تربويون: تحسن نتائج التوجيهي ليس ناتجًا عن تغيرات في المنظومة التعليمية

نخبة بوست – أماني الخماش

يعتبر امتحان الثانوية العامة “توجيهي” مرحلة حاسمة في حياة الطلاب، حيث يحدد هذا الامتحان المسار الأكاديمي والمهني للطلاب، لذا أصبحت نتائج امتحانات الثانوية العامة في الأردن موضوعًا مهمًا ومحور اهتمام كبير بين الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع ككل.

 بشكل عام، تعكس نسب النجاح في هذه الامتحانات ليس فقط أداء الطلاب، بل أيضًا جودة التعليم ونوعية المناهج الدراسية والسياسات التعليمية المطبقة، كما تختلف نسب النجاح من عام لآخر، حيث تتأثر بعوامل متعددة تشمل تحديثات في المناهج الدراسية، وأساليب التدريس، ودعم المؤسسات التعليمية، إضافة إلى ظروف الطلاب النفسية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، يصبح من المهم دراسة وتحليل هذه النسب لفهم التحديات والنجاحات في نظام التعليم الأردني، والعمل على تطوير سياسات تعليمية تعزز من جودة التعليم وتدعم الطلاب لتحقيق أفضل النتائج.

قراءة لنسب النجاح في التوجيهي خلال 10 سنوات

بلغ معدل النجاح في امتحان الثانوية العامة هذا العام 2024 ما نسبته 63.5%، وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من أحد عشر عامًا، كما حصل أكثر من 10 آلاف طالب على معدل فوق 90%.

ومن خلال استعراض الأرقام وعودتنا إلى عام 2013 حتى عام 2024، نجد أن نسب النجاح في امتحانات الثانوية العامة في ارتفاع مستمر، فقد بلغت نسبة النجاح عام 2013 ما نسبته 49.3%. وبالانتقال إلى عام 2018، حدثت قفزة في نسب النجاح حيث بلغت 54.7%.

مما يستدعي الانتباه والبحث في معطيات هذه النسب وحيثياتها هو أنه بدءًا من عام 2019 وصلت النسبة إلى 58.3%، وفي العامين الماضي والحالي بلغت نسبة النجاح ما بين 63.4% و63.1%.

نتائج التوجيهي: قراءة في الأرقام والاتجاهات

وفي هذا الصدد، يرى أكاديميون وتربويون أن هذه الأرقام تشير إلى تحقيق نسب عالية في معدلات النجاح، مما يدعو إلى البحث في فرضيات هذا الارتفاع، هل هو انعكاس لسياسات جديدة متبعة من قبل الوزارة، أم أن لوجود المنصات التعليمية أثرها في تعزيز نجاح الطلاب؟ أو ربما يتعلق الأمر بتغيرات طرأت على المنظومة التعليمية أسهمت في الوصول إلى هذه الأرقام ؟

قبيبلات: ارتفاع معدلات النجاح يعود للجهد الذي يبذله الطلاب

وفي هذا السياق، بينت الأمين العام السابق لوزارة التربية والتعليم د. نجوى قبيلات أنه لمعرفة أسباب ارتفاع نسب النجاح في الثانوية العامة، يجب قراءة هذه النتائج من زوايا عديدة: أولها هو القيام بتحليل نتائج الامتحان والفقرات التي تضمنتها في ضوء نتائج الطلبة، حيث أن إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم هي المعنية بهذا الإجراء.

ونوهت قبيلات إلى ضرورة البحث في مدى توفر نقاط معينة في الاختبارات التي أُجريت لمعرفة مدى صحتها، بدءًا من التحقق من خصائص الامتحان السيكومترية الجيدة، مرورًا بالبحث في القدرة التمييزية التي راعتها الفقرات، بالإضافة إلى معرفة آلية بناء الامتحانات وفقًا لجدول المواصفات، بحيث أن فقرات الامتحان تمثل محتوى الكتاب بشكل جيد، فإن كانت هذه النقاط جميعها قد تحققت، فهذا يدل على أن الاختبار قد بُني على نحو صحيح.


وفيما يتعلق بانعكاس ظروف تطبيق الامتحان على نتائجه، أوضحت قبيلات أنه لا بد من قراءة الأمور من زاوية أخرى من خلال البحث في الآلية التي تم بها تطبيق الامتحان والقائمة على قدرة ضبط عمليات الغش وتوفير الأجواء المناسبة للطلبة ليتمكنوا من الإجابة على أسئلة الامتحان براحة. يأتي ذلك لمعرفة ما إذا كانت النتائج قد عكست الأداء الحقيقي للطلبة. فإن كانت كذلك، يجب تحليل أداء الطلبة الذي يعكس أمرين: الأول الأداء الجيد للطلبة، والثاني يُظهر أن النظام التربوي بات يسير على خطى التعافي.

ولفتت قبيلات إلى وجود تناقضات بين النتائج غير المسبوقة في الامتحانات الثانوية العامة وبين تراجع أداء الطلبة في الاختبارات الدولية بشكل كبير. يجب أن تخضع التفسيرات هنا للنقاط ذاتها التي يتم من خلالها البحث في أسباب ارتفاع نسب معدلات التوجيهي.

نتائج امتحانات التوجيهي تتناقض مع تصريحات عديدة لوزارة التربية والتعليم التي تحدثت عن ضعف أداء الطلبة، وعن ضم بعض المدارس طلابًا لا يجيدون القراءة والكتابة، وبأن هناك فقرًا في التعلم

وأضافت قبيلات أن نتائج الأردن على الاختبارات الدولية تضيف تناقضًا جديدًا، وعند مقارنتها بنتائج التوجيهي، يتضح أن مستوى الطلاب في الاختبارات الدولية قد تراجع كثيرًا، بالرغم من أنها لا تضيف إلى الطلبة نقاطًا مادية أو معنوية، في حين أن امتحان الثانوية العامة يؤهلهم لدخول الجامعات والحصول على التخصصات التي يريدونها.

وفيما يتعلق بدور الطلاب في ارتفاع نسب النجاح في الثانوية العامة، بينت قبيلات أن ارتفاع معدلات النجاح يعود للجهد الذي يبذله الطلاب، فهم يبذلون جهودًا كبيرة في مرحلة الثانوية العامة، وخصوصًا في الصف الثاني الثانوي، حيث يقوم الطلاب بجهد مضاعف مقارنة بالجهد الذي يبذله الطلاب في الصفوف الدنيا.

عبيدات: احتمالية وجود أخطاء في حسابات نسب النجاح .. وارد

من جهته، أوضح الخبير التربوي د. ذوقان عبيدات أن أي تغيير في نتائج أي امتحان يتأثر بعاملين: الأول هو طريقة إجراء الامتحان، والثاني هو وجود تغيرات جوهرية في عناصر التعليم.

وأضاف بقوله بالرغم من أن نتائج امتحان التوجيهي هذا العام شهدت تحسنًا كبيرًا، إلا أن الشارع الأردني شهد حالة من التوتر الناتج عن صعوبة أسئلة امتحانات التوجيهي، مما خلق حالة من التكهن بأن تكون نسب النجاح منخفضة.

وأشار عبيدات إلى ضرورة البحث في الأسباب التي أدت إلى إعلان نتائج مرتفعة، ويرجح أن تكون أسبابها سياسية وزارية، إلا أن السبب الرئيسي يكمن عند وزارة التربية والتعليم فقط، ولا بد من الإشارة إلى أن السياسة السابقة المتبعة من قبل الوزارة والقائمة على الزيادة أو خفض نسب النجاح في امتحانات الثانوية العامة هو نهج متبع منذ فترة طويلة وتتحكم به الوزارة بناءً على عاملين: الأول هو قدرة الجامعات على استيعاب عدد معين من الطلاب، والثاني هو مدى احتياج الوزارة للقوى العاملة.

هناك محاولة إساءة للمدارس الخاصة بالقول إن الأوائل هم من المدارس الحكومية واتضح أنه عكس ذلك، المدارس الخاصة هي مدارس وطنية تتقاسم مسؤولية تعليم الطلاب مع المدارس الحكومية، ومن هذا المنطلق يجب العمل على دعمها وليس التقليل من أهميتها

وفيما يتعلق بارتفاع نسب النجاح على مدى سنوات متتالية، أوضح عبيدات أنه لا يوجد أي تحسن يُذكر في النتائج السابقة إلا في العامين الماضي والحالي، مما يعني أن تحسن نتائج التوجيهي ليس ناتجًا عن تغيرات في المنظومة التعليمية، حيث لم تتغير منهجية إجراء الامتحان ولم يطرأ أي تطور جديد على عناصر التعليم. التفسيرات المنطقية لا تنطبق على النتائج، ويجب الإشارة إلى أن نسبة نجاح 63% ليست نسبة عظيمة والأصل أن تتجاوز 80%.

وأشار عبيدات إلى احتمالية وجود أخطاء في حسابات نسب النجاح، حيث حُرم ألفا طالب من فرصة تقديم الاختبارات لتوجههم إلى المنصات الإلكترونية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة غيابهم، ويجب أن يُحسب هؤلاء ضمن فئة الراسبين، هناك أيضًا ما يقارب ألف طالب ارتكبوا مخالفة الغش واستُبعدوا من الامتحان ويجب وضعهم ضمن فئة الراسبين، بالإضافة إلى وجود 30 ألف طالب دفعوا رسوم الامتحان ولم يتقدموا إليه، ويجب حسابهم ضمن الراسبين. في النهاية، إذا تم تضمين هذه الفئات في حساب نسبة الراسبين، ستكون النتيجة أن نسبة النجاح هي 50%.

دعاس: القفزة النوعية في نتائج التوجيهي جاءت على مرحلتين

من جانبه، بين الخبير التربوي د. فاخر الدعاس أن القفزة النوعية التي حققتها نتائج التوجيهي أتت على مرحلتين: الأولى تقوم على أنه ولغاية عام 2017 كانت نسبة النجاح تُقاس بعدد الأشخاص الذين حصلوا على معدل 50% فما فوق في المعدل والمجموع الكلي للمواد. أما الآن، فأصبح معدل النجاح 40% من علامة المباحث الثانوية العامة، مما أسهم بدوره في زيادة عدد الناجحين.

وأضاف دعاس أن المرحلة الثانية جاءت بالانتقال من مرحلة د. محمد ذنيبات الذي كان معروفًا بالدقة واعتمد بشكل كبير على الأسئلة المقالية في محاولة للحد من عملية الغش، إلى مرحلة د. عمر الرزاز الذي لجأ إلى اتباع إستراتيجية الأسئلة السهلة والاعتماد على أسئلة الاختيار المتعدد. مما أدى بدوره إلى ارتفاع نسب النجاح وقلل من احتمالية الإجابات الخاطئة كما أسهم في الحد من مزاجية المصحح.

وأضاف دعاس قائلاً: “لا توجد في وزارة التربية والتعليم إستراتيجية موحدة تضبط إيقاع امتحانات التوجيهي ليتبعها جميع الوزراء، ولا توجد قدرة على التقييم الموحد لاختلاف طبيعة الامتحان بناءً على اختلاف الوزير. بالإضافة إلى أن النهج المتبع من قبل الوزارة يختلف باختلاف الوزير، والتباين في نتائج التوجيهي ما هو إلا انعكاس لاختلاف هذه السياسات، ومن هذا المنطلق فإن نتائج العامين الماضي والحالي متقاربة جدًا لاتباع نهج واحد من قبل نفس الوزير.”

وفيما يتعلق بالتناقض بين ارتفاع معدلات النجاح في التوجيهي وانخفاضها في الامتحانات الدولية، أوضح دعاس أن الإستراتيجية المتبعة في التعليم هي إعطاء الطلاب الحد الأدنى من المعرفة المطلوبة حتى يصلوا إلى المرحلة الأولى الثانوية، ثم يتم مطالبة الطالب في التوجيهي بتقديم المهارات العليا، مما يعكس حقيقة هذه النتائج. كما أن أسئلة المهارات العليا التي تتضمنها كتب الطلاب ما قبل الثانوية العامة لا يتم التطرق إليها أو التعامل معها. بالإضافة إلى أن المستوى التدريسي منخفض وأضعف من أن يتم تدريس هذه الأسئلة، حيث يتعامل الطالب في مرحلة التوجيهي مع أسئلة المهارات العليا بشكل محدود، ونسبتها لا تتجاوز 15% من مجمل ما يُطرح من أسئلة.

وأوضح الدعاس أن انخفاض المستوى التدريسي في المنظومة التعليمية يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب، منها ضعف الخدمات اللوجستية والميزانية التي لا تسمح بالتطور في العملية التعليمية. لا تزال المدارس تعاني من أزمة الاكتظاظ في الغرف الصفية الصغيرة، بالإضافة إلى أن المعلم المميز يفضل الذهاب للعمل في المدارس الخاصة لما يحصل عليه من امتيازات أكبر ورواتب أعلى.

واختتم بقوله إن مخرجات الجامعات منخفضة من حيث جودة التعليم، مما ينعكس على التعليم المدرسي. فمخرجات الجامعات هي مدخلات العملية التعليمية التدريسية، حيث يتخرج المعلمون من الجامعة ثم يذهبون لتدريس الطلاب.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version