نخبة بوست – وفاء صبيح

تعد مشاركة المرأة في القوى العاملة من العوامل الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة، إذ تسهم المرأة في زيادة الإنتاجية وتنويع الاقتصاد من خلال العمل في مجالات متعددة تشمل التعليم، الصحة، الإدارة، والتكنولوجيا، كما أن تمكين المرأة اقتصاديا يعزز من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة تؤثر إيجابيا على حياتها وحياة أسرتها.

وكجزء من رؤية أوسع لتحقيق النمو والاستدامة الاقتصادية، أطلقت الحكومة خطة التحديث الاقتصادي للأعوام 2023 – 2025 بهدف تعزيز مختلف القطاعات الاقتصادية وتطويرها بما يتماشى مع التحديات المحلية والتطورات العالمية، حيث تسعى هذه الخطة إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين وزيادة فرص العمل إضافة إلى تعزيز التنافسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

إذ تعتبر مشاركة المرأة في خطة التحديث الاقتصادي في الأردن خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المستدامة من خلال تمكين المرأة وتعزيز دورها في الاقتصاد، حيث يمكن للأردن أن يستفيد من كامل طاقاته البشرية ويحقق نموا اقتصاديا مستداما يتطلب ذلك جهودا مستمرة لتجاوز التحديات وتعزيز البيئة الداعمة للنساء في مختلف المجالات.

لكن بالرغم من الأهداف التي نطمح إلى تحقيقها من خلال خطة التحديث الاقتصادي، إلا أن دراسة حديثة صدرت بعنوان “الهويّة الاقتصادية للمرأة في المحافظات” أظهرت نتائج صادمة حول مشاركة وتفعيل دور المرأة بالمجتمع بالرغم من أن المرأة جزءا أساسيا في تحقيق هذه الرؤية.

عدم تحقيق التكافؤ الاقتصادي بين الجنسين

وفي هذا الصدد؛ كشفت الدراسة التي أجرتها العين د. عبلة عماوي خلال النصف الأول من العام الحالي بمتابعة من وزيرة التنمية الاجتماعية وفاء بني مصطفى عن خلوّ خطة التحديث الاقتصادي لضمانات تحقيق التكافؤ الاقتصادي بين الجنسين كهدف أساسي، إذ غابت المرأة إلى حدٍّ بعيد عن المبادرات والأهداف على مستوى القطاعات باستثناء مبادرة الصناعات التحويليّة.

كما غابت المرأة وبشكل ملحوظ من ناحية النساء ذوات الاحتياجات الخاصّة، أو اللاجئات، أومقاربة إشكالاتهن على مستوى المحافظات، حيث أُدرجت المؤشرات الدوليّة الرئيسيّة المتعلّقة بقياس الفجوة بين الجنسين لكن حُذفت المؤشرات المتعلقة بتمكين المراة وسدّ الفجوة بين الجنسين من أطر الرصد والتقييم للخطط التنفيذيّة، ولم يكن هناك تحليلٍ كافٍ ولا مقترح لمعالجة النسب المتدنيّة للمشاركة الاقتصاديّة للإناث عبر سائر قطاعات رؤية التحديث وخارطة الطريق للفترة 2022-2033.

التحدي الأبرز: مضاعفة نسبة مشاركة الإناث في سوق العمل

وبينت الدراسة التي يحتفظ “نخبة بوست” بالنسخة الكاملة منها أن التحدّي أمامنا يكمن في مضاعفة نسبة مشاركة الإناث في سوق العمل الأردني خلال العقد المقبل، وكيفيّة تحديد الفرص الوظيفية التي يجب استحداثها سنوياً في مختلف القطاعات الاقتصادية أساساً، وكيفيّة تحديد التوقعات للقطاعات المستقبلية لتوظيف الإناث، والنسب المتوقعة للتوظيف في كل قطاع.
لذا فإن التحدي الأكبر أمام الاقتصاد الأردني هو استيعاب أكثر من مليون شاب وشابة سينضمون إلى سوق العمل خلال العقد المقبل، وهو ما تناولته رؤية التحديث الاقتصادي، وتم توزيع هذه الفرص على مختلف القطاعات الاقتصادية، وتكونت بشكل عام من 1,034,000 فرصة عمل، وقدمت الرؤية تقديرات لعدد العمال والعاملات بالنسبة للفرص الوظيفية المستهدفة في كل قطاع.

رغم التوجّه في رؤية التحديث نحو توزيع فرص العمل الجديدة على القطاعات المختلفة، إلا أن الرؤية لم تحدّد بدقّة نسب الوظائف التي يجب استحداثها سنويّاً لتحقيق هذه المضاعفة المنشودة في المشاركة الاقتصاديّة، كما لم تتضمن أيضاً أيّة إشاراتٍ أو توقّعاتٍ للقطاعات الواعدة من ناحية توظيف النساء، ولا نسب التوظيف المحتملة بحسب كل قطاع، ولا الطرق ولا الكيفيّة التي يمكن من خلالها تحديد هكذه نسب، لا على المستوى الوطني ولا على مستوى المحافظات.

والأهمّ من كل ذلك أن رؤية التحديث لم تتناول كيفيّة توزيع فرص العمل هذه على القطاعات الاقتصاديّة المختلفة بين الذكور والإناث على مستوى المحافظات، إذ لم تأتِ على ذكر المحافظات بعينها بتاتاً.

لذلك، كان هدف هذا البحث التحليليّ المفصّل حول المشاركة الاقتصاديّة للمرأة على مستوى المحافظات استكمال العمل الأوسع، وملء الفراغ في التقرير الأكبر حول التمكين الاقتصاديّ للمرأة في رؤية التحديث الاقتصاديّ، ولو زعمنا بنجاح التحليل على المستوى الوطنيّ، من حيث ربط نتائج البحوث باستراتيجية تمكين المرأة في رؤية التحديث الاقتصاديّ التي أطلقتها الحكومة، فإن هذا التقرير يسعى في هذه المرحلةِ إلى بناء ما يصبح ضرورةً لازمةً من إطار متكامل للسياسات.

من اين نبدأ؟

بوجه عام؛ كان لا بد من تطوير إطار نظري ومفاهيمي بالاعتماد على عدة مفاهيم أساسية، ومحط تركيز الدراسة هو المبدأ بأن تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة يتطلب فهماً للعوامل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تؤثر على حالها الاقتصادي، إذ يعتمد نهجها الاقتصادي السياسي على فكرة أن الهياكل والسياسات والمؤسسات الاقتصادية تتشكل من خلال علاقات القوة في المجتمعات، وهذا النهج يظهر تأثير هذه العلاقات على فرص ونتائج المرأة اقتصاديّا،ً كما والتفاعلات بين العوامل الاقتصادية والسياسية في تشكيل الوضع الاقتصادي للمرأة.

هناك نهج أساسي لفهم كيفية تأثير الأطر القانونية والتشريعات والسياسات، إما إيجابياً أو سلباً، على قدرة النساء والرجال على الوصول إلى العمل اللائق، والرعاية الصحية، والتعليم، والموارد الطبيعية، فضلاً عن القدرة على التحكم بالقرارات وتأثيرهم على صنع القرار السياسي والاقتصاديّ، كما يتناول هذا النهج السياسات الاجتماعية، مثل السياسات الصحية أو حقوق العمال؛ إلى الحق في الوصول إلى الموارد الاقتصاديّة وكيفية توزّعها؛ الفجوة في الأجور؛ وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر

14% نسبة النساء العاملات من مجموع العاملين على مستوى المملكة

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء في المملكة تبلغ 14% فقط مقابل 53.6% للرجال ويتجاوز عدد النساء اللاتي ينبغي زيادة مشاركتهن، وفقاً لرؤية التحديث الاقتصادي، 371,662 امرأة ما بين مشتغلة ومتعطّلة. ومن بين هؤلاء، يقل عدد النساء العاملات عن 257,354 امرأة، بينما يبلغ عدد النساء اللاتي لا يزالن يعانين من عدم العمل (المتعطلات) 114,308. يعتبر هكذا رقمٌ غايةً في الضآلة، فما مجموعه 371,662 من الإناث (متعطّلاتٍ وعاملات) إنما يأتي ضمن السياق الأكثر مرارةً، حيث عدد النساء في القوى البشريّة التي من الممكن أن تعمل يفوق 2,655 مليون أنثى (ما بين ناشطةٍ اقتصادياً وغير ناشطة).

بعبارة أخرى، أي أنه ومن ضمن 2,655 مليون امرأة أردنيّة من الممكن أن تعمل، فإن نحو 2,398 مليون منهن غير عاملات، بينما نجد في المقابل أن 1,114 مليوناً من الذكور الأردنيين يعملون من إجمالي 2,656 مليون منهم ضمن القوى البشرية (ما يترك 1,542 مليون منهم غير عاملين). وللمرء أن يتخيل ما تبوح به أبسط النسب، فقد بلغت نسبة غير الناشطات اقتصادياً 86% في مقابل 46% من الذكور.

المزايا والإختلافات النسبيّة بين المحافظات فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصاديّة للإناث

على صعيد متصل، سلّطت الدراسة الضوء على مفهوم الميزة النسبية كأحد الأسس التي يعتمد عليها التحليل للمقارنة بين المحافظات، لذا عملت على تحديد المزايا والإختلافات النسبيّة بين المحافظات فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصاديّة للإناث، إذ يمكن للمحافظات تعظيم إستفادتها من مواردها وتحقيق تنمية اقتصاديّة مستدامة من خلال تركيزها على القطاعات ذات الميزة في المحافظة.

لتوظيف النظرية يجب البدء بتحديد الأنشطة الاقتصاديّة التي يجري الاضطلاع بها حالياً في المحافظات، وتحديد الميزة للمرأة العاملة في هذه المحافظات حسب الانشطة الاقتصاديّة في كل محافظة، كما وتوزيع العمالة للجنسين فيها

وأكدت الدراسة ضرورة تطويع أطر التخطيط الإنمائي الوطني لتمتد نحو تمكين المرأة اقتصاديّاً على مستوى المحافظات، وأشارت إلى أن التمكين الاقتصادي للمرأة على المستوى المحليّ في الأردن يتطلب نهجاً شاملاً يدمج التمكين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحديث القطاع العام والحماية الاجتماعية.

الخلاصة: عوامل تمكين المرأة اقتصاديّا

تظهر عبر فصول هذه الدراسة أهمية عوامل تمكين المرأة اقتصاديّاً، والتي تتضمن الجهود والسياسات الرامية إلى تحسين مشاركتها في القوى العاملة واتخاذها للقرارات الاقتصادية، كما استعانت الدراسة بمفهوم التنمية الاقتصادية الوطنية والمحلية، ودورها الحيوي في تمكين المرأة اقتصادياً من خلال فهم الفرص المتاحة في سوق العمل والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وكيف يمكن استغلال هذه الفرص لتعزيز مشاركة المرأة وتطوير مهاراتها.

يذكر أن هذه الدراسة أجريت بدعم من مشروع USAID مكانتي للتمكين الاقتصادي والقيادي للمرأة – الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – كما يمكنكم الإطلاع على النسخة الكاملة منها عبر النقر هنا:


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version