* يمثل اغتيال إسماعيل هنية منعطفاً حاسماً، إلا أنه لن يغيّر من ديناميكيات السياسة الخارجية الإيرانية والمشهد الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط
* الأردن يحتفظ بحقه في الدفاع عن سيادته الشرعية تجاه أي خرق لمجاله الجوي وسيوظف كامل قدراته وعلاقاته الدولية لمنع أي اختراق
* الرد الإيراني المرتقب سيكون مرتبطاً بعمق ومتّسقاً في جوهر المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وطموحات إيران في توسيع نفوذها على حساب العرب
* الاعتقاد بأن اغتيال إسماعيل هنية، على الأرض الإيرانية، من شأنه أن يؤدي إلى رد إيراني مزلزل تشارك به أذرعها في المنطقة؛ ليس وارداً في حسابات إيران
نخبة بوست – د. رضا البطوش
إن سيادة أي دولة تشكل العنصر الأساس في تحديد هويتها وسلامة أراضيها، وتشكل سيادة المجال الجوي جانباً لا يتجزأ من السيادة الشاملة للدولة، التي تمنحها حقوقاً حصرية في المجال الجوي فوق أراضيها، حيث يعزز ميثاق الأمم المتحدة (1945) مبادئ السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي، والتي تشمل ضمناً المجال الجوي، وكذلك الأمر اتفاقية شيكاغو (1944) والتي تشكل حجر الزاوية في قانون الطيران الدولي والمتعلقة بالملاحة الجوية وإدارة المجال الجوي وسيادة الدولة الكاملة والحصرية على المجال الجوي فوق أراضيها.
إن التباين في الاستجابات الوطنية لانتهاكات المجال الجوي يؤدي إلى الارتباك وتقويض جهود الأمن الجماعي، حيث قد تستجيب بعض الدول بالقوة، بينما تتبنى دول أخرى تدابير دبلوماسية، مما يعقد المعايير الدولية. إن قضية سيادة المجال الجوي تشكل أهمية بالغة في الحفاظ على سلامة واستقلال الدول في ظل التفاعلات الدولية المتزايدة التعقيد. وفي حين توفر الأنظمة الدولية الحالية بنية أساسية، فإن فعاليتها غالباً ما تقوضها التطورات التكنولوجية والتوترات الجيوسياسية وممارسات إنفاذها غير المتسقة. وعليه فإن تبني نظام دولي شامل يعزز المراقبة والمساءلة والسبل الدبلوماسية لحل النزاعات، يمكّن المجتمع الدولي من أن يحمي سيادة الدول بشكل أفضل فيما يتصل بانتهاكات المجال الجوي.
والأردن في ظل هذا السياق يحتفظ بحقه في الدفاع عن سيادته التي تمنحها الشرعية والمواثيق الدولية تجاه أي خرق لمجالها الجوي وستوظف كامل قدراتها وعلاقاتها الدولية لمنع ذلك، خاصة عندما يكون الرد الإيراني مرتبطاً بعمق ومتّسقاً في جوهر المشروع الإيراني في المنطقة العربية.
وحتى تتضح الصورة للتدليل على ما نقوله بأن إيران لديها مشروعها الذي لن تضحي به ثأراً لإسماعيل هنية، تغمده الله بواسع رحمته، وهو شخصية محورية في حركة المقاومة الفلسطينية، أو أي كان من رعاياها أو غير ذلك، فالرد الإيراني المرتقب سيكون مرتبطاً بعمق ومتّسقاً في جوهر المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وعلينا أن نحلل وأن نفهم جوهر هذا المشروع في المنطقة العربية وطموحات إيران في توسيع نفوذها على حساب العرب وبغض النظر عمّا يعكسه تنفيذ هذا المشروع من معاناة إنسانية يواجهها العرب وتحديداً السنة منهم.
وقد يعتقد البعض أن اغتيال إسماعيل هنية، رحمه الله، على الأرض الإيرانية وفي عاصمتها، من شأنه أن يؤدي إلى رد إيراني مزلزل على الكيان الغاصب تشارك به اذرعها في المنطقة، إلا أن هذا ليس وارداً في حسابات إيران من حيث الأهداف والوسائل والآليات كقوة إقليمية طامحة للهيمنة على المنطقة العربية، حيث تدرك تماماً ما سيترتب على ذلك من عواقب جيوسياسية عميقة في الشرق الأوسط، تؤثر بشكل خاص على سياستها الخارجية وحساباتها الاستراتيجية في الهيمنة وتوسيع نفوذها، والآثار المترتبة على أهدافها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة، ومآلات ذلك على نجاحاتها المتحققة في مشروعها للهيمنة على الإقليم، وما سيترتب على ذلك من خسارة لمشروعها بما في ذلك إمكانية استهداف مشروعها النووي جرّاء حسابات غير مدروسة في الرد المتوقع.
وعليه وفي سياق ضبط النفس الاستراتيجي فإن إيران لن ترد كما يتوقع البعض، وسيكون الرد مُتماهياً مع مشروعها ولا يعطّله، وستركز على التخطيط الإستراتيجي طويل الأجل، لتعظيم انجازاتها وتعزيز التحالفات مع الجماعات التي يمكنها تنفيذ العمليات نيابة عنها، وبالتالي الحفاظ على القدرة على الإنكار المعقول وتقليل المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وستوظف أذرعها في المنطقة وتحديداً حزب الله والحوثيين لتوسيع نطاق الإستنزاف من خلال ردود دقيقة ومحسوبة العواقب ايضاً تسمح بالمضي قدماً في استراتيجية الإستنزاف التي تنتهجها ايران وبما يعظّم إنجازاتها في تحقيق مشروعها في الإقليم وتوسيع نفوذها كقوة إقليمية في مقابل المشروع الصهيوني.
وفي نفس السياق ستعمد إيران إلى إعطاء الأولوية لتعزيز جبهتها الداخلية المخترقة وقمع الأصوات المعارضة في سبيل ترسيخ سلطتها الداخلية وزيادة الحملات الدعائية التي تؤكد على الوحدة الوطنية ضد الأعداء الخارجيين ووضع اغتيال هنية، رحمه الله، كجزء من صراع أوسع ضد الإمبريالية.
إن اغتيال إسماعيل هنية، رحمه الله يمثل منعطفاً حاسماً، إلا أنه لن يغير من ديناميكيات السياسة الخارجية الإيرانية والمشهد الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط وسيبقى ضبط النفس الاستراتيجي جزء لا يتجزأ من تعقيدات عملية صنع القرار في إيران، وارتباطاته العميقة في جوهر المشروع الإيراني في المنطقة العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا علينا أن نعمل في مواجهة المشروعين الإيراني والصهيوني، حيث يواجه الوطن الحبيب تحديات جسام تستنهض فينا الهمم لمواجهتها والحفاظ على وطننا الحبيب، لصالح إجماع وطني يلتف خلف القيادة الهاشمية التي هي صمام الأمان للوطن الحبيب، إذا أردنا له، أن يكون الصخرة التي تتحطم عليها عاديات الزمن، ومحن الأيام، وهي أهل لذلك تفتديها المهجُ والأرواح.