نخبة بوست – وفاء صبيح – أماني الخماش
تُعَدّ أموال الضمان الاجتماعي في أي دولة من الركائز الأساسية التي تُؤمّن للعاملين والمواطنين حمايةً اجتماعيةً واقتصاديةً في مراحل حياتهم المختلفة.
وفي الأردن، تُثار بين الحين والآخر تساؤلات ومخاوف حول سلامة واستدامة أموال الضمان الاجتماعي، مما يثير اهتماماً كبيراً بين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.. فهل أموال الضمان الاجتماعي الأردني بأمان !؟
هذه القضية تتطلب نظرة معمقة وتحليل شامل للسياسات والإجراءات التي تتبعها مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردني، بالإضافة إلى تقييم الشفافية والكفاءة في إدارة هذه الأموال، كما تتزايد أهمية هذا الموضوع في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، وتأثيرها المحتمل على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين والمستفيدين.
كناكرية: أموال الضمان تخضع لرقابة حثيثة وتتبع سياسات حصيفة
ضمن هذا التقرير سنتناول العناصر الأساسية التي تؤثر على أمان أموال الضمان الاجتماعي الأردني، بما في ذلك السياسات الاستثمارية، والرقابة الحكومية، والشفافية المالية، بالإضافة إلى آراء الخبراء التي قد تسهم في تقديم صورة واضحة عن الوضع الحالي والمستقبلي لهذه الأموال.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي د. عز الدين كناكرية أن أموال الضمان الاجتماعي بأمان، وهذا نتيجة الالتزام بإدارة احترافية شفافة تتبع سياسات حصيفة وتعمل على تطبيق الممارسات الفضلى في الحوكمة المؤسسية، مما يضمن أمان الأموال ونموها المستدام، ويسهم في تحقيق عوائد استثمارية ممتازة ويعزز من توسيع نطاق الاستثمارات في مختلف القطاعات والمناطق.
وعن درجة الرقابة التي تخضع لها أموال الصندوق، بين كناكرية أن جميع أعمال الصندوق واستثماراته تخضع إلى رقابة حثيثة وعلى عدة مستويات، ابتداءً من رقابة مجلس استثمار أموال الضمان ومجلس إدارة المؤسسة واللجان المنبثقة عنهما، مرورا برقابة ديوان المحاسبة والمدقق الخارجي، ثم رفع الصندوق تقارير ربع سنوية لمجلس إدارة المؤسسة الذي يقوم بدوره برفعها لمجلس الامة ومجلس الوزراء، وانتهاء بنشر الصندوق نتائج أدائه المالي ومستجدات سير مشاريعه وخططه المستقبلية.
وعن القطاعات التي استثمر بها الصندوق أمواله، أشار كناكرية إلى أن الصندوق استثمر أمواله في قطاعات مختلفة في المحافظات، من ضمنها: الاستثمار في 13 بنك تجاري إسلامي بنسب حيازة مختلفة، بالإضافة إلى الاستثمار في كبرى شركات التعدين، وشركات توليد وتوزيع الكهرباء ومشاريع الطاقة الشمسية، وكذلك عمل على الاستثمار في القطاع السياحي من خلال ملكية عدد من الفنادق التي تدار من قبل مشغل عالمي، بالإضافة إلى عدد من الفنادق والاستراحات السياحية.
وأوضح كناكرية أن الصندوق يقوم بشركات استراتيجية طويلة الأجل مع القطاع الخاص من عرب وأجانب لتعزيز قيمة محفظته الاستثمارية التي تشكل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد أسهم ذلك في تطوير بيئة الأعمال في المملكة من خلال إيجاد نماذج ناجحة للشراكة، وذات أثر ملموس على الاقتصاد والمجتمع.
الصبيحي: استقلالية الضمان بشقيه التأميني والاستثماري لم تكتمل بعد..
وفي هذا الصدد، بيَّن خبير التأمينات الحقوقي موسى الصبيحي أن التحديات التي تواجه مؤسسة الضمان الاجتماعي باتت كبيرة، لاسيما وأن الحكومة أصبحت تلجأ بشكل كبير إلى الاقتراض من أموال المؤسسة، سواء عن طريق السندات أو من خلال القروض المباشرة لمؤسساتها الحكومية.
وفيما يتعلق بمدى استقلالية الضمان عن الحكومة، أوضح الصبيحي أن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تتمتع وفقًا للقانون باستقلال مالي وإداري، وتباعًا لذلك فهي ليست مؤسسة حكومية، وبالرغم من منح القانون المؤسسة خاصية استقلالية أموالها عن أموال الحكومة، وحال دون دخولها في الموازنة العامة للدولة، إلا أن خلفية المشهد أظهرت أن استقلالية الضمان بشقيه التأميني والاستثماري لم تكتمل بعد.
وأشار الصبيحي إلى سياسة الحكومة القائمة على استحواذ النسب الأكبر من المحفظة الكلية لصندوق الاستثمار، والتي تزداد قيمتها كلما زادت المحفظة الكلية للضمان، ومن هذا المنطلق، يجب وضع خطة عاجلة للعودة إلى محفظة سندات لا تزيد نسبتها عن 25% من موجودات الضمان، بحيث يتم تخفيضها خلال مدة لا تتجاوز 10 سنوات.
الحوارات: الأمور تسير بشكل جيد ولا يوجد دلائل على المخاطرة
من جانبه، بيَّن المحلل والكاتب السياسي د. منذر الحوارات أن الأمور تسير بشكل جيد ولا يوجد دلائل على المخاطرة، إلا أن الحكومة تلجأ للاقتراض من صندوق الضمان بطريقة مبالغ بها وبشكل كبير، مما أدى إلى تراكم الديون على الحكومة، وبالرغم من تبعات ذلك، لا يزال الضمان يفضل ذهاب أمواله إلى الملاذ الآمن وهو إقراض الحكومة.
وأوضح الحوارات أن اتباع هذه الآلية من قبل الحكومة سيؤدي إلى تداعيات سلبية عديدة، من ضمنها تعطل جزء كبير من المال في خزائن الحكومة وفق احتياجاتها، مما سينعكس سلبًا على الأسواق الأردنية التي تعتبر هذه الأموال مصدرًا استثماريًا تتغذى به هذه القطاعات، بالإضافة إلى أنه سيلقي بظلاله على خفض نسب فرص العمل وسيحد من الإسهام في تطوير القطاعات، مضيفا ” لا بد من الإشارة إلى أن المسؤول عن الوصول إلى هذا المشهد هما الجهتان: الحكومة ومؤسسة الضمان الاجتماعي”.
وفيما يتعلق بمصير الأموال التي اقترضتها الحكومة من الضمان، بيَّن الحوارات أن الأموال مرصدة لدى الحكومة وبالتالي لا بد من تحصيلها، مشيرا إلى أن الاستدانة هنا “مأمونة”، لكن لا بد من الإشارة إلى أن الاعتراض يأتي ضمن إطار وجوب استثمار هذه الأموال في قطاعات تتمكن من الإسهام في زيادة الجدوى للحكومة والضمان، والذي يحول دون استثمار الضمان في تلك القطاعات هو خوف المؤسسة من تداعيات الإقراض التي قد تراها تنطوي على نسبة مخاطرة عالية.
ولفت الحوارات إلى أن الضمان له واجهة استثمارية كبيرة وفعالة ويستطيع أن يضع أمواله بطريقة محكمة في استثمارات عديدة، ولكن يتجه بشكل دائم إلى الاستثمار الآمن وبفائدة منضبطة، والخشية هنا أن تتعثر الحكومة عن السداد، مما سيؤدي إلى حدوث الكثير من العراقيل والمشاكل.
زوانة: الحكومة تتعامل بمبدأ “تلبيس الطواقي”
من جهته، بيَّن الخبير الاقتصادي زيان زوانة أنه ليس غريبًا أن يستثمر صندوق الضمان أمواله في إقراض الحكومة، سواء عن طريق السندات أو الأذونات، فحاله كحال الكثير من صناديق الاستثمار في العالم، لكن هذا الاستثمار يصبح مستهجنًا وخطرًا في ضوء المعطيات التالية: أولًا، عندما تكون الحكومة هي صاحبة القرار في مؤسسة الضمان، ومما يؤكد ذلك أن التعيينات الرئيسية في الصندوق تصدر بقرار حكومي. ثانيًا، أن مستويات الدين العام الحكومي وصلت إلى المستوى المرفوض عالميًا وذلك لارتفاع مخاطره.
وبيَّن زوانة أن هذا الواقع يزيد من حدة المخاطر على أموال صندوق الضمان وعلى الحكومة بشكل موازٍ، وعندها تصبح مقولة ضمان الحكومة القانوني لأموال الضمان مجرد سفسطة إنشائية، لافتا إلى إمكانية أن تفتح الحكومة باب استثمارها المشترك مع صندوق الضمان والقطاع الخاص في المشاريع الضخمة الاستراتيجية مثل: تحلية المياه، وتوسعة المصفاة، والطاقة المتجددة المتطورة، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعي النقل المتطور والتكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها في الزراعة، وذلك تطبيقًا لمبدأ “رابح – رابح” حيث يكون الجميع هنا مستفيدًا من العائد الاقتصادي والمالي الذي تدره هذه المشاريع.
أبو نجمة: الحكومة تسدد شكليًا التزاماتها بيد وتفترض بمبالغ أكبر باليد الاخرى
وفي ذات السياق، أوضح رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة أن السبب الرئيسي الذي يدفع الحكومة للاقتراض من صندوق الضمان هو الضغط المالي الذي تواجهه نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي وتراجع الإيرادات، لافتا إلى أن الحكومة تعتبر أن صندوق الضمان الاجتماعي يمثل مصدرًا سهلًا للاقتراض، خاصة في ظل وجود آليات قانونية تسمح بذلك، ولوجود تمثيل قوي لها في مجلس إدارة الضمان ومجلس الاستثمار.
وعن أثر هذا الاقتراض على أموال الضمان الاجتماعي، بيَّن أبو نجمة أن استثمار أموال الضمان في السندات الحكومية عادة ما يعطي عوائد أقل مقارنة باستثمارات أخرى ذات مخاطرة أعلى، إلا أنه ينطوي على مآلات سلبية، فقد يؤدي هذا الاقتراض إلى تقويض الاستدامة المالية للنظام التأميني للضمان الاجتماعي على المدى الطويل.
وأضاف أبو نجمة “أكدت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في أكثر من مناسبة أن الحكومة ملتزمة بالسداد، إلا أن الالتزام بالسداد مع زيادة مضطردة في الاقتراض في الأشهر القليلة الماضية وخلال العام الماضي ليس مؤشرًا مطمئنًا، فهو يعني أنها تسدد شكليًا التزاماتها بيد وتفترض بمبالغ أكبر باليد الأخرى”.
وفيما يتعلق بالآلية الصحيحة التي يجب اتباعها تفاديًا لأي حالة تعثر مستقبلية، بين أبو نجمة أنه يجب على الحكومة أن تكون أكثر شفافية بشأن أسباب وأهداف الاقتراض من صندوق الضمان الاجتماعي، وأن تحدد السياسة التي تستخدم من خلالها هذه الأموال، كما يجب على صندوق الضمان أن يعمل على تنويع استثماراته لتقليل المخاطر وتحقيق عوائد أعلى، وأن يتوقف عن التوسع المبالغ فيه في إقراض الحكومة بنسب تتجاوز متطلبات الأمان لمدخرات المشتركين والاستدامة المالية لأنظمة الضمان.
ونوَّه أبو نجمة إلى أنه يجب على الحكومة وضع خطة واضحة ومعلنة لسداد القروض المستحقة، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك حاجة ماسة لمراجعة التشريعات الناظمة لصندوق الضمان الاجتماعي واستثماراته لضمان استقلالية المؤسسة بعيدًا عن التأثير الحكومي في قراراتها، وأن تحظى شؤون الضمان وسياساته وبرامجه بحوار مجتمعي واسع بمشاركة الخبراء والمختصين، للتوصل إلى حلول مستدامة.