نخبة بوسترولا ابو رمان

لم يتوقع أغلب أنصار التيارات اليسارية والمدنية النتائج التي تحققت في الانتخابات النيابية 2024، ولا حتى خصومهم؛ فقد كانت نتائج القوائم مجتمعة صفرًا في القوائم العامة، ومقعدًا مدنيًا وحيدًا في الدوائر المحلية.

هذه النتائج تدفع للسؤال، هل هي إعلان نهاية هذه التيارات العريقة، أم أنها مجرد أخطاء في الحسابات الإدارية الانتخابية أو الحزبية بشكل عام؛ وهل يمكن لاحقًا إصلاح ما يمكن إصلاحه من خلال الدمج وإعادة الترتيب.

الدعجة: أفكار التيارات اليسارية “دخيلة” على المجتمع الأردني

وفي رده على السؤال الذي طرحته “نخبة بوست”، أرجع النائب السابق د. هايل الدعجة الآداء المخيب لآمال أنصار التيارات اليسارية والمدنية إلى الأفكار والقيم والأجندات التي تحملها هذه التيارات، والتي تتناقض مع طبيعة المجتمع الأردني “المحافظ” وخصوصيته وهويته، مشيرا إلى أن البعض قد يعتبرها محاولات لتفكيك الجوامع الوطنية التي نسجت الخصوصية الأردنية، والمس بالثوابت الأردنية، وعلى وجه التحديد القضية الفلسطينية.

وأضاف الدعجة أن موقف هذه التيارات من بعض التشريعات والقوانين دفع البعض إلى وصف مواقفها وأفكارها بأنها “دخيلة” على منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية الأردنية، لا سيما موقفها من قانون الأحوال الشخصية، وقانون الطفل، والهوية الوطنية الجامعة، والحديث عن العقد الاجتماعي الجديد، وما تبع ذلك من تعليقات وردود أفعال شعبية معارضة وغاضبة.

وأشار الدعجة إلى أن الشارع الأردني (المحافظ) عبر عن رفضه لأفكار هذه التيارات من خلال معاقبتها في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات، والتي اعتُبرت فرصة للرد على أفكارها التي وُصفت “بالدخيلة”، لافتا إلى أن الشارع الأردني اعترض على تعيين شخصيات من هذه التيارات في مواقع وظيفية بالدولة خلال فترات سابقة.

هذا الخلاف أدى إلى خوض اليسار الانتخابات في قوائم متفرقة بدلاً من قائمة موحدة يمكن حشد الأصوات لها، مما أدى إلى تشتت الأصوات بين القوائم

الخطيب: حجم الأوراق البيضاء دلالة على عدم تقبل الأحزاب

نتائج اليسار والمدني؛ تراجع في الفكر أم سوء تخطيط؟

بدوره، قال مفوض قائمة “طريقنا” رائد الخطيب إن الأسباب المباشرة لهذا الفشل تعود إلى عدم تشكيل اليسار قائمة واحدة، بالإضافة إلى تدخل جهات وعوامل مختلفة لإفشال أي ائتلاف يساري، مما أدى إلى عزوف شريحة كبيرة عن التصويت لأي من القائمتين.

وأضاف الخطيب أن قائمة “طريقنا” حاولت النزول إلى الشارع بخطابها من خلال برنامجها الانتخابي، مبتعدةً عن الخطاب النخبوي المعتاد (مع أن بعض النخب ما زالت تمارس نوعاً من الفوقية)، بطرح مشروع حلول في الجانب السياسي ومحاكاة معظم القطاعات التي تهم كل بيت أردني. وتضمن البرنامج حلولاً في مجالات الصحة والتعليم والنقل والطاقة والفقر، بالإضافة إلى موضوعات الحريات العامة، التي لاقت ترحيباً واسعاً رغم قصر مدة الحملة الانتخابية والإمكانيات المادية المحدودة.

عملية قبول التعددية الحزبية ليست بمثابة “مسح للذاكرة”، إذ أن تخوين الأحزاب الوطنية التاريخية وتحريمها تركا أثراً سلبياً على قبول المواطن للحياة الحزبية، ويُستدل على ذلك بالحجم الكبير للأوراق البيضاء في صناديق الاقتراع

وأشار الخطيب إلى أن العامل الآخر، رغم وجود خطاب تحديث سياسي، هو بقاء المؤسسات الرسمية على نفس العقلية الماضوية والعرفية في محاربة اليسار، وهو ما استمر لأكثر من سبعين عاماً، وأضاف أن قصر عمر عملية التحديث السياسي (عامين فقط) كان له تأثير سلبي.

وقال الخطيب إنه من المؤسف أن بعض هذا الخطاب التخويني كان يصدر عن أمناء عامين لأحزاب قريبة أو محسوبة على مؤسسات الدولة، وأحياناً من كتّاب الرأي.

وبيّن الخطيب أن الناخب الأردني قد تأثر على مدى أكثر من ثلاثين عاماً بالهندسة الانتخابية التي أضعفت توجه ناخبي اليسار نحو صناديق الاقتراع. كما ساهمت الممارسات شبه الرسمية في توزيع مقاعد البرلمان على بعض الأحزاب، بالإضافة إلى التوقعات شبه الرسمية التي أثرت سلباً على خيارات الناخبين، سواء بضمان الفوز أو الخسارة.

وذكر الخطيب أن جميع هذه العوامل، إلى جانب المال السياسي (الأسود) الذي تضخم في الانتخابات الأخيرة، ساهمت في ضعف نسبة التصويت، وخاصةً بين شريحة ناخبي اليسار، الذين يمثلون في الأساس جمهوراً غاضباً. كما أشار إلى أن الأحزاب اليسارية لا تستطيع مبدئياً ممارسة المال السياسي.

قائمة جبهة العمل الإسلامي استفادت بشكل كبير من استغلال الأحداث الجارية في غزة، حيث خلطت بين المشاعر الوطنية والدينية، وهو ما يشكل بيئة مثالية لجماعة الإخوان المسلمين

وأوضح أن “طوفان الأقصى” لعب دوراً كبيراً في انتصار قائمة “جبهة العمل الإسلامي”، إذ جاءت النتائج كتداعيات للصراع مع الكيان الصهيوني وليس بناءً على جهودها في المنطقة.

وفيما يتعلق بتأثر التيار المدني بهذه التداعيات، أشار الخطيب إلى أن ارتباط التيار بالوكالات الدولية، التي تروج شعارات مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير، أدى إلى فقدان التيار جزءاً كبيراً من المصوتين. فقد باتت هذه الشعارات تُمارَس بعنصرية خالصة في بعض الأحيان، مما أثر سلباً على التيار.

واختتم الخطيب حديثه بالإشارة إلى أن كل هذه العوامل كان لها تداعيات لم يُدركها القائمون على التيار، الذين تعاملوا بفوقية خلال مباحثات تشكيل الأحزاب الستة، ولم يحللوا جيداً تطورات الأحداث الإقليمية واعتمدوا على دعم بعض المؤسسات الرسمية.

البستنجي: المبالغة في النخبويات تسببت بأزمة اليسار والمدني

وفي هذا الصدد، أكد خبير الشؤون السياسية ضرار البستنجي أن أزمة اليسار والتيار المدني ليست منفصلة عن أزمة القوى التقليدية والأيديولوجية والأحزاب القومية واليسارية، وهي أزمة قديمة مستمرة منذ أعوام.

وأوضح البستنجي أن من أسباب أزمة اليسار، وبخاصة التيار المدني، هو المبالغة في النخبويات، لا سيما في الملفات الجدلية، مما أثر سلباً على تقديم رؤى وآراء منطقية وبرامج عمل تعالج القضايا الحساسة.

وأضاف البستنجي أن التيار المدني، أكثر من التيار اليساري، حصل على بعض الدلال الرسمي، ومع ذلك لم يمنع ذلك تعرضه لحملات تشويه ممنهجة وكبيرة، لكنه عجز عن مواجهتها كما ينبغي، نظراً لعدم وجود عمل حقيقي في الميدان.

التيارات الأيديولوجية تعاني من خلل في فهم تطورات الوعي الجمعي الأردني والعمل السياسي في البلاد، لذا يجب مراجعة الخطاب وسبل الانتشار، حيث يتعين على هذه التيارات الوصول إلى مختلف الطبقات الاجتماعية وإيجاد بيئة تقدمية تتسم بالثقافة والوعي

كما دعا إلى ضرورة قراءة ما بعد النتائج قراءة عميقة، مشيراً إلى أن هناك فرصة حقيقية لمن يريد الاشتباك مع العمل السياسي ومسارات الإصلاح والتحديث، رغم التحديات الداخلية والإقليمية والدولية المتزايدة.

واختتم البستنجي حديثه بالقول إن ما تمتلكه “جماعة الإخوان المسلمين” من عناصر قوة، مثل الحشود والتحالفات والخطابات التي تلامس الشارع الأردني، لا يختلف عليه أحد. فهم يجيدون التغلغل بين فئة الشباب والانخراط في الجامعات والأحياء الصغيرة لاستقطاب الناخبين.

وأضاف أن الإخوان المسلمين تمكنوا من إيصال أفكارهم بشكل واضح للمواطنين، وهو ما لم يكن موجوداً في بقية الأحزاب.

وأوضح أن استحواذ “جبهة العمل الإسلامي” على المقاعد الحزبية في الانتخابات النيابية يُعزى إلى أقدمية الحزب، مقارنة ببقية الأحزاب التي هي حديثة العهد ولم تثبت بعد أقدامها في الساحة الأردنية.

وأشار إلى أن التيارات اليسارية والديمقراطية ما زالت بعيدة عن هذه التركيبة، ولم تتمكن من جذب الشباب أو تشكيل تحالفات مشتركة، مما أدى إلى تشتت الأصوات.

الخلاصة: إعادة ترتيب الأوراق؛ ضرورة حتمية لبقاء الأحزاب

يبدو أن الانتخابات الأردنية الحالية، بكل ما رافقها من ظروف إقليمية ومحلية كالحرب على غزة، قد صبت في صالح الإخوان المسلمين؛ مما مكنهم من الظفر بغالبية المقاعد الحزبية في المجلس العشرين، متفوقين بذلك على باقي الأحزاب.

وفي الختام، يرى المراقبون أن هذه التيارات بحاجة إلى إعادة النظر في خطابها وأفكارها وتحالفاتها، بحيث تتواءم مع تركيبة المجتمع الأردني، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة والشباب.

يذكر أن حزب “جبهة العمل الإسلامي“، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين؛ حاز مرشحوها 31 مقعدًا حزبيا أي بنسبة 22% من أعضاء المجلس النيابي فيما وزعت باقي المقاعد الحزبية على باقي الاحزاب.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version