نخبة بوست – أماني الخماش
ستجرى غدا الانتخابات النيابية لاختيار أعضاء مجلس النواب العشرين، ومع ازدياد أعداد النساء المشاركات كناخبات ومرشحات، تثار نقاشات حول عمق هذه المشاركة وتأثيرها على نوعية الأداء البرلماني.
ولعل السؤال الأبرز هنا: هل تعكس هذه الأرقام المتزايدة تحسناً في مستوى التمكين السياسي للمرأة، أم أنها مجرد مؤشرات رقمية لا تترجم إلى تأثير فعلي في الحياة التشريعية والسياسية؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام تحليل أعمق لمفهوم التمكين السياسي للمرأة الأردنية بين الكم والنوع، ومدى تأثيره الفعلي في صنع القرار والتشريع.
انتخابات 2024 ضمن قالب جديد
تنعقد انتخابات 2024 النيابية ضمن إطار قانوني جديد خصص ما نسبته 20% من تشكيلات الأحزاب والقوائم الانتخابية لصالح المرأة.
وبمبدأ التدرج، يتزامن ارتفاع نسبة تشكيل الأحزاب في المجالس البرلمانية القادمة مع زيادة نسبة المقاعد المخصصة للمرأة الحزبية على مدار السنوات العشر المقبلة، حيث من المتوقع أن تصل نسبة مشاركة الأحزاب في البرلمان من 30% إلى 50%، ما سيؤدي بدوره إلى تعزيز حضور المرأة تحت قبة البرلمان.
مشاركة المرأة السياسية “محفوفة” بالتحديات
من الناحية القانونية؛ كفل الدستور الأردني ضمانات قانونية تعزز من مشاركة المرأة في المشهد السياسي، حيث ارتفعت حصة النساء إلى 18 مقعداً في المجلس النيابي، إلا أن مشهد المشاركة السياسية للمرأة لا يزال محفوفاً بالتحديات التي تعيق المرأة، بشكل أو بآخر، من الوصول إلى المكانة التي كفلها لها القانون كحق من حقوقها المدنية والسياسية.
وتختلف هذه التحديات في طبيعتها وآلياتها، فبعض العوائق تحمل صبغة اجتماعية وثقافية، إذ لا تزال بعض العقليات ترفض تولي المرأة مناصب قيادية أو أن تكون في مواقع صنع القرار السياسي والتشريعي، وهناك أيضاً تحديات اقتصادية تتعلق بتمويل الدعاية الانتخابية.
أبو حسان: يجب أن لا تقبل المرأة بأن تكون مشاركتها الحزبية “ديكور”
في هذا الصدد، بينت وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة والقانونية ريم أبو حسان أن تشريعات التحديث السياسي المتمثلة في قانوني الانتخاب والأحزاب جاءت لصالح المرأة، إذ ألزم قانون الأحزاب أن تكون نسبة 20% من تشكيلات الأحزاب من النساء. وبحسب آخر الإحصائيات، تبيّن أن المرأة تشكل 44.6% من مجموع المنتمين إلى الأحزاب، منهن 43.9% شابات، وهناك ارتفاع في النوع وليس الكم فقط.
وأوضحت أبو حسان أن الوقت قد حان لمطالبة المرأة ومفاوضة الحزب الذي تنتمي إليه بموقع قيادي داخل كوادره، يتناسب مع خبراتها ومعارفها التي يحتاجها المجتمع، لتتمكن من تقديم أفضل ما لديها، ومن هذا المنطلق، يجب أن لا تقبل بأن تكون مجرد ديكور شكلي في الحزب.
وفيما يتعلق بحضور المرأة الفعّال وقدرتها على إحداث التغيير، بينت أبو حسان أن المرأة لديها من المهارات والخبرات الفنية والتجارب الحياتية ما يجعلها قادرة على إحداث التغيير. والآن، الفرصة أمامها مفتوحة عقب التحديث السياسي، خاصة أن الدعم لدور المرأة يأتي من القيادة السياسية العليا، فضلًا عن الدعم الصريح في الدستور والتشريعات. والمطلوب الآن من المرأة أن تبادر بوضع حلول خلاقة تنطلق مما تمتلكه من علم ومعرفة.
وأشارت أبو حسان إلى أن المرأة قادرة على المشاركة الإيجابية التي تجمع بين دورها في الأسرة والعمل، وتوازن بين تحديات الحياة اليومية. وتحت مظلة التشريع والتوجه السياسي، تقترح المرأة وتبادر، فهذه المعطيات تصب لصالحها. ويُطلب منها كمواطنة المشاركة في الانتخابات، ويُطلب منها كنائبة أن تؤدي الأمانة باقتدار وتحقق المصلحة الفضلى لمن آمن بها وانتخبها.
وأوضحت أن هناك العديد من التحديات، أبرزها نقص الأموال اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية، بالإضافة إلى بند ضرورة الاستقالة من العمل العام. كما أن هناك حالات تُفرض فيها يمين الطلاق لانتخاب مرشح معين، فضلًا عن تعرض المرأة للعنف والتمييز، خصوصًا العنف الإلكتروني. وقد عالجت النصوص القانونية والإجراءات التنفيذية بعض هذه التحديات، إلا أنه يجب إيجاد حلول على مختلف المستويات لمكافحتها.
الحياري: مشاركة المرأة السياسية يجب أن تُحكم بالكفاءة والنوعية والعدالة والمساواة
من جهتها، أوضحت الكاتبة والمحللة السياسية د. روان الحياري أن المرأة نفسها وأداؤها السياسي في المؤسسات المختلفة هما من يحددان ما إذا كانت مشاركتها في الأحزاب مجرد مشاركة كمية أم نوعية، وعند الحديث عن المرأة، فإننا نتحدث عن إنسان ومواطن، سواء كان رجلًا أو امرأة، مما يعني حقوق إنسانية ومواطنة. ومشاركة المرأة السياسية يجب أن تُحكم بالكفاءة والنوعية والعدالة والمساواة.
وأعربت حياري عن تفاؤلها بحضور سياسيين متميزين في العمل الحزبي بعد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما تبعها من تعديلات دستورية وقوانين الانتخاب والأحزاب التي تدعم وتعزز وجود المرأة في العمل الحزبي. وعلى الرغم من التحديات، فإن هذه التجربة تشكل فرصة هامة وغير مسبوقة.
وفيما يتعلق بالمعيقات التي تحد من تمكين المرأة سياسيًا، أشارت الحياري إلى أن من يؤمن بالتغيير قادر على صنعه، وبالرغم من وجود القوانين الداعمة، إلا أنها وحدها لا تكفي، فالتحسين في الثقافة السياسية لمجتمعنا يعتبر رديفًا أساسيًا للقوانين.
كشت: مرصد “شابات” رصد العديد من الممارسات التي تعيق تأثير النساء داخل الأحزاب
وفي السياق ذاته، بينت المديرة العامة لمؤسسة “شابات” لتمكين المرأة سياسيًا، منال كشت، أن مشاركة المرأة في الأحزاب تختلف بين الكمية والنوعية، حيث يختلف المشهد بناءً على آلية تشكيل وعمل الحزب ومستوى التأثير المتاح للنساء في قيادته. ففي بعض الحالات، قد تكون المشاركة كمية فقط دون تأثير يُذكر بسبب آليات تشكيل الأحزاب وفق القانون. ولكن هناك أمثلة على مشاركة نوعية، حيث تساهم النساء بفعالية في صنع القرارات وتوجيه السياسات الحزبية.
وفيما يتعلق بحضور المرأة في الأحزاب، أوضحت كشت أن هذا الحضور يتجلى بعدة تأثيرات على العمل الحزبي، أبرزها تنوع الأفكار والسياسات، حيث إن إدماج المرأة يعزز من تنوع الرؤى ويثري النقاشات، مما يؤدي إلى تطوير سياسات أكثر شمولًا. كما أن وجود المرأة يسهم في زيادة تمثيل القضايا التي تهم النساء، مما يعزز التوازن بين الجنسين.
وأشارت كشت إلى أن حضور المرأة في الأحزاب يعزز المصداقية، فالأحزاب التي تلتزم بإدماج النساء تكتسب مصداقية أكبر وتحقق قبولًا أوسع في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، قد تجذب مشاركة المرأة مزيدًا من الناخبين، مما يعزز قدرة الحزب على الحصول على أصوات متنوعة، ويزيد من فعالية الأحزاب وشموليتها.
وأكدت كشت أن المرأة الحزبية الأردنية يمكن أن تسهم في صنع التغيير، خاصة إذا أتيحت لها الفرصة للمشاركة في صنع القرار وقيادة الحزب. ويعتمد تأثيرها على عدة عوامل، منها التمكين والدعم داخل الحزب، بالإضافة إلى التدريب واكتساب الخبرة السياسية التي تعزز من قدراتها القيادية.
وبيّنت كشت أن المرأة في الأحزاب الأردنية تواجه تحديات عديدة، من أبرزها القيود الثقافية والاجتماعية وصعوبة تغيير المواقف التقليدية تجاه دور المرأة السياسي، بالإضافة إلى التمثيل المحدود في المناصب القيادية أو المراكز المؤثرة في الحزب.
وأشارت إلى أن مرصد “شابات” رصد العديد من الممارسات التي تعيق تأثير النساء داخل الأحزاب، مثل إقصائهن من المشاركة في اتخاذ القرارات وتجاهل آرائهن، واستبعادهن من القوائم الانتخابية. كما يتعرضن للتهكم والضغوط الاجتماعية التي تحاول ثنيهن عن المشاركة في الأحزاب، بالإضافة إلى تفضيل مرشحي العشيرة من الرجال على النساء. كما أن العنف الإلكتروني قد يؤثر سلبًا على ثقة النساء بأنفسهن وقدرتهن على المشاركة الفاعلة.
خلاصة القول
تبقى التساؤلات مطروحة بانتظار ما ستكشفه نتائج انتخابات يوم غد، حيث سيتضح ما إذا كان المجتمع قد تطور بما يكفي لدعم المرأة وتذليل العقبات أمامها للوصول إلى مواقع صنع القرار، أم أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لترسيخ قواعد شعبية تؤمن بأهمية حضور المرأة تحت قبة البرلمان.