الصفدي في طهران .. بين قراءتين

نخبة بوست – د. محمد أبو رمان ( معهد السياسة والمجتمع)

يلتقي وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الأحد 4 أغسطس/آب 2024، الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، لنقل رسالة من الملك عبدالله الثاني إليه، ولقاء مع القائم بأعمال وزير الخارجية علي باقري كني، في زيارة مهمة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في قلب العاصمة طهران، خلال الاحتفال بتنصيب الرئيس الإيراني.
الرواية الإيرانية سابقت إلى إعلان الزيارة، حتى قبل أن يتم الإفصاح عنها رسميًّا من الجانب الأردني، منذ الصباح الباكر، وأكثر من ذلك صبغة الخبر المسرب بطريقة تأخذ دلالات الزيارة وأهدافها إلى مكانٍ محدد، وكأنّ أيمن الصفدي ذاهب إلى طهران لإقناع طهران بعدم الرد، أو التوسط بينهم وبين الأميركيين والإسرائيليين، وبالتالي كان نص الخبر المسرّب بأنّ طهران سترسل رسالتين عبر الصفدي إلى أميركا وإسرائيل من جهة وإلى القيادة الأردنية من جهةٍ أخرى.

التسريبات نفسها أشارت إلى أنّ الرسالة للطرفين الأميركي والإسرائيلي تتمثل بأنّ الرد والانتقام قادم لا محالة، ولا مكان للوساطات أو التراجع، لكن الرسالة إلى الجانب الأردني بقيت غير معلنة، وعلى الأغلب فإنّها تتعلّق بموقف الأردن وموقعه الجغرافي وسط هذه التطورات والتوترات القادمة، التي ستعرّض الأمن الوطني الأردني للخطر والتهديد، في حال كانت هنالك مواجهات صاروخية بين الطرفين!

التطورات القادمة سيكون ما حدث في إبريل/نيسان الماضي بمثابة تجربة “بروفه” صغيرة بالألعاب النارية لما يتوقع أن يحدث هذه المرة، وفقاً لما نسمعه ونقرأه من تهديدات ووعيد جدي وكبير من القيادة الإيرانية، وقدّم الأردن روايته في السبب بإسقاط المسيّرات الإيرانية، كما صرّح وزير الخارجية، أيمن الصفدي، حينها بصورة واضحة بأنّ سماء الأردن ليست مباحة لأي طرف من الأطراف، وبالتالي فإنّ ما وقع على المسيرات الإيراني ينطبق على أيّ محاولة إسرائيلية للمسّ بسيادة الأردن.

هنا بيت القصيد، رسالة الصفدي ليست للوساطة بين أميركا وإسرائيل وإيران، وهذا الدور لم يقم به الأردن سابقاً، وليس الآن، والأطراف التي تؤدي هذا الدور معروفة، وليس الأمر سرياً، إذ نشرت وسائل إعلامية خبراً بأنّ الإدارة الأميركية طلبت من قطر القيام بإقناع طهران بعدم الرد على العملية

إذاً الرواية الحقيقية لزيارة الصفدي لطهران أنّها تأتي نتيجة إدراك مطبخ القرار بعمان أنّ الوقت قصير، واحتمالات الرد الإيراني خلال أيام قليلة هو السيناريو الراجح، وكي لا تبقى “النوايا المتبادلة” رهينة بالتأويل والتفسير والأطراف الأخرى، فقد ذهب الصفدي على جناح السرعة إلى طهران ليختبر النوايا الإيرانية فيما إذا كان هنالك تفكيراً بهجوم يمرّ عبر الأجواء الأردنية، مما يعني أنّ الأمن الوطني الأردني أصبح ضمن دائرة التوترات والمواجهات الإقليمية، وليوصل رسالتين رئيسيتين (في ظني)؛ الرسالة الأولى تتمثّل بأنّ الأردن ليس طرفاً في الصراع مع إيران، بل إنّه طرف في المواجهة الديبلوماسية ضد حكومة بنيامين نتيناهو، وبالتالي ما يتم تسريبه أو ترويجه من قبل حلفاء وأصدقاء لحلف الممانعة فيما يتعلق بالموقف الأردني فهو مبني على قراءة خاطئة ومختزلة وغير صحيحة لحقيقة الموقف الأردني والحسابات الأردنية، ولا توجد دولة أخذت موقفاً سياسياً وديبلوماسياً في العالم أقوى من موقف الأردن في دعم الفلسطينيين وضد العدوان الإسرائيلي على غزة.

أما الرسالة الثانية، فتتمثل في أنّ الأردن لا يقبل أن يكون مسرحاً لعمليات متبادلة، من هذا الطرف أو ذاك، وأنّ لديه السيادة الكاملة على أرضه، وموقفه واضح، لن يقبل بأي صواريخ تعبر فوق أجوائه من طهران أو العراق أو سوريا أو إسرائيل أو حتى من قبل الجيش الأميركي موجهة نحو طهران، هذا هو جوهر الموقف الأردني، كي لا يكون هنالك من يسيء التقدير أو التفسير لأيّ عمل تقوم به القوات الأردنية.

داخلياً، هنالك بالضرورة حالة من التوتر في المشهد الداخلي، والشارع مع غزة ومع الأشقاء الفلسطينيين، والمسيرات والاحتجاجات على اغتيال هنية كانت بمثابة طوفان بشري، والأردن من الدول التي سارعت إلى إدانة عملية اغتيال هنية، وشارك السفير الأردني في مراسم الدفن في قطر، والدولة حريصة على أن تكون البوصلة الوطنية للأمن الوطني والديبلوماسية والمصالح الاستراتيجية هي باتجاه المواجهة السياسية مع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، ومن هنا فالخشية مما قد تؤدي إليه عملية إطلاق صواريخ فوق الأردن من استدخال الأردن في مسارات وتجاذبات يحاول ان ينأى عنها.

ليس سرّاً أنّ هنالك قلقاً أردنياً من انفجار الصراع الإقليمي على خلفية التطورات الراهنة، والأردن الذي حمى الاستقلال والأمن الوطني وتجاوز منعرجات خطيرة يدرك تماماً أنّه يقع في وسط محيط مضطرب على وشك الإنفجار، وزيارة الصفدي مهمة وضرورية لبناء فهم واضح ومتبادل لموقف الأردن والعلاقة مع طهران..


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version