نخبة بوست – د. محمد قشقوش ( المركز المصري للدراسات)

تعالت نغمة ووتيرة التصعيد العسكري المتبادل بين كل من إسرائيل وإيران، لتأخذ منحى تصاعديًا جديدًا، خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، وهو في قلب طهران العاصمة. جاء ذلك بعد حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد الذي قُتل سلفه بسقوط مروحيته الفرنسية الصنع في حادث ما زال يثير العديد من علامات الاستفهام. يوحي ذلك بمزيد من التصعيد في مجال الاغتيالات السياسية والعسكرية للقيادات الإيرانية داخل إيران ذاتها وقيادات وكلائها في أراضيهم وفي إيران أيضًا، دون أن تتعامل إيران مع إسرائيل بالمثل.

يعتبر هذا التصعيد حلقة من حلقات الصراع بين إسرائيل من جهة، ومعها حليفتها المقربة وهي الولايات المتحدة وبعض دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، خاصة بريطانيا، وبين إيران من جهة أخرى، ومعها وكلاؤها في الإقليم، وهم حزب الله في لبنان وسوريا، والحوثيون في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحماس والجهاد في غزة

وبالنظر إلى طرفي الصراع والتصعيد في ميزان القوى الكمي والنوعي، نجد أن الجانب الإيراني يمتلك قوة بشرية عسكرية وصاروخية أكبر، لكنها أقل تطورًا تكنولوجيًا، خاصة في التخفي ودقة إصابة الأهداف وكذلك في المجال الاستخباراتي الذي انكشف باغتيال هنية وفؤاد شكر نائب قائد حزب الله، ومن قبلهما رجل إيران القوي قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لحظة خروجه من مطار بغداد بطائرة مسيرة أقلعت من قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، بينما كان مركز قيادة العملية في كولورادو بالولايات المتحدة.

تمتلك إسرائيل قوة بشرية عسكرية أقل، معظمها من قوات الاحتياط، إلا أنها تمتلك تكنولوجيا متقدمة في مجالات التسلح والحرب الإلكترونية السيبرانية والاستخباراتية، مع تنسيق وثيق مع الحليف الأمريكي الذي يمتلك جيشًا متفوقًا عددًا وعدة في جميع المجالات على المستوى العالمي، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات، حيث يمتلك سبعة أساطيل تجوب بحار ومحيطات العالم، ومنها الأسطول السادس في البحر المتوسط على مقربة من سواحل إسرائيل، والخامس في الخليج العربي والبحر الأحمر على مقربة من جنوب إسرائيل. وتشمل الأساطيل الأمريكية 19 حاملة طائرات عادية ومروحية، بينما لا تتجاوز أية دولة أخرى عدد أصابع اليد الواحدة من حاملات الطائرات.

نقول ذلك لتوضيح حجم الدعم الضخم الذي تحوزه إسرائيل عسكريًا بالتوازي مع الدعم السياسي والاقتصادي المباشر والمطلق، ولمحاولة استشراف الموقف المستقبلي الإستراتيجي لتصاعد الصراع ، يمكن قراءة السيناريوهات الأكثر احتمالًا للطرفين المتصارعين، سواء لإيران أو إسرائيل وحلفائهما، كالآتي:

أولًا: إيران، وقد بدأنا بها لأن رد الفعل الانتقامي يُفترض أن يأتي من جانبها، سواء بشكل مباشر أو بالاشتراك مع وكلائها، أو بالوكلاء فقط وهو الأقل احتمالًا. تركز إيران على أن الاغتيال تم من داخل أراضيها ومن عاصمتها، بل ومن داخل دار ضيافة الحرس الثوري الذي يمثل قدس أقداسها، خاصة في مجالات الاستخبارات والتأمين الخاصة بالشخصيات المهمة، مما يثقل كاهل الجانب الإيراني بضرورة القيام بعمل عسكري انتقامي مهما تكن شدته أو ضعفه، على الأقل لحفظ ماء الوجه.

واضعين في الاعتبار ما قامت به إيران بعد الغارة الإسرائيلية ومقتل عدد من الحرس الثوري داخل القنصلية الإيرانية في سوريا في شهر أبريل الماضي، حيث جاء الرد الإيراني بهجوم قوامه قرابة 500 صاروخ وطائرة مسيرة فيما يشبه (محاكاة) القتال وليس القتال الفعلي، الذي أسفر عن إصابة طفلة قرب قاعدة في صحراء النقب، بينما جاء الرد والهجوم الإسرائيلي جوًا داخل إيران عبر سوريا بعد تدمير وتعمية راداراتها على مسار الهجوم. وقد أُبلغت الولايات المتحدة بنتائجه.

وكلاء إيران: ينتظر استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية بعيدة المدى، مع إمكانية سقوط صواريخ الحوثيين في البحر الأحمر.

أما حزب الله اللبناني، ذو الحدود المشتركة مع إسرائيل، فسوف يخضع لحسابات أخرى، خاصة بعد الحشد والتهديد الإسرائيلي السياسي والعسكري.

ثانيًا: إسرائيل، ينتظر أن تقوم بالاعتراض الصاروخي المضاد الشامل بالتعاون المباشر مع الولايات المتحدة كما تم في الهجوم السابق. مع عدم استبعاد هجوم وقائي تسبق به إيران، بالتنسيق المسبق مع الحليف الأمريكي بحرًا وجوًا.

نخلص إلى أن الرد العسكري الإيراني يكاد يكون حتميًا لحفظ ماء الوجه، وأن إسرائيل جاهزة لاعتراض الهجوم مع عدم استبعاد المبادرة بالتنسيق مع الولايات المتحدة. كما أن هذا السجال المتكرر بين إيران وإسرائيل يضر بحلحلة المأساة الغزاوية ويدفع إسرائيل إلى التمهل في التباحث في أزمات وقف إطلاق النار ومشكلة الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين. كما ينذر بتوسع دائرة الصراع إقليميًا، ليكون الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version