخدام البعض أزمة المياه كورقة رابحة في وجه الأردن.

على الرغم من تزايد المطالب لإقامة مشاريع مائية وطنية تقلل من الاعتماد على التعاملات الخارجية، إلا أنها ما تزال عرضة للانتقادات، حيث يُربطها البعض بالقضايا الإقليمية ويعدها جزءًا من محاولات إخضاع الأردن

مشاريع وطنية بعيدًا عن سياسة الإخضاع

يشكل مشروع الناقل الوطني أولوية وطنية في ظل التوترات في المنطقة، وهو مشروع مائي وطني سيعمل على تحلية ونقل 300 مليون متر مكعب سنويًا من مياه البحر الأحمر في العقبة وإيصالها إلى عمان وباقي مناطق المملكة عبر خط ناقل بطول 450 كيلومترًا، وستستخدم هذه المياه في مجالات الشرب والزراعة والصناعة وغيرها، وسيقلل المشروع من اعتماد الأردن على المصادر الخارجية في تأمين مياهه.

ما أن أعلنت الحكومة عن المشروع، حتى أثيرت حوله العديد من التساؤلات حول كلفته وموعد دخوله حيز التنفيذ، بالإضافة إلى انعكاسه على فاتورة المواطن

وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الأعيان  د. عاكف الزعبي إن مشروع الناقل الوطني في نهاياته، إذ دخل مرحلة التفاوض على تحديد سعر المتر المكعب الواحد مع الشركة المنفذة للمشروع “ميريديام سويز”، حيث قدمت الشركة العرض الفني وتم دراسته من قبل اللجنة من ناحية فنية والتفاوض على العرض المالي.

وأكد الزعبي على حاجة المشروع لخمس سنوات ليدخل حيز التنفيذ.

وأوضح الزعبي أن التكلفة الأولية للمشروع تتراوح بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار، مع إمكانية زيادة التكلفة بناءً على نتيجة المفاوضات بين الأردن والشركة المنفذة للمشروع، وبالاعتماد على الأسعار العالمية.

وبشأن المخاوف من تأثير الحرب على غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر على مشروع التحلية، قال الزعبي إن الصراعات الدائرة لن تؤثر على استمرارية المشروع بشكل مباشر، إنما التخوف من توسع وتفاقم الصراعات إقليميًا مما يدفع بالشركة المنفذة إلى الانسحاب أو زيادة التكاليف على الحكومة.

وبحسب وزارة المياه والري، كانت قد تقدمت 5 شركات للمشروع، إلا أن 4 منها أعلنت انسحابها، إذ تسلمت الوزارة عرضًا فنيًا واحدًا من قبل شركة “ميريديام سويز”.

وأشار الزعبي إلى أن الشركة فرنسية الجنسية ولديها الخبرات والإمكانات اللازمة التي تؤهلها لتنفيذ المشروع، مؤكداً على أن مشروع التحلية مشروع أردني بالكامل، داعيًا إلى عدم الانجرار وراء الشائعات التي أثيرت حول جنسية الشركة للتأثير على نجاح المشروع، لافتًا إلى عدم الخلط بين مشروع الناقل الوطني واتفاقية الماء مقابل الكهرباء مع إسرائيل “إعلان النوايا”.

وحول تأثير الفاتورة على المستهلك، أوضح الزعبي أن الكلفة ستزداد على الطاقة أيضًا، كون عمليات الضخ والنقل من العقبة لعمان ستتم من خلال الطاقة الكهربائية.

الاتفاقية الأردنية – الإسرائيلية “الماء مقابل الكهرباء”

وضمن إطار المشاريع المائية، تقوم الاتفاقية على بناء الأردن محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لتزويد إسرائيل باحتياجاتها من الكهرباء، وفي المقابل، ستعمل إسرائيل على تحلية مياه البحر وضخها للأردن.

وبناءً على هذا الاتفاق، ستحصل الأردن على 200 مليون متر مكعب من الماء، في حين ستحصل إسرائيل على 600 ميغاواط سنويًا من الكهرباء.

وكان من المرجح التوقيع على الاتفاقية منذ العام الماضي، إلا أن العدوان على غزة حال دون ذلك، إذ أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي عن تجميد القرار آنذاك.

في هذا السياق، نوه الزعبي بأنه من أنصار الاتفاق الإسرائيلي – الأردني، مبررًا رأيه بأن الأردن بحاجة إلى هذا المشروع بشكل أكبر من إسرائيل، لا سيما أن الأردن يعاني من شح وعجز مائي كبير، وأي مشروع سيحد من تفاقم الأزمة المائية سيكون مجديًا ويعود بالفائدة على الأردن في المقام الأول، بصرف النظر عن مصدر الماء.

وفي هذا الصدد، أكد الزعبي عند مقارنة الكلفة المترتبة على الأردن من المشروعين، أن المشروع الأردني الإسرائيلي أقل تكلفة من مشروع الناقل الوطني.

وحول المخاوف من أن يشكل المشروع الإسرائيلي ورقة ضغط على الأردن في عدة قضايا، وفي مقدمتها الحرب على غزة، أكد الزعبي على إمكانية قيام الأردن بإيقاف الكهرباء عن إسرائيل إذا قطعت الأخيرة الماء واستخدمت الاتفاقية كسلاح بوجه الأردن.

وأشار الزعبي إلى أن الأردن كان له سابقة تاريخية في التعامل مع إسرائيل في صفقة الغاز، حيث كان يُباع بنفس السعر العالمي، ويوفر على الأردن مليار ونصف دينار أردني.

وحول الخلط بين مشروع الناقل الوطني والاتفاقية الأردنية – الإسرائيلية، أوضح الزعبي أن المشروعين مختلفان، وأن الأردن بحاجة لهما بالإضافة إلى مشاريع أخرى تسد النقص المائي في المملكة وتوازي الطلب المتزايد على قطاع الماء.

وقال الزعبي إن على أصحاب القرار اليوم في الأردن المضي قدماً في مشروعي “التحلية” و”الماء مقابل الكهرباء”، إضافةً إلى البدء في عمليات حفر الآبار العميقة “المياه الجوفية”، ووصف الوضع المائي في الأردن بـ”الحرج”، مضيفًا بأن حصة الأردن من مياه حوض الديسي لا تكفي لمتطلبات الشرب وحدها، إذ يحصل على 20% فقط من مياه الحوض، حتى أن الآبار الموجودة والمستخدمة غير متجددة.

حدادين: الأردن تحت مرمى التهديد المائي

من جانبه، قال وزير المياه السابق د. منذر حدادين إنه ليس من أنصار مشروع الناقل الوطني للمياه، مبررًا ذلك بأن المشروع “غير وطني” بسبب الكلفة العالية لاستهلاك المياه، إذ تبلغ الكلفة الرأسمالية للمشروع 3 مليارات دولار لتزويد 300 مليون متر مكعب سنويًا.

وأشار حدادين في تحليله إلى أن كلفة المتر الواحد من الجنوب إلى عمان ستصل إلى 10 دولارات، إذ ستكون كلفته السنوية بحدود 1 دولار، يضاف إليها 2 دولار كلفة تشغيلية (تحلية ونقل) لتصبح الكلفة للمتر الواحد 3 دولارات، وبعد التوزيع، تختفي 48% من المياه، مما يجعل الكلفة عند العداد بعد التوزيع تصل إلى 6 دولارات، يضاف إليها 50% للصرف الصحي، لتصل كلفة المتر المكعب الواحد في النهاية إلى 9 دولارات.

وأضاف حدادين أن المستهلك يستطيع دفع 2% من دخله للمياه والصرف الصحي. إذا كان دخل الفرد على سبيل المثال 4000 دولار، ستكون قدرته على الدفع 80 دولارًا في السنة، في حين استهلاكه السنوي يبلغ 80 متر مكعب، عندئذ سيترتب عليه دفع 720 دولارًا (9 دولارات للمتر).

الخزينة العامة للدولة، التي تعاني من عجز سنوي، ستدفع الفرق، أي 640 دولارًا عن كل فرد في السنة، وفي المقابل ستكون السياسة البديلة للحكومة رفع الفاتورة على المواطنين، مما سيزيد التجاوزات والسرقات على الماء ويضر بدخل الفرد

وحول الشركة المنفذة لمشروع التحلية، لفت حدادين إلى أنه إذا كانت الشركة أمريكية الجنسية، سيتم تسييسها لإبطال المشروع وإجبار الأردن على توقيع اتفاقية الماء مع الاحتلال.

وأكد حدادين أن المشروع مع إسرائيل مرفوض تمامًا؛ لأن إسرائيل ستستعمل المشروع كورقة ضغط على الأردن، خصوصًا في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وعندئذ سيصبح الأردن رهينة بيد الاحتلال، وأوضح أنه سيدعم مشروع الناقل الوطني في حالة تحمل المستهلك كلفة الفاتورة كاملة دون زيادة دعم الخزينة.

الأردن بحاجة لمشروع يغذي احتياجاته المائية دون زيادة دعم الخزينة بحيث يكون بمقدور المستهلك دفع كلفة الاستهلاك كاملة

وأشار إلى وجود بدائل وردت في خطة الحكومة، وهي حفر الآبار لاستخراج المياه الجوفية، مضيفا بأنه عندما كان رئيس مجلس إدارة شركة مناجم الفوسفات الأردنية وممثلاً للحكومة عام 2013، تم استخراج مياه عذبة جوفية في منطقة الشيدية لصالح شركة الفوسفات، وذلك بحفر 6 آبار من طبقة الصخر الرملي، لافتا إلى وجود مياه مشابهة بالمواصفات في جنوب الأزرق، لكن لا يوجد في الخدمة العامة من هم مؤهلون لهذا الأداء، والموجودون لا يسمعون أو ليس لديهم الجرأة على رفع الصوت.

من الجدير بالذكر وجود ثلاث طبقات رئيسية للمياه الجوفية وعلى أعماق مختلفة: الضحلة والوسطى والعميقة، كلما زاد العمق زادت نسبة المياه فيها، وبالتالي تزداد تكلفة الحفر والاستخراج، إذ أن الطبقة الضحلة مستنزفة تمامًا.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version