نخبة بوست- أماني الخماش

في ظل تزايد الانقسامات والصراعات الداخلية في إسرائيل، تتزايد التحذيرات في وسائل الإعلام الإسرائيلية وداخل الطبقة الحاكمة من احتمالية اندلاع حرب أهلية في إسرائيل.

إذ تتواصل التظاهرات في شوارع تل أبيب من قبل أهالي الأسرى الذين يرفضون سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي تصر على مواصلة الحرب على غزة مهما كانت تكاليفها.

وبحسب استطلاعات أجرتها وسائل إعلام إسرائيلية، يبدو أن نحو نصف المجتمع الإسرائيلي يرى أن احتمال اندلاع حرب أهلية أصبح وشيكًا. ويزداد غضب المجتمع الإسرائيلي من قرارات حكومته مع مرور الوقت، حيث يصفها البعض بالسيئة ويعتقدون أنها تقود المجتمع نحو المجهول.

ومع دخول الحرب على غزة شهرها الحادي عشر، يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات، ومن بين هذه الخسائر، توقف العمل في ميناء إيلات الذي من المتوقع أن يعلن إفلاسه قريبًا، بالإضافة إلى إجلاء آلاف المستوطنين من المناطق المحاذية للحدود مع لبنان إلى مناطق آمنة، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية ويرفع العجز المالي في الموازنة العامة بشكل كبير.

مسار الحرب الأهلية في إسرائيل

الصراع الإسرائيلي - الإسرائيلي إلى أين؟ انقسامات داخلية؛ وتحذير مما هو أبعد

لم يكن إطلاق سراح الأسرى العامل الوحيد الذي أسهم في تصاعد احتمالات الحرب الأهلية في إسرائيل. فالاحتجاجات لها سياق زمني يعود إلى العام الماضي.

فمنذ تموز 2023، وبعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي قانون “ذريعة المعقولية”، بدأت وتيرة الاحتجاجات تتصاعد رفضًا للتعدي على صلاحيات المحكمة العليا.

سعت حكومة نتنياهو إلى تقويض الحقوق السياسية للجيش، الذي يعد ركيزة أساسية في المجتمع الإسرائيلي، من خلال منعه من إبداء آرائه في الأمور السياسية، وبعد السابع من أكتوبر، اتسعت رقعة الخلافات بين الحكومة التي ترفض إنهاء الحرب على غزة، والجيش الذي يُتهم بمحاولة تأليب الرأي العام ضد الحكومة للضغط عليها لإعادة النظر في قرار مواصلة الحرب

أبو زيد: الحرب الأهلية مستبعدة وتفكيك المجتمع الإسرائيلي سيكون من الداخل

وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد إن المؤشرات الحالية لا تدعم سيناريو الحرب الأهلية. وأوضح أن بنية المجتمع الإسرائيلي تستند إلى عقيدة صهيونية تقوم على مبادئ أن الشعب الإسرائيلي مظلوم ومستهدف.

 ومع ذلك، بدأت تظهر بحسب أبو زيد مؤخراً مشكلات تتعلق بالتركيبة الاجتماعية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الديموغرافيا الإسرائيلية غير متجانسة وتنقسم بين السفرديم الشرقيين والأشكناز الغربيين، مما يجعل عوامل الصدام متوفرة. ولكن حتى الآن، لا يمكن القول إن المؤشرات الحالية تدل على احتمال نشوب حرب أهلية داخل الكيان الصهيوني.

أبو زيد: أسباب قيام حرب أهلية أو صدام اجتماعي داخل بنية الكيان الصهيوني متوفرة، لكن البيئة المحلية لا تزال متماسكة حتى الآن، حتى وإن أسقطنا عليها بعض المتغيرات المتعلقة بالأزمات الداخلية، بما في ذلك الأزمات الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى ما يحدث في غزة أو في شمال الأراضي المحتلة

وأشار أبو زيد إلى أن خيارات تفكيك المجتمع الإسرائيلي من الداخل أقوى من خيارات تفكيكه بصراع مسلح من الخارج، خاصة في ظل تشدد اليمين المتطرف الذي يحكم إسرائيل حاليًا، مما خلق حالة عدائية مع المجتمع الدولي ومع الداخل الإسرائيلي نفسه.

 وأضاف أن الخطاب الإعلامي العبري على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بدأ يشهد تصاعدًا في الحدة، خاصة من قبل الأشكناز الذين يسكنون مستعمرات شمال الأراضي المحتلة نتيجة تهجير حوالي 120 ألف إسرائيلي، غالبيتهم من الأشكناز الذين يعدون نخب المجتمع الإسرائيلي من جنرالات وسياسيين واقتصاديين ورجال أعمال.

وفيما يتعلق بتوفر أسباب اندلاع صدام اجتماعي بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، أوضح أبو زيد أن تركيبة المجتمع الإسرائيلي توفر معطيات الصدام الاجتماعي وتعزز من تحوله إلى صراع مسلح يفكك المجتمع القائم على ديموغرافيا غير متجانسة، والتي من الممكن أن تمهد لخيار الحرب الأهلية مستقبلًا، بالرغم من عدم توفر خيار نشوء مثل هذا الصراع المسلح حتى الآن، وانحصاره في الصراع السياسي بين التيارات السياسية الدينية القومية اليمينية واليسار والوسط السياسي. وأكد أبو زيد أن الحكم على انعكاسات الحرب الأهلية في إسرائيل ليس ممكنًا بعد، خاصة أن المؤشرات لم تتضح بعد على الحالة الأمنية والعسكرية في الحروب التي تخوضها إسرائيل حاليًا، سواء مع غزة أو مع حزب الله.

شنيكات: الاغتيالات إحدى سيناريوهات الحرب الأهلية

من جهته، أوضح رئيس جمعية العلوم السياسية د. خالد شنيكات أن الواقع الإسرائيلي يشهد حالة من الانقسامات بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، التي تندرج ضمن سياقات سياسية ودينية وقومية، ابتداءً من الانقسامات بين المدنيين والعلمانيين، وبين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين. فضلاً عن ذلك، هناك انقسامات داخلية بين هذه المكونات مثل الانقسامات بين العلمانيين أنفسهم.

ولفت شنيكات إلى أنه قبيل اندلاع عملية طوفان الأقصى، كان المجتمع الإسرائيلي منقسمًا حول عدة أمور، من ضمنها مدى إمكانية تحقيق ديمقراطية النظام السياسي، بالإضافة إلى الإصلاحات القضائية وما رافقها من حالة جدل واسعة. وهناك أيضًا خلافات كبيرة حول معايير الدستور وتعريف اليهودية ضمن بنود الدستور. ولا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل لا تزال حتى الآن تعيش بلا دستور يحكم المجتمع بكافة جوانبه.

شنيكات:  بالرغم من وجود هذه الاختلافات، إلا أنه لا يمكن الحسم بإمكانية حدوث حرب أهلية، فالمظاهرات لا تزال ذات طابع سلمي

وأشار إلى أنه حتى ردود الفعل على قرار شمل فئة الحريديم للالتحاق بالجيش لم تكن على المستوى المتوقع، والأمور سارت على نحو سلس مما ضبط بشكل كبير حجم العنف المتوقع من صدور قرار التعيين.

من الوارد حدوث عملية اغتيال لأحد مسؤولي الحكومة وقد يكون أكبر من ذلك، وهذا من شأنه أن يعمل على قلب المشهد في إسرائيل، بسبب وجود انقسامات فيما يتعلق بالموقف من الحرب بين المؤسسة العسكرية والحكومة الإسرائيلية

وفيما يتعلق بوجود اختلافات بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، أوضح شنيكات أن الانقسامات تعد بيئة خصبة للذهاب باتجاه سيناريو الحرب ونحو حالة استقطاب حاد، بل ربما يكون لأبعد من ذلك. وبالرغم من الخسائر التي تكبدتها إسرائيل جراء عدوانها على غزة، لا تزال القوات الأمنية تمسك بزمام الأمور.

وأكد شنيكات على أن الحرب تستنزف إسرائيل كما هي مدمرة للقطاع غزة. ومع إطالة أمد الحرب على غزة، تغرق إسرائيل في رمال غزة. والقرار الذي يفضي إلى وقف الحرب هو قرار نابع من الداخل الإسرائيلي وليس بتأثير من القوى العظمى. وبالرغم من تراجع الثقة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلا أن السيناريو المتوقع هو أن تشهد الساحة الإسرائيلية تظاهرات أكبر، فلا يزال الإسرائيليون يؤيدون قرار استمرار الحرب على غزة.

ملكاوي: تصفية نتنياهو من الاحتمالات الواردة

وفي ذات السياق، أوضح أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عصام ملكاوي أنه لابد من الوقوف على مفهوم ومعنى الحرب الأهلية، والتي تعني أنه في بلد ما يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان، كل فرد فيها يرى الآخر عدوه لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه على نفس الأرض. لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل الشعب الإسرائيلي شعبٌ واحدٌ؟ وهل له قيم وعادات وتاريخٌ واحد؟

وأوضح الملكاوي أن العامل المشترك الوحيد بين مكونات المجتمع الإسرائيلي هو تعلم العبرية والتحدث بها، مما يعني أن النزاع والاقتتال والاختلاف بينهم واردٌ جدًا. ويرجع ذلك إلى أنهم شعوب متفرقة جاءت من دول مختلفة وتحمل جنسية مزدوجة. فعندما تقترب لحظة الحرب والاقتتال، يكون خيار المغادرة من فلسطين المحتلة هو الخيار الأفضل. إلا أن الحرب الأهلية في هذا الوقت غير واردة.

ملكاوي: سنشهد اغتيالات عدة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وسيناريو اغتيال نتنياهو متوقع، فإذا كان رابين قد اغتيل بيد متطرف يكره السلام، فإن نتنياهو سيقتل على يد يهودي يكره الحرب أو متطرف يكره السلام

وفيما يتعلق بسيناريوهات الحرب الأهلية في إسرائيل، أوضح الملكاوي أن السيناريوهات غير واضحة، والسبب يعود إلى أمرين: الأول هو وجود فريق حاكم يعتمد على متطرفين متدينين يسعون للاستمرار في الحكم بغض النظر عن التكلفة، والثاني هو أن المجتمع الليبرالي البعيد عن التدين يسعى للعيش بسلام ورغد في الحياة ويخشى الحرب ويخافها. وقد شكل طوفان الأقصى صدمة كبيرة للشعب اليهودي، وأصبح لا يؤمن بنظرية الردع وجيش الدفاع الذي لا يقهر، لذلك هو حريص على سلامته وإيجاد مخارجًا للهروب.

ولفت الملكاوي إلى أن انعكاسات الحرب الأهلية على غزة من وجهة نظر الساسة الإسرائيليين تقوم على تشجيع الاستمرار في القتل والتدمير والإبادة، لاستمرار خلق أزمة جديدة للعمل بقاعدة إدارة الأزمة. ولكن قدرة حماس على استمرار القتال وتكبيد العدو خسائر بشرية ومادية ستقود الداخل الإسرائيلي إلى الوقوف ضد حكومته، خاصة أن إسرائيل لا تستطيع تحمل الكلف البشرية ولم تعتد على حرب طويلة. وقد قدمت غزة مشهدًا لم يسبق له مثيل في التاريخ العسكري، ودمرت هذه الحرب هيبة إسرائيل وقدرات جيشها المزعومة، كما أسقطت أيضًا قوة وهيبة الولايات المتحدة التي تعد شريكًا أساسيًا في الحرب.

خلاصة القول: استمرار الحرب يسبب انقسامات أعمق

في ضوء تصاعد وتيرة العصيان المدني في اسرائيل ومطالبة السكان بوقف إطلاق النار والاتجاه نحو صفقة لتحرير الأسرى ، تبرز تساؤلات جادة حول مدى تأثير هذه الحرب على الاستقرار الداخلي في إسرائيل.

كما ان التحديات الداخلية، مثل التباين في الرؤى السياسية والاجتماعية، إلى جانب ردود الفعل العنيفة تجاه الحرب والتداعيات الاقتصادية، يمكن أن تسهم في تفاقم الأوضاع وتزيد من احتمال حدوث انقسامات أعمق لدى الكيان الاسرائيلي.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version