* في الانتخابات، كان الله بعون الناخبين في تحديد خياراتهم التي يصعب التفريق بينها عندما يتعلق الأمر بأخلاقيات العمل السياسي

* حزب جبهة العمل الإسلامي يتعرض لهجوم من قبل السلطة وأنصارها وتم تقويلهم ما لم يقولوه

* “الاسلاميون” يستثمرون اسم نائب النقيب واسم نقابته في سبيل الحصول على مركز نائب في البرلمان

* الحركة الإسلامية أخذت تنشغل كثيرًا بنفسها، وتحولت من جماعة تحمل مشروعًا للأمة إلى مجرد جماعة لها همومها

نخبة بوست – كتب: أحمد أبو خليل

رغم قناعتي بمحدودية دوري، ترددتُ طويلاً في توجيه أي ملاحظة للموقف الانتخابي لحزب جبهة العمل الإسلامي. فقد لمستُ فعلاً أنهم يتعرضون لهجوم من قبل السلطة وأنصارها، وفي بعض الحالات تم تقويلهم ما لم يقولوه، وغير ذلك مما جعلني أمام موقف أزعم أنه ذو منبع أخلاقي يمنعني من انتقادهم.

لقد حضرت مهرجانهم في الدائرة الثانية في عمان بشكل شخصي، وشاهدتُ مهرجانهم في الزرقاء، وفي الحالتين لاحظتُ أن خصومهم ظلموهم في تناول ما جرى.

أحمد أبو خليل

خصوم جبهة العمل الاسلامي ظلموهم..

لكن يبدو أنهم مع قرب موعد الانتخابات عادوا لذلك الصنف من السلوك السياسي الغريب الذي اعتادوا عليه، والمتمثل في أن يجاملوا السلطة ويتقوا شرورها ويعقدوا الاتفاقات معها ويخفضوا من أصواتهم في مواجهتها. ولكنهم بالمقابل، في أوساط الناس، يصرخون ويعلون الصوت، ولا يمانعون هنا من أي مسلك أو كلام حتى لو أثار التشويش في الأوساط الشعبية.

ما يهمني هنا ودائمًا، هو الناس الذين يشكلون ميدانًا لابتزاز مختلف الأطراف، بما فيها تلك التي تدعي النطق باسم الناس

بالأمس، رأيتُ بعيني شباب الحركة يزيلون بأنفسهم أحد الشعارات المرسومة على إعلاناتهم الانتخابية. رأيت ذلك في المنطقة التي أسكن فيها؛ أقصد شعار “المثلث المقلوب” الذي غيّروا لونه إلى الأخضر. ولكن المفاجأة كانت عبر مسارعة بعض أصوات الإسلاميين إلى الإعلان أن السلطة هي من تقوم بإزالة الشعار!

من المعيب والمحزن أن يكون هذا الشعار الجميل ميدانًا للاستغلال، وتتحمل الحركة المسؤولية الكبرى عن ذلك إلى جانب السلطة. ولكن كان على الحركة إما أن تصمت وتلتزم بموقف السلطة وتوافقاتها معها، أو تكون شجاعة وتتحمل التضحيات، ولكنها اختارت إرضاء السلطة من جهة وإثارة التشويش بين الناس من جهة أخرى. إنه صنف مميز من الانتهازية

الملاحظة الثانية التي كنت سأؤجلها لما بعد الانتخابات بسبب احترامي لمحتواها: عندما قرأت اسم نائب نقيب المعلمين بين المرشحين على القائمة العامة للحركة، أجريت عدة اتصالات مع زملائه في مجلس النقابة، لكي أستفسر إن كان قد أبلغهم أو استمزجهم أو سألهم عن ترشحه وإن كان الترشح يخدم أو يضر نشاطهم النقابي. وتلقيت إجابات سلبية من زملاء تعرضوا معه للسجن والفصل والمضايقات، دون أن يكون إلى جانب أي منهم حزب كبير يدعمهم.

هنا مرة أخرى تتجلى إدارة الظهر لقضية النقابة، وهي القضية التي وضعت السلطة كل قوتها لمواجهتها وكسرها. ومن خلالها ظهر اسم نائب النقيب المحترم. إنه اليوم يقول إنه سيدافع عن النقابة في المجلس!

ولكن من قال له إن وجوده في المجلس سيعني للمعلمين وللنقابة شيئًا؟ هل كانت النقابة بحاجة إلى من يدافع عنها في المجلس؟ لقد كان ممثلو حزبه وغيرهم في المجلس السابق أصواتًا محترمة، ولكن تلك الأصوات معًا لم تكن تحمل الأثر الذي كان يحمله نائب النقيب في موقعه النقابي. إن قوته تكمن فقط في مكانه على رأس النقابة، وهي قضية لم تُحل بعد، ولا تزال بحاجة إلى الجهد. وليس أحب إلى قلب السلطة من أن يغادر نائب النقيب موقعه ليصبح نائبًا، فينتقل من مكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية إلى أخرى نقيضة تمامًا.

إنها الضربة الثانية التي تتعرض لها نقابة المعلمين بعد ضربة النقيب الأول الذي أصبح نائبًا أيضًا، وفي المرتين، كانت السلطة مع الإخوان شركاء في حياكة الضربة

لاحظوا، إن الحركة تستثمر اسم نائب النقيب واسم نقابته في سبيل الحصول على مركز نائب في البرلمان، وتوجه بذلك ضربة لجوهر فكرة نقابة المعلمين باعتبارها حركة شعبية نقابية عامة غير حزبية. كان ينبغي على الحزب أن يكون داعمًا للنقابة لا أن يستخدم النقابة لمصلحته.

المؤسف أن الحركة الإسلامية أخذت تنشغل كثيرًا بنفسها، وتحولت من جماعة تحمل مشروعًا للأمة إلى مجرد جماعة لها همومها وتسعى للحفاظ على نفسها ومصالحها فقط. وكغيرها من الحركات، فقد طالها الكثير من الإنهاك، بعضه بسبب الضغط والقمع، ولكن جزءًا كبيرًا منه يعود إلى أداء الحركة ذاتها، وإلى سلوك ممثليها وصراعهم الداخلي، وعليهم أن ينتبهوا لذلك ويصارحوا أنفسهم.

خلال العقود الأخيرة، كان لهم فضل إضفاء ملمح سياسي على النشاط الانتخابي، ولكنهم اليوم يلتحقون بغيرهم، ويتحولون إلى حركة تلتف حول ذاتها.

في السنة الأخيرة منذ الحرب على غزة، ساد وهم مشترك عند السلطة والحركة يقول بأن نهوض المقاومة سوف يعطي الحركة حضورًا أكبر. وقد بذلت السلطة جهدها، كما بذلت الحركة جهدًا مقابلًا، بشكل موارب حينًا وواضح أحيانًا. لكن الجمهور، بتقديري، أبدى مستوى عاليًا من القدرة على تمييز موقفه، فلا يبيعه لهذا الطرف أو ذاك.

في الانتخابات، كان الله بعون الناخبين في تحديد خياراتهم التي يصعب التفريق بينها عندما يتعلق الأمر بأخلاقيات العمل السياسي.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version