نخبة بوسترولا أبو رمان

يمثل قطاع صناعة الدواء في الأردن أحد أهم روافع الإقتصاد الوطني وعلامة مشرقة على طريق تطور وازدهار المملكة. إذ يحتل قطاع الدواء مكانة مرموقة ويتمتع بســمعة رفيعة علــى الصعيدين المحلي والخارجي ويسهم بنســبة عالية في الناتج المحلي، وبحصة مؤثرة من إجمالي الصادرات الوطنية؛ كما يشكل ثاني أكبر مُصدّر في الأردن بعد الصناعات التعدينية.

وخلال جائحة كورونا، سجل القطاع نجاحاً غير مسبوق؛ إذ حقق اكتفاءً ذاتياً من إنتاج الكمامات والمطهرات في الوقت الذي عانت فيه دول متقدمة في أوروبا، مما جعل الأردن يحظى بمكانة مرموقة على مستوى العالم.

لوحظ في الآونة الأخيرة لجوء العديد من المواطنين إلى شراء كميات كبيرة من الأدوية من البلدان المجاورة بأسعار منخفضة بهدف الاتجار بها؛ مما أدى إلى ظهور ظاهرة “السوق السوداء للأدوية”، ويرجع هذا إلى ارتفاع أسعار الأدوية في الأردن

وعلى الرغم من مؤسسة الغذاء والدواء أصدرت العام الماضي قراراً بتخفيض أسعار العديد من أصناف الأدوية، إلا أن المواطن لم يلمس هذا التخفيض وما زال يعاني من ارتفاع في أسعار الأدوية “المبالغ فيه” عند مقارنتها بالدول المجاورة.

وهذا كله يدفع إلى طرح تساؤلات حول كيفية تحديد أسعار الأدوية في الأردن، ولماذا أسعار الأدوية ذاتها في الدول المجاورة أقل بكثير مما هي عليه في الأردن، وكيف يمكن أن تساعد وجود مصانع وطنية على التقليل من الاعتماد على الأدوية المستوردة؟

أسباب ارتفاع اسعار الأدوية في الأردن

قبل التطرق إلى أسباب ارتفاع أسعار الأدوية، لا بد من التوضيح أن الأدوية تُقسم إلى أدوية محلية وأدوية مستوردة، وعليه يتم تقسيمها إلى (دواء جنيس ودواء أصيل)؛ بمعنى أن الدواء الجنيس هو بديل للدواء الأصيل، حيث يتطابق مع الأدوية الأصيلة في المادة الفعالة والتركيز ودواعي الاستعمال، إلا أن سعره قد يكون منخفضاً نوعاً ما.

ارتفاع أسعار الدواء يقودنا إلى طرح أسئلة حول الأسباب، خاصة أن لدى الأردن نحو 30 مصنعاً تعمل على تصنيع 4498 صنفاً دوائياً محلياً مسجلاً، وتصدر إلى
65 سوقاً عالمياً، و90 خط إنتاج لتصنيع التراكيز والأشكال الصيدلانية

هذا الأمر يدفعنا في البداية إلى تعريف معنى وجود (مصنع في الأردن)

بالنظر إلى أن الأردن يعرف تصنيع الدواء منذ المرحلة الأولى، أي منذ البدء في صناعة المادة الخام حتى وصوله إلى آخر مرحلة في التغليف والتعليب، إلا أن مفهوم التصنيع في بعض الدول مثل أوروبا وأميركا وتركيا والهند والصين وغيرها يعرف التصنيع على أنه يشمل فقط تغليف الأدوية؛ بمعنى أن يصل الدواء كحبوب أو كبسولات إلى المصنع جاهزاً، ويتم تغليفه داخل المصنع ليُعتبر صناعة للدولة.

 هذه الطريقة من شأنها، لو اتبعها الأردن، أن تخفض من سعر الدواء كونها تقلل من المراحل التي تمر بها عملية التصنيع.

أما الأمر الثاني فهو (التصنيع التعاقدي)؛ بمعنى أن تتعاقد شركة محلية مع المصانع العالمية من أجل إدخال الأدوية إلى الأردن بأسعار منخفضة، إلا أن الأردن لا يستطيع الاشتراط على المصانع العالمية بتخفيض الأسعار؛ وذلك يرجع إلى حجم السوق الأردني مقارنة بالأسواق في الدول المجاورة مثل: مصر وتركيا والسعودية، حيث تُعتبر أسواق هذه الدول كبيرة وتنافسية ونسبة الاستهلاك فيها عالية.

الأمر الثالث، فهو أن أسعار الدواء تنخفض في الأسواق الكبيرة والغنية، حيث تبيع الشركات كميات كبيرة من أدويتها لتحقيق هامش الأرباح المناسب لها، بينما ترتفع الأسعار في الأسواق الصغيرة والفقيرة لتعويض انخفاض حجم المبيعات وضمان هامش الربح.

وحول الأمر الرابع، يُعزى البعض مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية في الأردن إلى معضلة التأمين الصحي، حيث ما زال الأردن بحاجة إلى إعادة النظر في نظام التأمينات الصحية الشاملة.

أما بالنسبة لسبب ارتفاع سعر الأدوية المحلية المصنوعة في الأردن على سبيل المثال، فيرجع السبب في ذلك الى السعر الذي حددته مؤسسة الغذاء والدواء في الأردن باعتبارها بلد المنشأ؛ لذا تسعى الشركات المحلية الأردنية إلى تسجيل أعلى الأسعار الممكنة في السوق الأردني، وتساعدها المؤسسات الحكومية الأردنية على ذلك من باب حماية الصناعة الوطنية.

معدلة ثابتة للغذاء والدواء

الأسعار النهائية التي تعتمدها مؤسسة الغذاء والدواء تُبنى على مقارنة السعر في الأردن مع الأسعار في الدول المعتمدة لدى المؤسسة، والتي تبين أنها تسع عشرة دولة، ووفقًا للمعادلة الثابتة التالية:

 (سعر الجمهور = سعر جمهور بلد المنشأ *  سعر الصرف * 1.55)

شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار الأدوية  

وفي هذا الصدد، قال المواطن رياض الطويط: “ذهبت لمستشفى الملك عبدالله اصرف دوا قالت الصيدلانية الدوا موجود لكنه، أصبح الان غير مغطى بالتأمين من التربية، قلت لها أنا متقاعد ضمان قالت كذلك غير مغطى من الضمان سألتها ما العمل قالت جيب اعفاء  والله ما أنا عارف منين اجيب الاعفاء مع العلم ثمنه 35 دينار وبديله 18دينار فتأمل!”.

أما المواطنة هيفاء جابر علقت قائلة:” يا رب ان شاء الله دواء الكولسترول والضغط كتيرر غاليين لانهم كل 25 يوم نشتيرهم وغير الأدويه التانيه وادوية الحساسيه والبخاخات“.

بينما وصف حسام الأشهب أسعار قطرات قطرات الترطيب الأجنبية بـ “الفلكية “

وعلق زهير العبادي:” الصيدلاني ببيعك الدواء البديل غير اللي بوصفة الدكتور لأسباب تجارية وغير انسانيه

ناصر العمري وجه سؤالا لنقيب الصيادلة حول الرقابة على الأسعار :” يا نقيب الصيادلة بتقول أنه عندك رقابه وين كانت رقابتك لما العلاج اللي بدينار بالدول المجاوره كان بالأردن 18 دينار؟

يزن الحلو: “بحب اشكر السوشال ميديا وخصوصا الفيس بوك وكل واحد سافر وعرف اسعار الادوية ةنشر هون عشان يبين الغلاء الفاحش بطاع الأدوية”

محمد السالم قال:” يعني بتنزلوا باليمين وبترفعوا بالشمال، فرق أسعار الأدوية خلال ال 10 سنوات الماضية لجيبة مين راحت؟؟

وتابع رائد المومني:”شو أخبار ابرة المفاصل الي بتنباع ب 320 دينار والي تكلفتها ما بتوصل 50 دينار اشتريتها ب 320 دينار.

عبيدات: الصناعة الدوائية المحلية  لا تغطي حاجة السوق الأردني

من جانبه، أكد مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء الأسبق د. هايل عبيدات، أن أسباب ارتفاع أسعار الدواء في الأردن تعود إلى حجم السوق الأردني، الذي يُعد سوقًا ‘تجاريًا صغيرًا، إضافة إلى ارتفاع نسبة الأرباح التي ينص عليها قانون الدواء والصيدلة منذ عام 1962، عندما شجعت الحكومة على إنشاء صناعات دوائية وتعهدت بشراء المنتج المحلي من الشركات المصنعة محليًا.

وتابع عبيدات بأن البدايات كانت متواضعة، بخط إنتاج واحد ومنتج واحد، إلى أن توسعت شركات صناعة الدواء لغاية منتصف التسعينات من القرن الماضي؛ وعلى الرغم من توسعها وانتشارها في الأسواق العالمية، إلا أن الصناعة المحلية الدوائية تقوم فقط بصناعة الأدوية “الجنيسة” ولم تتمكن من تغطية حاجة السوق المحلي من الأدوية.

الصناعة الدوائية الأردنية لم تتمكن من تغطية أكثر من نصف احتياجات السوق المحلي لغاية الآن، وما تبقى يتم استيراده بواسطة مستودعات الأدوية ووكلاء الشركات العالمية، التي تقوم باستيراد الأدوية الأصيلة غالبًا والشبيهة أحيانًا، ويتم تأمين العطاءات الحكومية وشبه الرسمية، وكذلك حاجة القطاع الخاص

وأوضح عبيدات أن مستودعات الأدوية والصيدليات الخاصة تتقاسم نسبة الأرباح المنصوص عليها في التشريعات، والتي تصل إلى 48% من السعر الأصلي، بالإضافة إلى 4% – 6% خدمات جمركية وغيرها، حيث تتقاسمها المستودعات بنسبة تصل إلى 21%، والصيدليات بنسبة 23%.

ووفقا لعبيدات، فإن مؤسسة الغذاء والدواء لم تتمكن من تغيير هذه النسبة، وقامت فقط بمراجعة الأسعار والعمل على تخفيضها دوريًا وحسب التشريعات الناظمة.

هناك لجان مختصة في المؤسسة العامة للغذاء والدواء تتولى شؤون التسجيل والتسعير للأدوية الأصيلة والجنيسة والأدوية البيولوجية وشبيهة البيولوجية، وهي الأدوية الأغلى عالميًا، ومراجعتها دوريًا حسب الأسس الموضوعة لتلك الغايات

وأضاف عبيدات: أنه سابقًا كان هناك 6 أو 8 دول مرجعية، بما فيها بلد المنشأ ( أي يتم النظر إلى أسعار الأدوية فيها عندما يتم تحديد السعر محليا)  وتم توسيع مظلة الدول المرجعية في عام 2015 لتصبح 16 دولة، ووصلت إلى 32 دولة مرجعية في عام 2019.

وعليه يؤخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل القومي والفردي لتلك الدول، إضافة إلى بلد المنشأ وبعض الدول الأخرى، ويُؤخذ أقل سعر في تلك المعادلة.

وفي هذا الصدد، لفت عبيدات إلى أنه حتى لو تم التخفيض لنصف السعر المعتمد، فإنه يبقى أعلى من سعر الأدوية في بلدان مجاورة مثل مصر وتركيا؛ نظرًا لضخامة حجم السوق الدوائي في تلك الدول والتي تبحث عنها الشركات العالمية في استثماراتها، حيث تقوم الشركات بتصنيع الدواء في مصر أو تركيا للسوق المحلي، ولكنها لا تستطيع تصديرها إلى الخارج حسب شروط التعاقدات التصنيعية.

وشدد عبيدات على ضرورة إعادة مراجعة نسبة الأرباح بما يضمن تحقيق الأمن الدوائي، أو من خلال تطوير عملية وآليات الشراء الموحد، أسوة بالكثير من الدول العربية وغيرها. وخاصة بعد وصول الدواء الأردني إلى الأسواق العالمية وتطور الصناعة الدوائية المحلية والزيادة السكانية التي أصبحت تجعل السوق أكثر تنافسية؛ خاصةً أن الدواء الأردني يصل إلى تلك الدول، وتقبل الشركات الأردنية والأجنبية للأدوية البيع هناك بالشروط والمعايير المطلوبة في تلك الدول؛ مما يمكنها من تحقيق العدالة في الأسعار ودون انقطاع الدواء.

البدور : أسعار الأدوية ليست رخيصة .. ولكن

بدوره، قال عضو مجلس الأعيان د. إبراهيم البدور إن تسعيرة الأدوية في الأردن خلال الـ 15 سنة الماضية تغيرت بشكل جذري.

وعلى الرغم من أن الأسعار تقلصت “تدريجيًا”، إلا أنه عند النظر إلى أسعار الأدوية في البلدان المجاورة نجدها منخفضة مقارنة بالأسعار في الأردن، على الرغم من أن الأدوية هي نفسها؛ مما دفع الحكومة إلى التدخل نتيجة الضجة التي حدثت حول مجموعة من أسعار الأدوية، وأكد أن أسعار الأدوية حاليًا ليست “رخيصة”.

أما حول كيفية تحديد الأسعار، فقد أكد البدور على أنه يوجد تسعيرة ثابتة ومحددة من مؤسسة الغذاء والدواء، بحيث تتطابق الأسعار مع بعض الدول الخليجية.

عند مقارنة أسعار الدواء في الأردن مع الدول المجاورة نجد أن حجم السوق ليس كبيرًا  وخاصة عند مقارنته مع السوق السعودي، حيث أن كمية الاستهلاك هناك تساوي 10 أضعاف كمية الاستهلاك في الأردن، إضافة إلى أن بعض الدول هي من تصنع الأدوية وتُضيف العلامة التجارية إليها

وأشار البدور إلى أن الأردن لديه سوق دوائي ممتاز، وشركات تقدم كمية كبيرة من الأدوية، وبعض الشركات لديها تعاقدات في أوروبا، شمال أفريقيا، وبعض الدول العربية.

وشدد البدور على ضرورة إعادة النظر في الأسعار، لأن بعض الأحيان كانت الأجهزة الطبية والمواد الطبية مثل شبكات القلب تُباع بـ ـ4 و 5 آلاف دينار، وفجأة انخفضت إلى 1500 و500 دينار، و يجب أن يُطرح سؤال حول سبب هذا الفرق الكبير، ولماذا كانت الأسعار مضاعفة خلال السنوات الماضية؟

واختتم البدور بقوله أنه من الضروري إعادة تسعير الأدوية ووضع معادلة جديدة بحيث تكون الأدوية في متناول الجميع؛ لأن غالبية المواطنين يعتمدون الشراء المباشر من الصيدليات وعلى القطاع الخاص بشكل رئيسي.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version