نخبة بوست – شذى العودات
تعد السيادة الأردنية على الأجواء الجوية من أهم مظاهر السيادة الوطنية التي تعكس قدرة الدولة على التحكم والإشراف الكامل على أجوائها، وتؤكد استقلالها وسيادتها على أراضيها وحدودها.
منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية؛ كان للسيادة على المجال الجوي دورٌ محوري في تعزيز الأمن القومي والدفاع عن الحدود ضد أي تهديد خارجي.
بالإضافة إلى ذلك؛ تُعد السيطرة على المجال الجوي أساساً للتنمية الاقتصادية، حيث يرتبط ذلك بإدارة حركة الطيران المدني والتجاري، والذي يعد رافداً مهماً للاقتصاد الوطني.
ومن خلال القوانين والاتفاقيات الدولية، يسعى الأردن إلى حماية حقوقه الجوية وضمان استخدامها بشكل آمن وفعال، بما يتماشى مع تطلعاتها في تحقيق الاستقرار والازدهار على المستويين المحلي والإقليمي.
التصدي للاختراقات الخارجية
في ظل التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، جاء التصعيد الأخير المتمثل في الضربة الإيرانية على إسرائيل ليشكل نقطة تحول حاسمة في معادلات الصراع الإقليمي، اذ لم يكن هذا الهجوم مجرد استعراض للقوة العسكرية الإيرانية، بل كان رسالة جيوسياسية متعددة الأبعاد إلى دول المنطقة والعالم.
وبالنسبة للأردن، الذي يقع في قلب هذه المنطقة المضطربة، فإن مثل هذه التطورات تمثل تحديًا وجوديًا لأمنه القومي. فالأردن، الذي يتميز بموقع استراتيجي حساس، يجد نفسه اليوم أمام موجة من التحديات التي تتطلب تعزيزًا مستمرًا لقدراته الدفاعية، خاصة في مجال السيادة الجوية.
وفي هذا السياق؛ بات من الضروري أن يستثمر الأردن في تقنيات الدفاع الجوي الحديثة ويعزز تعاونه الدولي والإقليمي لمواجهة هذه التحديات المتزايدة.
ومع تصاعد التهديدات في المنطقة، أصبح الحفاظ على هذه السيادة أمرًا لا يقبل التهاون، ويجب أن يكون على رأس الأولويات الوطنية.
السيادة الجوية الأردنية: السد المنيع أمام التهديدات الخارجية
وفي هذا السياق؛ أكد أنيس القاسم، خبير القانون الدولي أن الدول، بما فيها الأردن، تمتلك السيادة الكاملة على أجوائها ومياهها الإقليمية، بما في ذلك المياه التي تمتد إلى 12 ميلًا بحريًا من الشاطئ وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
وأوضح القاسم أن حماية هذه السيادة تُنظم من خلال القوانين الدولية، ولكن يجب أن تكون مدعومة بقدرات دفاعية تكنولوجية متطورة تتيح للدولة مراقبة مجالها الجوي والتعامل مع أي اختراقات محتملة، لافتا إلى أن الدول يمكنها فرض إجراءات أمنية خاصة لحماية أجوائها في ضوء التهديدات الأمنية العالمية، مستشهدًا بإجراءات الولايات المتحدة التي تفرض منطقة أمنية بامتداد 250 ميلًا بحريًا على طول ساحلها الشرقي، وتلزم جميع الطائرات بالتعريف عن نفسها قبل دخول تلك المنطقة.
وأشار القاسم إلى أن هذا النوع من الإجراءات يعكس كيفية تعامل الدول مع تهديدات أمنية معينة ضمن حدود سيادتها الجوية، وقد أصبح عرفًا دوليًا في حالات الطوارئ الأمنية.
وأكد القاسم أن الوضع الإقليمي المضطرب يشكل تهديدًا مباشرًا للسيادة الجوية الأردنية، حيث يمثل النزاع في سوريا على وجه الخصوص تحديًا أمنيًا معقدًا للأردن، حيث تقوم القوات الجوية الأردنية بمراقبة دقيقة للمجال الجوي الأردني، خاصة في ظل تزايد النشاط العسكري في سوريا، الذي قد يمتد تأثيره إلى المجال الجوي الأردني.
الطائرات بدون طيار: السلاح الجديد في ساحة الصراعات
من ناحية أخرى؛ يشكل التطور التكنولوجي العسكري، وخاصة في مجال الطائرات بدون طيار (الدرونز تحديات جديدة للأردن، إذ تتميز هذه الطائرات بقدرتها على تنفيذ عمليات هجومية واستطلاعية بكفاءة عالية، مما يجعل من الضروري تعزيز الدفاعات الجوية الأردنية لمواجهتها.
وفي هذا السياق، صرح الخبير العسكري اللواء مأمون أبو نوار بأن الطائرات بدون طيار تشكل خطرًا كبيرًا على السيادة الجوية الأردنية. وأشار أبو نوار إلى أن هذه الطائرات، التي تُستخدم في مهام استطلاعية أو هجومية، يمكن أن تنتهك المجال الجوي الأردني بسهولة إذا لم تكن هناك إجراءات رصد ودفاع متقدمة.
التهديدات السيبرانية: عدو خفي يهدد السيادة الجوية
وفي ظل الحديث عن التطورات التكنولوجية والتحديات المصاحبة لها، يواجه الأردن تهديدات سيبرانية متزايدة قد تعطل أنظمة الرادار والاتصالات الجوية، مما يجعل من الضروري مواكبة التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الدفاعات السيبرانية لضمان حماية الأجواء الوطنية.
وهنا، أكد الخبير العسكري اللواء د. مأمون أبو نوار أن التهديدات السيبرانية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التحديات التي تواجه السيادة الجوية، حيث إن التشويش على الرادارات وأنظمة الاتصالات الجوية قد يعطل القدرة على رصد الطائرات المخترقة أو تنظيم حركة الطيران بشكل آمن.
وأضاف أبو نوار أن هذه التهديدات السيبرانية تتطلب بناء قدرات متقدمة في مجال الأمن السيبراني، تشمل تطوير أنظمة دفاعية قادرة على التصدي لهجمات التشويش الإلكتروني وحماية البنية التحتية الحيوية للمجال الجوي. وتشمل هذه الجهود تدريب كوادر متخصصة في مجال الأمن السيبراني والتعاون مع الدول الشريكة لتبادل الخبرات وأحدث التقنيات.
وشدد أبو نوار على أن التكامل بين الدفاعات الجوية التقليدية والدفاعات السيبرانية أصبح ضرورة ملحة في ضوء تزايد تعقيدات الهجمات الحديثة.
الدعم الدولي والتعاون الإقليمي
على صعيد متصل، يُعد التعاون الدولي والإقليمي عنصرًا حاسمًا في تعزيز وحماية الأجواء الأردنية، اذ يحتفظ الأردن بعلاقات استراتيجية مع عدد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، التي تمتلك قواعد عسكرية في الأردن لدعم قدراته الدفاعية. يشكل هذا التعاون جزءًا من الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أكد أبو نوار أن الأردن يعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي لتعزيز قدراته الدفاعية الجوية، خاصة في ظل التحديات المالية التي تواجه المملكة.
وأشار إلى أن سلاح الجو الأردني يُعد مكلفًا للغاية بالنسبة لميزانية الدولة، مما يجعل الدعم الدولي، سواء من خلال التحالفات أو الاتفاقيات الثنائية، ضروريًا للحفاظ على قدرات الدفاع الجوي الأردني.
وقال: “إن هذا التعاون الدولي لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل يمتد ليشمل تبادل المعلومات والتكنولوجيا وتدريب الكوادر، مما يساهم في بناء قدرات مستدامة تمكن الأردن من مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة”.
خلاصة القول: الحفاظ على السيادة الجوية الاردنية .. خط أحمر
يعتير الحفاظ على السيادة الجوية “خط أحمر” لا يمكن التهاون فيه بالنسبة للأردن، فالتهديدات الإقليمية والتكنولوجية المتزايدة تفرض على المملكة تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل مستمر، وضمان أن تكون جاهزيتها الدفاعية في أعلى مستوياتها.
ويتحقق ذلك من خلال تطوير بنيتها التحتية العسكرية، وتوسيع تعاونها مع الحلفاء الدوليين، حيث يسعى الأردن لضمان قدرته على التصدي لأي تهديدات مستقبلية وحماية سيادته الجوية بكل حزم وصرامة.