مشروع العطارات .. خسارة مؤقتة أم استراتيجية احتياطية !؟

نخبة بوسترولا أبو رمان

صدر مؤخرا حكم قضائي بالقضية التحكيمية “الشائكة” بين شركة الكهرباء الوطنية والحكومة الأردنية ضد شركة العطارات للطاقة، والذي جاء فيه ردّ القضية التي رفعتها الحكومة على شركة العطارات بشأن “الغبن الفاحش”.

قرار هيئة التحكيم في قضية العطارات يمثل حدثاً قانونياً واقتصادياً هاماً على المستوى الوطني، فقد كانت هذه القضية محط اهتمام كبير نظراً لتأثيرها المباشر على قطاع الطاقة والاقتصاد الوطني.

كما تضمن القرار مواقف قانونية محورية ونتائج قد تترتب عليها تغييرات في السياسات والإجراءات المتعلقة بالتعاقدات الدولية، خاصة في مشاريع البنية التحتية الكبرى.

في هذا السياق، تأتي أهمية تحليل هذا القرار لفهم تداعياته على الشركات المحلية والدولية، وكذلك على صعيد العلاقات الاقتصادية والقانونية بين الأطراف المعنية.

بداية القصة ..

بدأت القصة منذ عام 2014، عندما أقدمت حكومة د. عبدالله النسور آنذاك، على طرح عطاءات للاستفادة من ثروة الصخر الزيتي التي تمتلكها الأردن، والتي تشكل رابع أكبر احتياطي في العالم.

يشكل الصخر الزيتي رابع أكبر احتياطي في العالم وعليه، تم إبرام اتفاقية مع شركة العطارات التي تتشكل من ائتلاف ثلاث شركات (صينية، أستونية، ماليزية)

وبموجب هذا الاتفاق، تقوم الشركة الائتلاف ببيع الكهرباء التي ولَّدتها من الصخر الزيتي الأردني الموجود في منطقة القطرانة إلى الحكومة الأردنية.

 وتتتضمن هذه العملية ثلاث مراحل أساسية: الأولى حرق الصخر الزيتي، ثم توليد الكهرباء، وأخيرًا توزيع الكهرباء المحولة إلى شركة الكهرباء.

كما صُرح تلك الفترة، أن المشروع سيكلف الأردن ما يقرب من 2.1 مليار دولار، على أن يؤمن للمملكة 15% من احتياجاتها السنوية من الكهرباء.

ومع اقتراب موعد بيع الشركة الكهرباء للحكومة، فتحت لجنة الطاقة النيابية ملف الطاقة ووجدت أن سعر الشراء مرتفع، وطالبت الحكومة بالتراجع عن المشروع؛ لما يتكبده الأردن من خسائر تصل إلى 200 مليون دينار سنويًا.

ناهيك عن اكتشاف أن الأردن ليس بحاجة إلى هذه الكمية من الكهرباء، لوجود مشاريع أخرى تسد حاجة الأردن بتكاليف أقل.

في عام 2020، وتحديدا في عهد حكومة عمر الرزاز، توقف المشروع عن العمل بحجة أن هناك “غبنًا في سعر بيع الكهرباء للأردن”، أي زيادة في الثمن المعتاد بالنسبة للمشتري “الحكومة الأردنية” ونقص بالنسبة للبائع “شركة العطارات”.

الحكومة تكتشف عام 2023 “غبن” شركة العطارات

منتصف عام 2023، وبعد أكثر من عام على إنتاج الشركة للكهرباء، رفعت الحكومة الأردنية قضية تحكيم على الشركة في مجلس تحكيم تابع لغرفة التجارة الدولية ومقرها باريس، بسبب اكتشافها أن المبالغ المدفوعة للشركة “المرتفعة” والتي قد تصل إلى (11.8 قرشًا) للكيلوواط، ناهيك عن أن المورد هو مورد محلي من الصخر الزيتي الأردني.

حيث اعتبرت الحكومة أن هذا المبلغ فيه “غبن”، وخاصة أن تكلفة الكيلوواط من الغاز المستورد تبلغ (6) قروش وتعرفة بيعها للمواطنين (10) قروش، بمعنى أنه لا داعي لهذه الصفقة المرتفعة التكاليف، لكن يبدو أن حكومة النسور آنذاك كانت ترى عكس ذلك، إذ قالت حينها إن السعر يتناسب مع الأسعار العالمية، وبهذا نكون قد أرهقنا أنفسنا في صفقة خاسرة لمدة 30 عامًا.

وعليه، ارتأت الحكومة التوجه للقضاء على الأساس القانوني المتمثل في اعتبار أموال شركة الكهرباء من أموال الدولة، مما يخولها الطعن في الاتفاقية، إلا أن الهيئة التحكيم استندت إلى معيار العائد على الاستثمار كأساس لتقدير الغبن؛ مما أدى إلى قرارها برد القضية، بمعنى “خسرت الحكومة الأردنية القضية”.

دية:خسارة تلو الأخرى .. وجيب المواطن هو الحل

وفي تعليقه على هذه القضية، أشار الخبير الاقتصادي منير دية إلى أن تحمل الأعباء لمدة 30 عامًا سيدفع الحكومة دون شك نحو رفع أسعار الكهرباء على المواطن وعلى القطاعات الصناعية من أجل تعويض الخسائر الغارقة بها، والتي قد تصل نحو 10 مليارات دولار إضافية.

الحكومة “ملزمة” بتسديد أتعاب شركة الاستشارات القانونية التي وكلتها بالدفاع عنها في هذه القضية

تصل قيمة الأتعاب إلى 13 مليون دولار

الحكومة ملزمة بشراء الطاقة الكهربائية التي ستولدها الشركة، والتي تصل إلى 280 مليون دولار سنويًا من الشركة ولمدة 30 عامًا

وتابع دية قوله: “إن البدائل التي كانت أمام الحكومة للحصول على الكهرباء بسعر أقل قد تصل إلى 5 قروش من الغاز المصري ومصادر الخربة السمرا، اتفاقية الغاز مع العدو الإسرائيلي، كانت “مجدية أكثر.”

حول عدم دخول الحكومة في المفاوضات مع الشركة قبل الذهاب إلى المحكمة الدولية، أشار دية إلى أن عدم الجلوس مع الشركة على طاولة المفاوضات أدى إلى حالة من الاستعصاء التفاوضي حالت دون التوصل إلى اتفاق بشأن تقليل التكلفة.

وعليه، قال دية إنه وبهذه الخسارة اتضحت أسباب التعديلات المستمرة على أسعار الكهرباء وقرار ربط فاتورة الكهرباء بالفترات الزمنية الثلاث (الذروة، والذروة الجزئية، وخارج الذروة) بحجة تنظيم وترشيد استهلاك الكهرباء.

وأضاف بأن الاستثمار في الطاقة البديلة والصخر الزيتي يشكل عبئًا إضافيًا، وبالتالي ألزمنا أنفسنا لمدة 30 عامًا؛ مما سيضعف قدرتنا في مجال الطاقة البديلة والطاقة الشمسية والرياح.

وهذا سيجعل الاستثمار في الطاقة البديلة أمرًا ثانويًا وصعبًا، وسنكون ملزمين بالتزامات مالية، ولن نستطيع المنافسة في مجال الطاقة كما تفعل دول الجوار.

ولفت دية، إلى ضرورة إلزام الحكومات القادمة عند توقيع أي اتفاقية بمرورها عبر قنوات مختصة ولجان وطنية لإبداء الرأي وأخذ مشورة المختصين والخبراء، مشددا على ضرورة محاسبة الحكومات التي توقع اتفاقيات من هذا النوع وبهذه المبالغ التي ترهق خزينة الدولة وتزيد من الأعباء الاقتصادية، لافتا إلى ضرورة إعادة دراسة كيفية إجراء تلك الاتفاقيات وعدم التسرع في اتخاذ مثل هذه القرارات.

الشوبكي: “العطارات” مشروع استراتيجي مهم لأمن الطاقة في الأردن

بدوره، يرى الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي أن “العطارات” مشروع استراتيجي وطني مهم لأمن الطاقة في الأردن في ظل الأوضاع الراهنة والتوترات الإقليمية؛ إذ توفر الشركة 15% من حاجة الأردن من الكهرباء، أي ما يقارب 4 إلى 6 ساعات، وبالتالي يتم الاعتماد عليها في حال اندلعت حرب إقليمية وأُغلِقت منافذ الاستيراد والتصدير.

الطاقة المتجددة متذبذبة ومتقطعة وغير مضمونة بشكل دائم ليتم الاعتماد عليها بشكل دائم، وعلى الحكومة استملاك المشروع كسبيل للخروج من مأزق الأسعار المرتفعة

وقال الشوبكي، إن شركة العطارات لم تتوقف عن العمل منذ إعلان التشغيل التجريبي، إذ كانت التوقفات فقط للصيانة وبدون أي إيعاز من الحكومة، والأردن ملزم بشراء كامل إنتاج هذا المشروع منذ شهر أيار من العام 2020-2021، أي منذ إعلان التشغيل التجريبي

وأضاف أن التدخلات الخارجية، لاسيما الأمريكية، أججت الأزمة وأوقعت الأردن في فخ الديون، للضغط على الأردن لاستمرار العمل باتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي، لأن إنتاج العطارات سيؤدي إلى تراجع الكميات المستوردة من الغاز الإسرائيلي بنسبة تتراوح بين 20% و25%.

ذكر أن الأردن يستورد 98% من حاجته من الغاز من إسرائيل و2% من حقل الريشة.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version