* ماذا يعني أن يختار 45 في المائة من المواطنين الإخوان المسلمين؟

* نجحت الجماعة الـ”سوفت وير” وليس الجماعة الـ”هارد وير”

* يبدأ الإصلاح بالتحول من الميكروفون إلى التراكتور، وليس غير ذلك من درس للانتخابات النيابية أو هذا هو الدرس الأول

* الإخوان المسلمون أنفسهم بعثوا رسالة صريحة وواضحة أن حزب الجبهة هو مؤسسة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا يملك من أمره شيئا سوى ما تمليه عليه الجماعة

* الحقيقة المرة؛ أن تشكيل الأحزاب السياسية والتعيين في المناصب والوظائف وتوزيع الميزانية والإنفاق العام وإدارة الضرائب والإعفاءات والامتيازات والتسهيلات مصممة لتهميش الطبقات وتحميلها العبء الأكبر من الضرائب والإهمال

* الإخوان المسلمون لن يحملوا هموم الطبقات الوسطى والفقيرة ولن يساعدوها بشيء يذكر، ويعرف المواطنون ذلك جيدا، لكنهم يعبرون عن غضبهم واحتجاجهم على الفشل والاحتكار والإهمال والتهميش

* يعرف المواطنون أن الترشيح للانتخابات النيابية عبر الأحزاب كان مزادا “مقرفا” تشير إليه التسريبات والأسماء والسلوك الانتخابي

نخبة بوست – كتب: إبراهيم غرايبة

فاجأت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي المراقبين والمشاركين في العملية السياسية بمن فيهم الإخوان المسلمون الذين حصلوا على أكبر حصة من أصوات الناخبين للقائمة الوطنية إضافة إلى حصة كبيرة من أصوات الدوائر والمحافظات. إن الانتخابات كمقياس لإرادة الأمة تقدر الدوافع الغامضة والظاهرة والمعترف بها وغير المعترف بها والتي تحرك الأفراد والمجتمعات وعلى نحو يختلف عما تكشف عنه الاستطلاعات والمؤشرات الظاهرة؛ ذلك أن الفكرة الباطنة العميقة والتي تصمم أو تحدد السلوك المتعين والظاهر أعقد بكثير من إمكانية قياسها أو إدراكها أو حتى وعيها ذاتيا أو الاعتراف بها.

(الانتخابات) رسالة مهمة تساعدنا في تقييم التجربة الماضية القريبة والبعيدة، وفي النظر والتقدير للسنوات القادمة. أو الإجابة على السؤال البسيط والبديهي؛ ماذا يريد الأردنيون وماذا لا يريدون؟


لقد اختارت كتلة وازنة من المواطنين الإخوان المسلمين، وبودي أن أقول حزب جبهة العمل الإسلامي لكن الإخوان المسلمين أنفسهم بعثوا رسالة صريحة وواضحة أن حزب الجبهة هو مؤسسة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا يملك من أمره شيئا سوى ما تمليه عليه الجماعة، وليست هذه الإشارة مدحا أو انتقادا للجماعة والحزب، لكنها حقيقة بالغة الأهمية والدلالة في التقدير؛ المواطنون وكذلك الإخوان المسلمون أنفسهم يثقون بالجماعة وليس بحزبها، ولم يكن الحزب سوى استجابة قانونية شكلية؛ أما الجماعة فهي الأصل. لكن هل من فرق بين الجماعة والحزب؟ لماذا يكون الأخ المسلم موثوقا لدى الناس ولدى نفسه بصفته “أخ مسلم” وليس هو نفسه عندما يوصف أنه عضو حزب جبهة العمل الإسلامي؟

بقيت الجماعة بصفتها جماعة إسلامية وليست حزبا سياسيا إسلاميا لم يؤثر فيها انتزاع جمعية المركز الإسلامي منها وخسارتها لجامعة الزرقاء، ثم خروج أعداد كبيرة من أعضائها لتشكل جماعة بديلة وأحزابا سياسية أخرى مستقلة

لقد بقيت الجماعة بصفتها جماعة إسلامية وليست حزبا سياسيا إسلاميا تحمل فكرة لدى الناس ولدى أتباعها، لم تؤثر فيها كما كان المحللون يتسرعون بتقديمه بداهة ومن غير دليل انتزاع جمعية المركز الإسلامي منها وخسارتها لجامعة الزرقاء، ثم خروج أعداد كبيرة من أعضائها لتشكل جماعة بديلة وأحزابا سياسية أخرى مستقلة عنها وعن حزب جبهة العمل الإسلامي، وفقدانها الحضور والتأثير في المساجد ووزارة الأوقاف والتربية والتعليم، (وإن بقيت مؤثرة في نقابة المعلمين) ولم يتغير اعتبارها الواقعي عندما اعتبرت جماعة غير قانونية أو غير مسجلة لدى الحكومة. بل ربما اكتسبت مزيدا من الحضور والتأييد عندما خسرت ما كان يوصف بأذرع الجماعة.

الغرايبة يكتب: مجلس النواب العشرون؛ ماذا يريد الأردنيون وماذا لا يريدون؟

ثمة إجابات وتفسيرات مباشرة لا تخلو من الصحة، مثل جاذبية “الإسلامية” والتدين والتنظيم المحكم المتماسك والتاريخ الطويل والموارد المالية والمهارات التنظيمية والإمكانيات المتعددة والتحالفات العشائرية والمناطقية؛ لكنها مقولات ليست كافية وإن كانت صحيحة، وربما ليست ذات أهمية قياسا للأسباب الحقيقة غير المُدرَكة أو غير المعترف بها أو التي ندركها ونعترف بها في عقلنا الباطن أو وعينا المكبوح، الـ “نا” هنا هي جميع مكونات الأمة المؤسسية والفردية والجماعية بمن فيها جماعة الإخوان المسلمين. هي مقولات (المخفية أو غير المعترف بها) ليست من الناحية القانونية أو السياسية خطيرة أو محظورة على البوح بها، لكنها في الحقيقة وعلى نحو ما خطيرة ومحظورة.

القوة العميقة وذات الجاذبية لجماعة الإخوان المسلمين هي “الطبقة الوسطى” الاحتجاج الكبير والصوت الصارخ في البرية الأردنية هو الطبقة الوسطى، والصراع الحقيقي في مكونات الأمة هو بين النخب والقلة الاحتكارية وبين المجتمعات والطبقات والأغلبية


إن القوة العميقة وذات الجاذبية لجماعة الإخوان المسلمين هي “الطبقة الوسطى” الاحتجاج الكبير والصوت الصارخ في البرية الأردنية هو الطبقة الوسطى، والصراع الحقيقي في مكونات الأمة هو بين النخب والقلة الأوليغارشية (الاحتكارية) وبين المجتمعات والطبقات والأغلبية التي برغم مهاراتها التعليمية والمعرفية وسعة اطلاعها وتواصلها مع العالم تعيش حالة من التهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتتحمل النسبة الكبرى من الضرائب، ولا تملك فرصة للتعبير عن نفسها ولتنظيم نفسها وفق مصالحها وأهدافها وأن تشارك في المجال العمومي وتدير مدنها ومؤسساتها وخدماتها.

الحقيقة المرة التي لا يستمع إليها أن تشكيل الأحزاب السياسية والتعيين في المناصب والوظائف وتوزيع الميزانية والإنفاق العام وإدارة الضرائب والإعفاءات والامتيازات والتسهيلات مصممة لتهميش الطبقات وتحميلها العبء الأكبر من الضرائب والإهمال والحرمان من منافع التنمية والخدمات والموازنة والموارد، وليس عنا ببعيد ذلك القرار الضريبي الأخير الذي اتخذته الحكومة مستهدفة متوسطي الحال بمزيد من الأعباء والإذلال.

أين موقع المزارعين والمعلمين والمهندسين والعاملين في النقل العام وموظفي القطاع العام والخاص والبلديات ومجالس اللامركزية والنقابات المهنية والعمالية في فرص التنمية والخدمات والمشاركة السياسية والاجتماعية؟ ما حال الخدمات الأساسية المفترض أن تؤديها الدولة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والنقل والسكن؟ ما فرض الشباب الحقيقية حتى عندما يجدون عملا أن يحصلوا على مستوى كريم من المعيشة؟ ما حال التنمية الإنسانية (الكرامة والعدالة والتعليم والصحة والغذاء والسكن والتكامل الاجتماعي) وأين كانت وأين وصلت وإلى أين تمضي؟ لماذا يغامر المواطنون بالهجرة إلى المجهول مفضلين هذا المجهول الغامض المخيف على هذا الواقع المتعين والمعيش؟

مرجح إن لم يكن مؤكدا أن الإخوان المسلمين لن يحملوا هموم الطبقات الوسطى والفقيرة ولن يساعدوها بشيء يذكر، ويعرف المواطنون ذلك جيدا، لكنهم يعبرون عن غضبهم واحتجاجهم على الفشل والاحتكار والإهمال والتهميش.

يعرف المواطنون أن الأحزاب السياسية جميعها لم تجتذب المجتمعات والطبقات والمصالح الاجتماعية الاقتصادية المتوسطة والصغيرة؛ مثل المزارعين والمعلمين والمصالح الصغيرة والمتوسطة والنقل العام، وقضايا القروض والديون وتسلط البنوك وشركات الاتصالات والتأمين، وحقوق العمال في القطاع العام والقطاع الخاص، وقوانين وتشريعات الضرائب والعمل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وفرص السكن والتعبير والمشاركة الاجتماعية والثقافية، ويعرفون أيضا أن الترشيح للانتخابات النيابية عبر الأحزاب كان مزادا “مقرفا” تشير إليه التسريبات والأسماء والسلوك الانتخابي.

الاستجابة الصحيحة لإرادة الأمة ممكنة ومقدور عليها في حدود الموارد والقرار والاتجاهات وليست تحتاج إلى تكاليف إضافية ولا ثورة إدارية أو سياسية أو تشريعية أو إصلاحية، ليس سوى إرادة حقيقية ونية حسنة للإصلاح؛ ليس سوى إدارة عادلة وكفؤة للموارد والضرائب، ثم توزيعها بعدالة وكفاءة


وتمكين المواطنين من المشاركة الاقتصادية والملكية في الموارد والأراضي والمياه والمؤسسات الاقتصادية الكبرى والمتوسطة والبنوك، وتمكين الشباب من المشاركة الاجتماعية والرياضية والثقافية والتطوعية، ووقف واسترجاع كل اعتداء أو تسلط على الموارد العامة، الحدائق التي حولت إلى امتيازات وأسواق تجارية فاشلة أو معزولة برغم انها اقتطعت من أراضي المواطنين، والأرصفة والشوارع التي تحولت إلى ملكيات خاصة، والتعدي على الارتدادات وخنق الفضاء العام والمجالس البلدية واللامركزية والنقابية التي خنقت أو أضعفت وهمشت، وتوزيع الموارد والملكيات والمساهمات والمنافع والأراضي توزيعا عادلا، على سبيل المثال حوض الديسي والأراضي الزراعية والبوادي والجبال التي يحرم المواطنون منها وتمنح ملكيات كبيرة وهائلة لمتنفذين وغرباء؛ يمكن أن تكون مصدرا لحياة نسبة كبرى من المواطنين لم يعودوا يملكون ما يزرعونه او يبنون فيه مسكنا.

يا جماعة الخير كيف يكون ثمن الأرض أو العقار في دول أوروبية أو أخرى ناجحة اقتصاديا أقل من ربع أو خمس ثمنه في الأردن؟ من يملك الماء والكهرباء والطاقة المتجددة والبنوك وشركات الاتصالات والتأمين؟ وما دورها في التشغيل وما عائدها على المواطنين

باختصار ووضوح؛ النجاح هو “الجميع” والفشل هو “الاستثناء”، أي مشروع سياسي او اقتصادي أو اجتماعي أو سياسة في التوظيف والاختيار للفرص والعطاءات وتوزيع المنح الخارجية هو ناجح أو فاشل بقدر الشمول أو الاستثناء في المنفعة والمشاركة والملكية للمواطنين. من يستفيد منها ذلك ومن لا يستفيد، ولا معنى بعد ذلك أن يتاح للمواطنين أن يسجلوا في الأحزاب السياسية.

المواطنون يبحثون عن الحياة الكريمة، العدالة ومستوى المعيشة الجيد والتعليم والصحة والسكن والمواصلات، والدولة تقدم لهم أحزابا سياسية تخلو من المعنى والجدوى، وتقدم للقيادة الاجتماعية والإدارية أشخاصا لم يعرفهم المواطنون برغم السنوات الطويلة في الخدمة العامة، الموظف والمسؤول والنقابي والناشط الذي لا يتحول إلى قائد اجتماعي بعد سنة واحدة على الأكثر من شغله لموقعه على النحو الذي يمكن قياسه بفرصته في النجاح في انتخابات عامة يجب أن يخلي مكانه.

من يعرف اليوم الوزراء والأعيان والسفراء والمحافظين وكبار الموظفين أو يلاحظ أثرا اجتماعيا لهم؟ ما الأهمية والدور الاجتماعي الذي قدمته الشركات والهيئات الاجتماعية والاقتصادية والمتلقية للمنح الخارجية؟

يبدأ الإصلاح بالتحول من الميكروفون إلى التراكتور، وليس غير ذلك من درس للانتخابات النيابية أو هذا هو الدرس الأول.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version