نخبة بوست – هزاع البراري ( أمين عام وزراة الثقافة الأسبق)

الحزب في جذوره وأساسته الأولى هو منظومة ثقافية / فكرية، تنتظم تحت مظلتها مجموعة أفراد / جماعات، فتكون هذه البنية الثقافية الفكرية هي الجامع الحقيقي الذي تأتلف حوله هذه المجموعة، وبالتالي تكون هي الأرضية الصلبة والأساس المتين لأي حزب، لذا فإن هذه العوامل هي ذاته مصادر برامج وتوجهات الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتكون نتاج رؤية فكرية راسخة وبنية ثقافية جامعة، وحامية في الوقت نفسه من أي انزياح خارج – في فترة ما – خارج هذه الأطر التي تحمي توجهات الحزب ومساره السياسي وسط متغيرات سريعة الوتيرة، ومربكة أحيانا لأي بنية سياسية لا تمتلك بوصلة شديدة الحساسية وعالية المصداقية.

لذا فمن المفترض أن تسبق كل هذه الركائز والأساسات مرحلة نضج، تتحول فيها هذه الأطر والقواعد إلى مؤسسة ذات بنية تشريعية وإدارية وتنظيمية تسمى بالحزب

هزاع البراري ( أمين عام وزراة الثقافة الأسبق)


هل تسلك الأحزاب الحالية هذا المسلك أو ما يشبهه عند التأسيس؟ هل تأتي الحاجة إلى تأسيس أي حزب نتيجة اكتمال عناصر فكرية وثقافية ما؟، وتكون هذه العناصر في قناعة المؤمنين بها باعتبارها تسهم في تقديم حلول سياسية واقتصادية، وبناء مجتمع الانتاج والمعرفة، من خلال تحويل هذا الفكر وهذه البنية الثقافية إلى حالة برامجية ذات بعد تطبيقي واقعي، بمعنى أن تكون هذه البرامج قابلة أن تتحول إلى خطط استراتيجية وأخرى تنفيذية متوسطة وطويلة المدى، في إطار مستقبلي يسعى إلى الوصل إلى حكومات برلمانية برامجية للأحزاب فيها اليد الطولى، وبالتالي فإن تقريب هذا المستقبل أو دفعه بعيدا، يقع في الأساس على مدى قناعة الناخب بهذه البرامج الحزبية، فيذهب إلى صندوق الانتخاب ليصوت للبرنامج وليس لاعتبارات أخرى.


الملموس لدى عدد لا بأس به من الأحزاب، أنه ينظر إلى الثقافة بأعتبارها أدبا وفنا، وأنه من واجب الحزب بدرجات قناعة متفاوتة، تنشيط الحركة الأدبية والفنية باعتبارها هي الثقافة المستدفة فقط، وعلى أهمية توفير الدعم والبيئة المناسبة والتوسع في البنية التحية للانتاج الفني والأدبي، كونه ضرورة حضارية لأي مجتمع، وإدارك دورها في إحداث نقلة نوعية تجابه منافذ التطرف والعنف في أي مجتمع، وضرورة تفعيل دور صناع الأدب والفنون في التنوير والمساهمة في قيادة التغيير المجتمعي. إلا أنها – الأحزاب – غالبا ما تهمل ثقافة المجتمع، أي الركائز الثقافية المتجذرة التي تصنع الذهنية العامة، والتي تصبغ السلوك الجمعي وتميز مجتمع عن مجتمع آخر، فمازال رأس المال الاجتماعي غير مستثمر، وأحيانا يستثمر بطريق عكسية، تؤثر سلبنا في مسيرة الدولة إلى الأمام، نتيجة عوامل كثيرة ومتشعبة، وتحتاج إلى كتابة موسعة.


ثقافة المجتمع الياباني مغايرة تماما لثقافة مجمتع في وسط أفريقيا أو في دولة اسكندافية أو مجتمع في أدغال الأمازون، هي الثقافة التي حدد علاقة وطريقة تعاطي الفرد / المجتمع مع الانتاج والدافعية والانتماء، والقدرة أو عدمها في التأقلم وهضم المتغيرات والمعطيات الجديدة، إننا للأسف لا نتوجه إلى هذا النبى الثقافية التي تحكم المجمتع بأي حراك برامجي حقيقي طويل المدى، وهذا يؤشر أن فكرة تأسيس الحزب هي فكرة تسبق بروز حالة ثقافية / فكرية جامعة لعدد من الأفرد، فتكون الرغبة في تأسيس الحزب هي الملحة والطاغية.

وبالتالي تظهر الفردية أو شبه الفردية في هذه الحالة، ويأتي والحالة هذه التأطير الفكري الثقافي متأخرا، ويصبح بمثابة مكملات تأسيسة أو تجميلية، تركب لاحقا، وهذا من شأنه أن يضعف الشعور بالانتماء الحزبي الحقيقي بعيدا عن المنفعة قصيرة المدى والصالح الذاتية، ويصيب قدرة الحزب على إحداث تأثير إيجابي في المجتمع في مقتل


هل مشكلتنا في التحديث العام لمسارات الدولة ثقافية أم تشريعية؟ من الملاحظ عند الرغبة الحقيقية في إحداث نقلة نوعية في الحالة السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية، الذهاب مباشرة إلى تطوير النظم والتشريعات، وتقديم قوانين وأنظمة محدّثة ومتطورة وتلبي معظم حاجات شرائح المجتمع، لكن السؤال هنا هل تطوير التشريعات والقوانين الجديدة وحدها كافية لتحقيق النقلة النوعية المفترضة؟ أليست الممارسة المجتمعية لأي قانون سواء كان متطورا ومرنا أو قانونا قديما هي الفيصل في نتائج هذا القانون؟


أن ممارسة المجتمع – أي مجتمع – لأي قانون وبحسب بنية هذا المجتمع الثقافية قادرة على رفع سوية نتائج قانون ضعيف، وفي الوقت نفسه ثقافة المجتمع قد تضعف نتائج قانون جيد ومرن عند الممارسة الفعلية، إذن إغفال المسألة الثقافية التي تحكم المجتمع عند تأسيس أي حزب أو تطوير أي مسار من مسارات الدولة من شأنه أن يبطل أو يؤخر مفعول هذه الجهود الكبيرة، ما لم نبدأ دائما من ثقافة وفكر المجتمع، مع التأكيد أن جهود التوعية والتثقيف ليست ما نعنيه هنا بل المسألة مختلفة تماما.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version