سياقات ودلالات اغتيال شُكر وهنية من منظور إسرائيلي

** قراءة مركزة حول سياقات العمليتين؛ وفقا لحسابات نتنياهو وشركائه في الحكومة الاسرائيلية

نخبة بوستعمر الرداد ( خبير استراتيجي)

رغم الأسرار الكثيرة التي تحيط بعمليتي الاغتيال اللتين نفذتهما إسرائيل باستهداف قائد أركان حزب الله ورئيس حركة حماس في بيروت وطهران، الإ أن العمليتين وفقا لحسابات رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو” جاءتا بتوقيت وسياقات ترجمت إستراتيجياته، فالاغتيالات جاءت بعد دعم أمريكي من الحزبين”الديمقراطي والجمهوري” تمت ترجمته خلال خطابه بالكونغرس، ويرجح ان تطيح بـ مفاوضات صفقة تبادل الاسرى، وتعطل امكانية التوصل لاتفاق نووي بين أمريكا وايران، بعد انتخاب رئيس إصلاحي في ايران، وبالتالي استمرار الحرب، لحين اجراء الانتخابات الامريكية، واحتمالات فوز حليفه”ترامب”.

بالتزامن مع اهداف اسرائيلية باستعادة الردع الاستراتيجي واثبات قدرتها على الوصول لخصومها اينما كانوا، استعاد نتنياهو شعبيته لدى الراي العام الاسرائيلي، وهو ما يرجح ان يدفعه لتنفيذ اغتيالات جديدة، خاصة اذا كانت حدود الرد الايراني الموعود دون المتوقع

مقدمة

تتعدد اتجاهات التحليل للعمليتين اللتين نفذتهما إسرائيل باغتيال فؤاد شكر” الرجل الثاني في حزب الله والموصوف بأنه رئيس أركان قوات الحزب” في بيروت، وإسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس” في طهران، خلال اقل من “24” ساعة، ذلك ان العمليتين تطرحان سيلا من الاسئلة المفتوحة بلا اجابات، عن حدود اسباب اختيار الأهداف في الاغتيال بالنسبة لاسرائيل والتوقيت، وكيفية التنفيذ وحجم وما يتردد حول اختراقات استخبارية اسرائيلية لمحور المقاومة، في أهم عواصمه”بيروت وطهران” لا سيما في ظل روايات ايرانية متعددة وربما متضاربة، كشفت عن ارتباكات طهران، حيث اصبحت الصحافة الاجنبية هي مصدر المعلومات حول كيفية الاغتيال، خاصة بالنسبة لهنية.

وتنسدل من هذه الاسئلة اسئلة اخرى حول حدود وحجم الرد الايراني، الذي اكد عليه المرشد الاعلى وزعيم الله، وانعكاس هاتين العمليتين على مفاوضات صفقة تبادل الرهائن ووقف الحرب في غزة، وفيما يلي قراءة مركزة حول سياقات العمليتين، وفقا لحسابات نتنياهو وشركائه في الحكومة الاسرائيلية:

اولا: استثمار الدعم الامريكي

تم تنفيذ العمليتين بعد عودة نتنياهو من واشنطن، لا بل انه قطع زيارته وعاد مسرعا ليعقد اجتماعا طارئا للمجلس الوزاري المصغر، على خلفية سقوط صاروخ في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، ومقتل “12” شخصا إثر ذلك، واتهام حزب الله بالمسؤولية عن العملية، ويرجح ان نتنياهو وبعد خطابه في الكونغرس الامريكي وشعوره بالانتصار والتاكيد من قبل الحزبين”الجمهوري والديمقراطي”، على مواصلة العلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل، ودعمها سياسيا وعسكريا، بالتزامن مع ضغوطات مشتركة مورست عليه من الحزبين لانهاء الحرب، اراد عبر هذه الاغتيالات إبقاء الأبواب مشرعة أمام استمرار الحرب” على الاقل لحين اجراء الانتخابات الامريكية” ورهاناته على نجاح ترامب، وهو ما يعني وضع ترامب بموقف لا يستطيع معه الا دعم اسرائيل بمواصلة الحرب وبصورة اشد، خلافا للضوابط التي يحاول بايدن لجم اندفاعات نتياهو بها، وإعادة طرح صفقة القرن بمقاربات اكثر إجحافا بحق الفلسطينيين.

تراجع بايدن عن الترشح واستمراره برئاسة امريكا، أرسل رسالة لنتنياهو بضعف الإدارة الحالية الغارقة في ملفات الانتخابات الرئاسية، وغير القادرة على توجيه انتقادات لنتنياهو، او معارضة سياساته

ثانيا: إفشال مفاوضات صفقة تبادل الرهائن وإنهاء الحرب

فقد جاءت العمليتان بعد مؤتمر روما الذي عقد بين الوسطاء، وقد اصبح واضحا ان نتنياهو وحلفاءه في اليمين الاسرائيلي لا يريدون التوصل لصفقة، وهم غير معنيين بالإفراج عن الرهائن الا بحدود خطابات إعلامية لتهدئة اهالي الاسرى، وقد اعلن ذلك “سموريتش وبن غفير” عن ذلك أكثر من مرة، حيث تم تعطيل الصفقات، بما فيها مبادرة الرئيس بايدن، التي اثارت جدلا واسعا في اسرائيل، وفي كل مرة يتم تحميل حماس مسؤولية التشدد، في ظل خلافات حول وقف إطلاق النار، والانسحاب من غزة، وتفاصيل عمليات تبادل الاسرى، ورغم اعلانات امريكية حول استمرار مفاوضات الصفقة، إلا ان المرجح بعد اغتيال هنية، ان لا تكون حماس بموقف يمكنها من مواصلة حوارات الصفقة، التي تحولت الى اجتماعات، يستفيد منها نتنياهو بتمديد الحرب لأطول فترة ممكنة.

ثالثا: تغيير قيادات حماس

يراهن نتنياهو وحكومته بالإضافة لأوساط امنية وعسكرية اسرائيلية، على ان التوسع في اغتيال القيادات السياسية والعسكرية لحماس، سيساهم باعادة تشكيل حركة حماس، بإبعاد العناصر المتشددة في الحركة، وتحويل حماس الى حركة منهكة بقيادات تقبل ما يعرض عليها لاحقا، بالاضافة لان اغتيال شخصية بوزن هنية بما يمثله كونه المسؤول الاول في حماس، يعني ان كل قيادات الصف الأول بحماس ستكون على قوائم الاغتيال، لكن هنية من الشخصيات المحسوبة على تيار الاعتدال في الحركة، وهو شخصية سياسية وليس عسكرية، إلا أنه من وجهة نظر اسرائيلية اكثر ارتباطا بايران، وهو العامل المشترك بينه وبين العديد من قيادات حماس، وعلى راسهم صالح العاروري، مسؤول حماس بالضفة الغربية، الذي تمت تصفيته في بيروت، بعملية أحاطت بها شكوك كثيرة، حول تأمين حماية مناسبة له في الضاحية الجنوبية، يضاف الى ذلك ان نتنياهو أراد التغطية على الفشل بالوصول الى الرجل الاول بحماس في غزة”يحيى السنوار”.

الرهان الاسرائيلي” الاغتيال” يبدو موضع شكوك عميقة بقدرته على تحقيق هذا الهدف، حيث يشير تاريخ الاغتيالات الاسرائيلية لقادة المقاومة، ان القيادات الجديدة التي تولت قيادة العمل السياسي والعسكري بعد اغتيال قيادات سابقة، كانت اكثر تشددا وخبرة في ممارسة العمل السياسي والعسكري

رابعا: استعادة الردع الإسرائيلي

ما زالت اسرائيل تحت تأثير صدمة السابع من اكتوبر، وما اعقبها من ارتباك ولد رغبات عميقة بالانتقام، تمت ترجمتها في قطاع غزة بارتكاب مجازر أكدت ان الحرب تتجاوز هدف القضاء على حماس، وأكدت عمليات الاغتيال في بيروت وطهران مضافا اليها الضربة التي توجيهها الى الحوثيين في اليمن هذا الهدف الاسرائيلي، بتوجيه ضربات لأهداف بعيدة تؤكد قدراتها في الاقليم، وهو ما تم تاكيده من قبل المستويين السياسي والعسكري الاسرائيلين بعد هذه العمليات، بأن يد اسرائيل طويلة، وقادرة امنيا وعسكريا على الوصول لاعدائها حيثما كانوا، وبالتزامن فان الاغتيالات التي نفذت بموافقة نتنياهو ، واستهدفت شخصيات معروفة لغالبية الرأي العام الاسرائيلي اعادت شعبيته لدى الشارع الاسرائيلي،وهو ما اكدته استطلاعات جديدة، تعطي مؤشرات حول خسارات متتالية للمعارضة الاسرائيلية، بما في ذلك رهانات هذه المعارضة على قضية المطالبة بالافراج عن الاسرى اولا.

خامسا: عرقلة اي تقارب امريكي مع ايران

بالرغم من إشادته بالدعم الامريكي لاسرائيل من قبل الحزبين “الجمهوري والديمقراطي” في خطابه الذي ألقاه بالكونغرس الامريكي، الا ان نتنياهو لا يخفي عميق خلافاته مع الادارة الديمقراطية، وتحالفه مع ترامب، وعمليات الاغتيال بعد عودته من زيارته لواشنطن، لا تصب بمصلحة الإدارة الديمقراطية، التي وجدت نفسها بعد الاغتيالات مضطرة للدفاع عن نفسها، بتأكيد أنها لم تكن مطلعة على مخططات اسرائيل الخاصة باغتيال شكر وهنية، وفي الوقت نفسه أعلنت وقوفها الى جانب اسرائيل والتزامها بدعمها عسكريا امام اية تهديدات، ولا شك ان الاغتيال سيقطع الطريق على اية توجهات للرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد “بزكشيان”، وهو ما يصب لصالح ترامب، ليس بحملته الانتخابية فقط، بل وفي حال نجاحه، إذ أصبح مرجحا ان الاشهر القادمة، وفي ظل تصعيد متبادل ان احتمالات استئناف مفاوضات الصفقة النووية مع ايران،او الصفقة بين اسرائيل وحماس لا يتوقع ان تشهدا أي تقدم، بل لا يستبعد ان تزداد الامور تعقيدا اكثر في حال اقدمت الحكومة الاسرائيلية على تنفيذ عمليات اغتيال جديدة، او بالغت في الرد على الرد الايراني المتوقع.

خاتمة

بالرغم من ان الانظار تتركز على الرد الإيراني المتوقع على اغتيال اسماعيل هنية في طهران، الا ان انه وبمعزل عن حدود ومستوى وفاعلية هذا الرد، فإن ردود نتنياهو عليه ستكون أكثر تصعيدا في المدى المنظور، لأن كل تصعيد في الإقليم يخدم استراتيجياته بإطالة أمد الحرب في عزة، وإفشال التوصل الى صفقة مع حماس او بين الإدارة الامريكية وإيران في الملف النووي، ويدرك نتنياهو ضعف الادارة الامريكية، وانشغالها في الانتخابات، وهو ما يعمل جاهدا على استثماره، بما يحقق أهدافه وحليفه الرئيس ترامب.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version