نخبة بوست – تشارلي جونسون

بعد قرار الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في أواخر يوليو/تموز بإنهاء ترشحه للرئاسة الأميركية؛ وانضمام نائب الرئيس كاميلا هاريس للسباق الانتخابي، ظهرت عدة تكهنات حول البرنامج السياسي المفترض لمرشحة الحزب الديمقراطي، والخلافات المحتملة مع نهج إدارة بايدن الحالية حال فوزها. وقد تنبأ العديد من المعلقين السياسيين بأن سياسة هاريس الخارجية لن تختلف كثيرًا عن مواقف إدارة بايدن في السياسة الخارجية، حيث يتوقعون استمرار الدعم لأوكرانيا، ومواجهة تحدي الصعود الصيني في الساحة العالمية. وبالمثل، فمن المرجح أن ينظر لنهج هاريس تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة -على الأقل- على أنه استمرار لاستراتيجية بايدن. ومع ذلك، فإن سجل هاريس الأكثر أهمية بشأن إسرائيل يختلف عن نهج بايدن في بعض الجوانب الرئيسية، والتي تتطلب تفحصًا وسط استمرار الكارثة الإنسانية في غزة والتوترات المتزايدة بين إسرائيل وحزب الله.

صوت معتدل يراعي المخاوف الإنسانية

في الوقت الذي واجهت فيه إدارة بايدن انتقادات متزايدة بشأن الأزمة المتصاعدة في غزة، -حيث يقدر مسؤولو الصحة في غزة أن عدد القتلى في الصراع يتجاوز 39،000 شخصًا-، اتخذت نائب الرئيس هاريس خطوات ملحوظة في انتقاد السلوك الإسرائيلي، فخلال خطاب ألقته في مارس/آذار حول هذه القضية، تصدرت هاريس عناوين الصحف باعتبارها أكبر مسؤول في إدارة بايدن يدعو لـ”وقف فوري لإطلاق النار”، مشيرةً إلى أن “الكثير من الفلسطينيين الأبرياء قد قتلوا”.

بالإضافة لهذه الانتقادات، بدا أن نية هاريس وراء الخطاب أعمق من الكلمات التي ألقتها؛ حيث كان لموقع الخطاب أمام جسر (إدموند بيتوس) وزن إضافي للجمهور الأمريكي، فقد شهد الموقع استجابة وحشية من الشرطة ضد المتظاهرين السلميين للحقوق المدنية في عام 1965. وباختيارها لهذا الموقع، تنحاز هاريس للروايات اليسارية التي تربط معاملة الفلسطينيين بنضال الولايات المتحدة ضد الاضطهاد العنصري سابقًا. كما زعمت تقارير لوكالة (NBC) لاحقًا عن الخطاب أن توبيخ هاريس لإسرائيل بسبب “الكارثة الإنسانية” قد تم تخفيفه من قبل المسؤولين في مجلس الأمن القومي التابع لإدارة بايدن، مما يشير لرغبة السياسيين الأولية لاتخاذ مواقف أقوى من ذلك.

تستمر انتقادات هاريس في اليوم التالي عندما تعاملت مع بيني غانتس، الذي كان في ذلك الوقت عضوًا في حكومة الحرب الإسرائيلية، فخلال زيارته غير المصرح بها للولايات المتحدة

ووفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض؛ حثت هاريس إسرائيل على “زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة”، مؤكدة نفسها كصوت ثابت على استعداد لإثارة المخاوف الإسرائيلية داخل الإدارة الأميركية، حتى وإن تلخصت مثل هذه الخطوات حيال سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين بصور خطابية فقط.

حيث أيدت هاريس مثل هذه الدعوات في وقت لاحق من ذلك الشهر، عبر التصريح بتهديدات غير مباشرة ضد الحكومة الإسرائيلية، ففي مقابلة مع شبكة (ABC News)، كانت هاريس من أوائل المسؤولين في إدارة بايدن الذين أوضحوا خطط الولايات المتحدة للرد مع “عواقب” إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تمضي قدمًا في غزو رفح المخطط له.

في الآونة الأخيرة، بعد اجتماعها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أواخر يوليو/تموز، وجهت هاريس توبيخًا آخر للسلوك الحربي الإسرائيلي، قائلة إنها “لن تلتزم الصمت” في مواجهة “الوضع الإنساني المتردي” في غزة

حالة بايدن الراهنة

على الرغم من أن القطيعة اللحظية مع خطاب إدارة بايدن قد تبدو مشجعة بالنسبة للمدافعين المؤيدين للفلسطينيين، إلا أن هاريس لا تزال في نهاية المطاف متماشية مع موقف الإدارة الأميركية الرسمي من الحرب. حيث أيدت هاريس استمرار النهج الحالي لتأمين اتفاق لوقف إطلاق النار على الفور. وبعد دعوتها لـ “وقف فوري لإطلاق النار” في مارس/آذار، أكدت هاريس من جديد تعامل إدارة بايدن مع عملية التفاوض، وخلال اجتماعها مع غانتس، ألقت بالمسؤولية عن توقف مفاوضات وقف إطلاق النار على حماس، داعية حماس لـ “قبول الشروط الموضوعة على الطاولة، والتي ستؤدي بموجبها لإطلاق سراح الرهائن وإلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع”.

وبعيدًا عن حرب إسرائيل على غزة، يبدو من غير المرجح حدوث تحول أوسع في السياسة الخارجية الأميركية مع إسرائيل. ففي محادثة معوكالة(تايمز أوف إسرائيل)، أكد مسؤول أميركي على موقف سياسي ثابت يجمع هاريس وبايدن، مؤكدًا على “دعمهما المشترك للالتزام الأمريكي الصارم بأمن إسرائيل إلى جانب الالتزام بالنهوض بحل الدولتين”. والواقع أن هذا الالتزام الصارم بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها“، على حد تعبير هاريس، كان له الأسبقية في كثير من الأحيان على المخاوف الإنسانية لنائب الرئيس. حيث المثال الأوضح بوصف هاريس مهددة بـ “عواقب” غزو رفح. في حين أن إدارة بايدن قامت في البداية بوقف شحنة أسلحة إلى إسرائيل بعد أن قامت بإخلاء رفح استعدادًا للعمليات في المنطقة المكتظة بالسكان، إلا أن الولايات المتحدة قدمت 1 مليار دولار من الأسلحة في غضون أسبوع من القرار. بطبيعة الحال، لم تكن هاريس مسؤولة عن القرار بشكل مباشر، لكن صمتها العلني حول هذه المسألة يظهر كموافقة ضمنية بعد أن قدمت نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان في الصراع.

إشارة للتغيير

في حين لم تسفر تعليقات هاريس بشأن إسرائيل عن أي تعديل ذي مغزى لسياسات إدارة بايدن؛ إلا أن الافتقار لإصلاح السياسات لا يعني بالضرورة الالتزام بالوضع الراهن. وعلى الرغم من أن نائب الرئيس هاريس لم تغير بشكل أساسي من طبيعة العلاقات الأمريكية مع إسرائيل، إلا أن تصريحاتها الانتقادية ودعمها العلني لغزة؛ قد تشير بطبيعتها لتغيير واضح في سياسة الحزب الديمقراطي، وبالتالي فمن المرجح أن تؤثر على السباق الانتخابي للرئاسة الأميركية.

في الواقع، لم يحدث اعتدال هاريس حول هذه القضية في معزل من السياق الأوسع؛ حيث ترد هاريس مباشرة على المعارضة الشعبية للدعم غير المشروط لإسرائيل، ووفقاً لاستطلاع مركز بيو للأبحاث، فإن عددًا متزايدًا من الأميركيين، وخاصة الشباب، لا يوافقون على نهج الإدارة الحالية في تعامل أميركا مع إسرائيل. وفي انعكاس لهذا التحول، رسمت هاريس تناقضًا صارخًا بينها وبين الرئيس بايدن أثناء مناقشتهم للاحتجاجات الطلابية. ففي حين أدان بايدن الاحتجاجات ووصفها بأنها “فوضى”، قالت هاريس: “إنها تُظهر بالضبط ما يجب أن تكون عليه المشاعر الإنسانية، كرد فعل على غزة”. وفي حين وضحت بأنها لا تؤيد كل ما قاله المتظاهرون، إلا أن هاريس سعت بلا شك لتجنب تنفير المكوّن السكاني الرئيسي “الشباب” من دعمهم في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

وعلى نفس المنوال، يستهدف اعتدال هاريس أيضا الناخبين في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، ففي عام 2020، فاز الرئيس بايدن بالولاية بحوالي 150,000 صوتا، ولكن في عام 2016، فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالولاية بأقل من 11,000 صوت. وبالنظر لهذه الهوامش القريبة لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية؛ فإن العدد الكبير من السكان العرب والمسلمين في الدولة قد يثيرون المخاوف بشأن موقف الإدارة الأمريكية من إسرائيل.

وتأكيدا لهذه المخاوف، حصلت حملة شعبية تشجع “الميشيغندرز” على تصويت “غير الملتزمين” في الانتخابات الرئاسية الديمقراطية في الولاية على أكثر من 100,000 صوت، مما قد يشكل خطرًا على فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات العامة في ولاية ميشيغان. ولكن مع صعود هاريس لقمة القائمة عن الحزب الديمقراطي؛ أشار قادة الجالية المسلمة إلى الانفتاح على تغيير موقفهم اعتمادًا على مواقف هاريس السابقة، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على أهمية انتقادات هاريس المتزايدة لإسرائيل.

ومع ذلك، يبدو أن حدوث تغيير الجوهري في السياسة نتيجة لخطابات هاريس غير مرجح في المستقبل القريب؛ إلا أن انفتاحها على الآراء المعارضة بشأن إسرائيل يكشف عن توجه أعمق داخل الحزب الديمقراطي وبين فئة الناخبين الشباب لمثل هذا التغيير. وبهذه الطريقة، قد لا تلغي هاريس عقودًا من الدعم الأمريكي لإسرائيل، لكن ترشحها يمثل خطوة بعيدة عن وتيرة الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل، وقد يشكل تحذيرًا من تصعيد الصراع في المنطقة.

معهد السياسة والمجتمع

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version