الغرايبة يكتب: جبهة العمل الإسلامي وانتخابات 2024؛ جولة في عقل “الأخوان” الباطن

* مقاربات حزب جبهة العمل الإسلامي في مؤتمره الصحفي لإعلان قائمة مرشحيه؛ تكشف إشكالية مفهوم “الدولة” لدى الحزب وعلاقتها بالدين وعلاقة المواطنين بالدولة والدين

* تكشف منظومة واسعة أن الإخوان المسلمين لا يريدون أن يتغيروا فكريا وأيديولوجيا ولا أن يتكيفوا حتى ظاهريا مع منظومة الدولة الحديثة

* ما زال الإخوان المسلمون (الجماعة والحزب) يصرّون على تأكيد الخلل والتناقض في تصورات المواطنة والعمل السياسي والقوانين المنظمة، بل إنهم يخشون أن يفهم غير ذلك

* ما زالت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن؛ وربما في جميع بلاد العرب والمسلمين، تتصور وجودها وشرعيتها من السماء وليس من الأرض

* هذا الخطاب ينشئ عداء للدولة والمجتمع والآخرين؛ وجميع من ليسوا من الإخوان المسلمين، حتى المؤيدين والناخبين وشعورا بالتميز والاستعلاء والصواب المطلق

نخبة بوست – إبراهيم الغرايبة

أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي في مؤتمر صحفي قائمة مرشحيه على المستوى الوطني والمحافظات. وقدم الحزب، على لسان أمينه العام المهندس وائل السقا والمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس مراد العضايلة، مجموعة من المقاربات والملاحظات حول الحياة السياسية والعملية الانتخابية تستحق التوقف، وتؤكد أيضا أن إشكالية التحرير الفلسفي والقانوني لمفهوم “الدولة” وعملها ودورها وعلاقتها بالدين وعلاقة المواطنين بالدولة والدين في المجال العمومي، وانعكاس هذه الإشكالية على “الحركة الإسلامية” بما هي عمليا جماعة الإخوان المسلمين والحزب المنبثق عنها “حزب جبهة العمل الإسلامي”، ما زالت تراوح في مكانها منذ 1989 عندما استؤنفت الانتخابات النيابية وطُورت الحياة السياسية باتجاه التعددية ومزيد من الحريات.

ولا أريد أن أحمل “الإخوان المسلمين” وحدهم مسؤولية هذا الخلل في تصور المسألة وتحريرها، لكنهم (الإخوان المسلمون) يتحملون وحدهم مسؤولية الانفصال في المشاعر والمعتقدات والأفكار والانتماء والمشاركة عن الواقع المتشكل في الأردن بخاصة، وإلى حد كبير في عالم العرب، انفصالا عميقا وبعيدا في التصورات والسلوك. وأبعد من ذلك وأخطر “العقل الباطن” الذي تؤشر إليه منظومة واسعة وصريحة من الأفكار والأقوال والأحوال والمشاعر، والتي تؤكد أن الإخوان المسلمين لا يريدون أن يتغيروا فكريا وأيديولوجيا، ولا أن يتكيفوا حتى ظاهريا مع منظومة الدولة الحديثة بما هي مجموع المؤسسات والتقاليد والأنظمة والتشريعات التي تعبر عن حالها بـ “المجال العمومي” والقيم والأخلاق العمومية المنظمة والمؤطرة للعمل السياسي والاجتماعي والمدني والمجتمعات والطبقات والمصالح والأفراد.

ما زال الإخوان المسلمون (الجماعة والحزب) يصرون على تأكيد الخلل والتناقض في تصورات المواطنة والعمل السياسي والقوانين المنظمة، بل إنهم يخشون في (عقلهم الباطن) أن يفهم غير ذلك.

كيف (وليس لماذا) يكون المؤتمر بمشاركة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين طالما أن المشاركة النيابية ينظمها ويقوم بها حزب جبهة العمل الإسلامي أو على الأقل باسمه؟

كيف (وليس لماذا) يصر الإخوان المسلمون على التأكيد المتكرر بلسان الحال والمقال أن الحزب واجهة للجماعة تابع لها أو منبثق عنها؟

ليس هذا التصور في الحقيقة هو المشكلة الأساسية، لكنها مشكلة منبثقة من مشكلة كبرى وأساسية في تصور الدولة وسيادتها على المواطنين وسيادة القانون. وأكبر من ذلك وأخطر، التصور الأساسي الذي لم يكيفه بعد الإخوان المسلمون (وكثير من المسلمين) في تصور سيادة الدولة وسيادة الله أو الدين على الدولة والأرض والناس.

إن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، على الأقل وربما في جميع بلاد العرب والمسلمين، ما زالت تتصور وجودها وشرعيتها من السماء وليس من الأرض؛ بما هي الدولة والسلطات والتشريعات، وترى كل ما ينبثق عن هذا التصور الديني دينا. هكذا، فقضايا المواطنة والمشاركة والانتخابات حتى وإن قدمت في خطاب معتدل أو مقبول أو متكيف أو متحور أو “تقية” تظل دينا نزل من السماء؛ يستوي في ذلك الإيمان بالله وانتخاب النواب واحتساب ضربة الجزاء في مباراة كرة القدم، ويتساوى في هذا الشعور والسلوك والتفكير الواقعيون “المسمون زورا معتدلون” والمتشددون. ما من فرق سوى “التدرج”.

هذا الخطاب (الخطاب بمعنى المعالجة المنهجية للنصّ) ينشئ عداء للدولة والمجتمع والآخرين؛ بمن هم جميع الناس الذين ليسوا من الإخوان المسلمين، حتى المؤيدين والناخبين. ويخلق شعورا بالتميز والاستعلاء والصواب المطلق غير القابل للمراجعة أو المساس أو النقد، وينشئ أيضا عزلة واقعية وليس فقط شعورية عن الواقع والناس، وتصورا يعتقد بحضور الدين في كل شأن أو موقف أو خطوة ووجود نص ديني أو فهم للنص يرقى إلى مستوى قداسة النص وتأثيره بل يزيد عليه في غالب الأحيان ينظم أو يبرر أو يوجه كل خطوة أو موقف أو حركة. ولا شأن في ذلك للقوانين والتشريعات والمؤسسات والسلطات والنظام السياسي الجامع لكل هذه الدوائر والمنظومات.

يتساوى في ذلك كل المؤمنين بـ “سيادة الله” على الأرض أو كما يقول سيد قطب حرفيا “مملكة الله في الأرض” وتمثيلها واقعيا من خلالهم، سواء قدموا خطابا معتدلا مقبولا أو متشددا وعدائيا، لا فرق سوى أن الأولين يؤجلون قطع أيدينا وأرجلنا من خلاف وصلبنا في جذوع النخل والآخرين لا يؤجلون، أو أن الأولين يؤجلون أمر الله بمحاربة كل من لا يشهد أن لا إله إلا الله (يعني كل من ليس مسلما أو يهوديا!) والآخرين لا يؤجلونه

وللأمانة والتذكير والذكرى، فإن علماء المسلمين (الرسميين) الـ 126 من أنحاء العالم الإسلامي الذين بعثوا رسالة إلى الدكتور إبراهيم عواد البدري الملقب أبو بكر البغدادي (هكذا سمي حرفيا في عنوان الرسالة) احتجوا على البغدادي في نقد القتل والقتال بالحديث النبوي “أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ” مُتفقٌ عليه. اختار العلماء الأجلاء أن يتوقفوا عند شهادة أن لا إله إلا الله، ولم يكملوا الحديث. ليقولوا إنه لا حق للبغدادي أن يقتل المسلمين، ولا بد أنهم شعروا بالحرج في مسألة قتل المسيحيين واليزيديين. ربما المسيحيين فقط، فاليزيديون لم يتعاطف معهم أحد دينيا؛ سواء من الإخوان المسلمين أو العلماء الآخرين، وأما الإخوان الشيعيون فليس أحب عليهم من قتل اليزيديين سوى قتل يزيد نفسه!.

ما علينا، القصة أن هذه المرجعية الدينية المتمأسسة والراسخة لدى الإخوان المسلمين؛ المعتدلين أو غير المعتدلين، أو الوطنيين تقية أو نفاقا يذكر بقوله تعالى “وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنما نحن مستهزؤون” أو الذين يحبون الوطن سرا لكن تغلبهم المحبة أو تعذبهم، كما أحب الأحوص الأنصاري “بيت عاتكة” ويقال إنه شعر تقية زرادشتية وأن بيت عاتكة ليس سوى النار المجوسية. الوطن هو بيت عاتكة لدى ثلة من الإخوان المحبين لوطنهم والمغلوبين على أمرهم:

يا بَيتَ عاتِكَةَ الَّذي أَتعزَّلُ
حَذَرَ العِدى وَبِهِ الفُؤادِ مُؤَكَّلُ
أَصبَحتُ أَمنَحُكَ الصُدودَ وَإِنَّني
قَسَماً إِلَيكَ مَعَ الصُدودِ لأَميَلُ
فَصَددتُ عَنكَ وَما صَدَدتُ لِبغضَةٍ
أَخشَى مَقالَةَ كاشِحٍ لا يَعقِلُ
وَلَئِن صَددتُ لأَنتَ لَولا رِقبَتي
أَهوى مِن اللائِي أَزورُ وَأَدخُلُ

وللحديث بقية؛


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version