نخبة بوست – حماده أبو نجمة

يكاد لا يخلو بيان أي حكومة جديدة لطلب الثقة من مجلس النواب من موضوع البطالة كأحد أهم التحديات التي ستعمل على مواجهتها، لكننا للأسف لا نرى انعكاسا حقيقيا لذلك في برامجها وسياساتها، ولا نرى أي برامج متخصصة تحاكي هذه الظاهرة وتضع حدا لتفاقمها، قضية البطالة اليوم تمثل قنبلة موقوتة لا تحتمل التأجيل، مع وصول معدل البطالة إلى 22.4%، يتعين على الحكومة الجديدة أن تضع هذا الملف في مقدمة أولوياتها منذ اليوم الأول، وتضع خطة واضحة لمواجهتها، فالبطالة ليست مجرد أرقام يتوجب علينا مراقبتها، بل هي تعبير عن ضياع فرص، وتعطيل طاقات، وغياب أفق لمئات الآلاف من الأردنيين الباحثين عن الأمل.

نمو اقتصادي غير كاف

لطالما رُبط الحل السحري للبطالة بالنمو الاقتصادي، لكن الواقع الأردني يثبت أن هذه العلاقة لم تجد لها سبيلا في استحداث فرص عمل جديدة لأكثر من 400 ألف متعطل عن العمل، فتباطؤ النمو ليس حديث الساعة، لكنه اليوم مقترن بحاجة ماسة وعاجلة لفرص العمل، وهنا يكمن دور الحكومة: النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق إلا بإصلاحات جذرية في بيئة الأعمال والاستثمار، فالمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء يواجهان صعوبات بيروقراطية معقدة، وكلف تشغيل مرتفعة، خصوصا في مجال الطاقة، ما يوجب أن يتم التركيز على تسهيل الإجراءات الحكومية وتقديم حوافز قوية، ليس فقط لجذب الاستثمارات، بل لإعادة الحياة إلى المشاريع المتعثرة وتوسيع طاقاتها.

التعليم والتدريب المهني: أساس الحل وليس ترفا

كثيرا ما نسمع عن حاجة سوق العمل لتخصصات جديدة، لكن الجامعات تواصل تخريج أفواج من الشباب والشابات في تخصصات غير مطلوبة رغم قرارت الحد من بعض التخصصات وتشجيع بدائلها، هذا الواقع لم يعد يحتمل، وعلى الحكومة الجديدة أن تأخذ على عاتقها إصلاح السياسات التعليمية بقرارات أكثر حزما وتناسقا مع سياسات سوق العمل، وضمان أن يكون التعليم العالي والتدريب المهني موجهين نحو احتياجات السوق الفعلية، التعليم المهني، على وجه الخصوص، يجب أن يتحول إلى أولوية، مع مشاركة فعالة من القطاع الخاص في تصميم وتنفيذ البرامج لضمان توافقها مع متطلبات السوق.

تمكين المرأة: النصف المهدور

من غير المعقول أن تبقى معدلات البطالة بين النساء عند مستويات صادمة تتجاوز 31%، فإذا كنا نتحدث عن اقتصاد متعثر وفرص عمل محدودة، فإن تجاهل نصف المجتمع ليس خيارا، الحلول هنا واضحة: توفير بيئات عمل مرنة تتضمن خيارات العمل عن بُعد وتوفير أماكن لرعاية الأطفال في مواقع العمل، لكن الأهم من ذلك هو تحطيم الحواجز الثقافية والتشريعية التي تمنع المرأة من الاندماج الكامل في سوق العمل، وضمان أن تحصل النساء على فرص متكافئة في التدريب والتأهيل والترقي الوظيفي.

الحماية الاجتماعية وتنظيم السوق غير الرسمي

لن تنجح أي خطة لمعالجة البطالة دون تعزيز نظم الحماية الاجتماعية، فالاقتصاد غير الرسمي يشكل حوالي 26% من الاقتصاد الأردني، ويعمل فيه ما يقارب نصف القوى العاملة في ظروف صعبة ومن دون حماية قانونية، التحول إلى الاقتصاد الرسمي ضرورة ملحة، وواجب الحكومة توفير حوافز قانونية ومالية للعاملين في هذا القطاع للانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، مع تحسين ظروف العمل وتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ليشمل الجميع.

نحو رؤية جديدة للنقل العام

النقل العام قد يبدو بعيدا عن النقاش حول البطالة، لكنه في الواقع عنصر رئيسي، كيف يمكن للعاملين التنقل بين المحافظات إذا كانت وسائل النقل غير متاحة أو مكلفة؟ تطوير شبكات النقل العامة يمكن أن يسهم في تسهيل حركة العمالة بين المحافظات، مما يعزز توزيع الاستثمارات جغرافيا ويخلق فرص عمل في مختلف أنحاء المملكة.

رسالة إلى الحكومة: لا مجال للانتظار

في نهاية المطاف، ملف البطالة في الأردن هو أكثر من مجرد قضية اقتصادية، إنه تحد اجتماعي وأمني لا يحتمل التأجيل، وعلى الحكومة أن تتحرك بسرعة وحزم، وتتبنى سياسات شاملة تعالج كل الجوانب المتعلقة بالاقتصاد، التعليم، والاستثمار، فالحلول معروفة ومتاحة، لكن النجاح يكمن في الإرادة السياسية لتطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع، فالوقت ليس في صالحنا، ومع كل يوم يمر دون إجراءات حاسمة، تتفاقم الأزمة.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version