سياسيون: اسرائيل غير مستعدة لحرب شاملة؛ وحزب الله في مأزق عسكري وسياسي

نخبة بوست – أماني الخماش

صعّدت إسرائيل مؤخراً حدة المواجهات العسكرية مع حزب الله من خلال توجيه ضربات تكتيكية وموجة هجوم غير مسبوقة، حيث استهدفت تفجير أجهزة “الباجر” وشبكة الاتصالات اللاسلكية لحزب الله، بالإضافة إلى اغتيال شخصيات قيادية بارزة من فرقة الرضوان – قوة النخبة في الحزب – وكان أبرزهم القيادي العسكري إبراهيم عقيل والقائد أحمد وهبي.

تزامنت هذه الأحداث المتسارعة مع نقل إسرائيل بعض الفرق والآليات العسكرية من غزة إلى الشمال، من بينها فرقة 98 التي تضم قوات خاصة ووحدات للمظليين. إضافة إلى ذلك، أغلقت إسرائيل المجال الجوي في الجهة الشمالية، مما زاد من احتمالية التوجه نحو سيناريو الحرب الشاملة في المنطقة.

أثارت هذه الخطوة تساؤلات عديدة حول سبب استخدام إسرائيل لهذه الورقة في هذا الوقت تحديداً، على الرغم من الضغوطات الداخلية والخارجية التي تواجهها لإيقاف الحرب على غزة. وقد بررت إسرائيل هذا التصعيد بضرورة تغيير الوضع القائم في الشمال لإعادة المستوطنين. ومع ذلك، تُطرح العديد من التساؤلات حول ما ستؤول إليه الأمور في لبنان وما هي سيناريوهات الحرب المحتملة مع حزب الله.

نصر الله: تلقينا ضربة قاسية وغير مسبوقة

"نخبة بوست" تقدم قراءة تفصيلية حول سيناريوهات الحرب المحتملة مع لبنان
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطابه الأخير

وفي ظل التصعيد الاسرائيلي مع لبنان، ظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطابه الأخير معلناً تلقي الحزب ضربة قاسية وغير مسبوقة، واصفاً الأيام الفائتة بأنها كانت ثقيلة ودامية، بسبب الضربات الإسرائيلية المتتالية، مؤكداً أن هذه الضربات لن تسقط الحزب ولن تنال من عزيمته.

وفي خضم هذه الأحداث، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة للتحذير من التصعيد في لبنان، وتخللها كلمة لوزير الخارجية اللبناني الذي أعرب عن رفضه لما قامت به إسرائيل في لبنان، واصفاً إياها بالعمليات الإرهابية، ومؤكداً أنها انتهكت بشكل صارخ القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.

وفي حصيلة غير نهائية، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن ارتفاع عدد شهداء الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت إلى 37، بينهم أطفال ونساء، ولا تزال عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض مستمرة.

أبو زيد: اسرائيل تتجه نحو حرب غير تقليدية عبر الهجوم السيبراني والإنزالات الجوية

من جهته، بين الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن جميع المعطيات لا تدعم خيار الذهاب إلى عمليات تقليدية، لأن البيئة الإقليمية والدولية لا تفضل هذا الخيار.

أبو زيد : الجانب الأمريكي منشغل حالياً بالانتخابات الرئاسية، وليس من مصلحته التورط في أزمة إقليمية جديدة، إضافة إلى أن أوروبا منشغلة بالحرب الأوكرانية الروسية، ولا تدعم خيار صراعات جديدة تزيد من أعبائها

وأوضح أبو زيد أن إسرائيل لا تستطيع تحمل تكاليف عملية عسكرية جديدة، لأن الفاتورة ستكون باهظة مقارنة بترسانة الأسلحة التي يمتلكها حزب الله، والإسرائيليون يدركون تماماً مخاطر الذهاب إلى حرب تقليدية مع الحزب، لذا فإن السيناريو المتوقع هو التوجه نحو حرب غير تقليدية، مثل الحروب السيبرانية والإنزالات الجوية.

وأشار أبو زيد إلى أن إعادة سكان الشمال هي من الأهداف الميدانية الرئيسية، وهذا ما أدى إلى زيادة حدة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي. وقد دفع ذلك إلى اتخاذ القرار بتعديل أهداف الحرب لتشمل إعادة المستوطنين، وعلى إثر ذلك تم نقل الثقل العسكري إلى جبهة الشمال.

المؤشرات تدل على أن الجانب الإسرائيلي يزيد التصعيد الإعلامي لتخفيف العمليات العسكرية في غزة، بعد إدراكه أن الاستعصاء العسكري والدبلوماسي في قطاع غزة قد بلغ ذروته

وفيما يتعلق بقرار إعادة سكان الشمال، أوضح أبو زيد أن منطقة الحزام الناري مع حزب الله هي مناطق تسكنها فئة الأشكناز، الذين يمثلون نخبة المجتمع الإسرائيلي من السياسيين والاقتصاديين والجنرالات، بينما مستوطنات غلاف غزة يسكنها السفارديم، وهم الطبقة الأدنى في المجتمع الإسرائيلي. وهذا يفسر دفع إسرائيل باتجاه إعادة الأشكناز إلى المستوطنات الشمالية، رغم أن السفارديم هم الأكثر تضرراً من الحرب.

وأضاف أبو زيد قائلاً: “إسرائيل توحي بأن نقل الفرق من غزة يهدف إلى فتح جبهة جديدة في الشمال، لكن هذا غير ممكن في العرف العسكري، لأن القوات المتواجدة في غزة متهشمة وتحتاج إلى وقت طويل لإعادة بناء قوتها.”

وأشار أبو زيد إلى أن العمليات العسكرية في الجبهة الشمالية وصلت إلى حالة استعصاء قد تدفع باتجاه التهدئة، خاصة مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة. ولكن خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أشار إلى معادلة وحدة الساحات واستقلالية الجبهات، مما يعني أن حزب الله سيظل داعماً لغزة.

أبو نوار: خيار الحرب الشاملة “مستبعد”

من جانبه، أوضح الخبير العسكري د. مأمون أبو نوار أن الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل تستهدف ضرب مراكز القيادة في حزب الله، وهو ما يعتبر مركز الثقل الاستراتيجي للحزب.

وأشار إلى أن هذا النوع من الهجمات يعد من أشكال الحروب القديمة المتجددة، حيث يسعى الإسرائيليون إلى توجيه ضربات في العمق، إضافة إلى الدخول في اشتباكات متفرقة في مناطق مثل الجليل، بهدف إجبار حزب الله على التراجع وقبول الأهداف الإسرائيلية.

إسرائيل تعمل على استهداف قيادات الحزب وأجهزة الاتصال لتجنب الدخول في حرب برية، فهي لا تملك القدرة على توسيع نطاق الحرب بالرغم من سيطرتها الجوية المطلقة

ولفت أبو نوار إلى أن حزب الله يمتلك قيادة وقدرات اتصالات تمكنه من إدارة الحرب واستمرارها، بالإضافة إلى ترسانة عسكرية تتيح له استهداف المطارات ومراكز الاستخبارات الإسرائيلية، مما قد يعطل القدرات الجوية الإسرائيلية.

أبو نوار: حزب الله سيرد على إسرائيل، ولكن في إطار محدود، وقد يتوسع الصراع ضمن معادلة تقوم على قصف تل أبيب مقابل قصف بيروت

وأوضح أن الضربات الإسرائيلية تهدف إلى قطع الاتصالات بين عناصر حزب الله وشل قدراته العسكرية، لكنها لم تحقق نتائج تُذكر، وأضاف أن توسع الحرب ليس من السيناريوهات المرجحة، حيث أن الحرب الميدانية ليست في مصلحة إسرائيل، نظراً لقدرات الحزب الهائلة، ومنها الأنفاق العابرة للحدود التي قد تُدمر البنية التحتية للقدرة الجوية الإسرائيلية.

وأضاف أبو نوار “الدخول في حرب شاملة يتطلب موافقة دول الخليج التي لن تقبل بإقحام نفسها في حرب ضد إيران، كما أن الأردن والسعودية لن تسمحا لإسرائيل باستخدام أجوائهما لضرب إيران، لعدم رغبة هذه الدول في الدخول بمواجهات تمس أمنها القومي، ولما قد تترتب عليه هذه الحرب من تبعات إقليمية.”

ماضي: توسيع الحرب ليس من السيناريوهات المرجحة

من جهته، أوضح أستاذ العلاقات الدولية د. بدر ماضي أن توسيع الحرب ليس من السيناريوهات المرجحة، لأن حزب الله لا يرغب في الانخراط في حرب شاملة لأسباب تتعلق به وبراعيه الأساسي إيران، لاسيما وأن الحزب يسعى للحفاظ على دوره كعنصر توازن في المنطقة، دون تجاوز هذا الحد الذي قد يؤدي إلى تصفيته وتصفيه النفوذ الإيراني في لبنان.

ماضي: السقف الذي حددته إيران لحزب الله لا يسمح بالذهاب نحو حرب شاملة، لأن إيران ليست معنية بتصفية الحزب عبر حرب مع إسرائيل في هذا التوقيت؛ وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدها الحزب مؤخراً، إلا أن من يخطط لأي حرب شاملة مع إسرائيل هي إيران

وقال “قد تستغل إسرائيل ضعف حزب الله بعد تدمير معظم قياداته العسكرية للقيام بمغامرات أكبر في جنوب لبنان، وربما دفعه للتراجع إلى ما بعد نهر الليطاني.”

وفيما يتعلق برد حزب الله على التفجيرات والاغتيالات الأخيرة، أشار ماضي إلى أن الحزب لا يستطيع توجيه ضربات قاسية لإسرائيل خوفاً من رد إسرائيلي عنيف، وأضاف أن القيادات في الحزب لا تملك خيارات كثيرة سوى إرسال رسائل تؤكد أن الحزب ما زال قوياً وسيرد في الوقت والمكان المناسبين.

كما أوضح ماضي أن حزب الله ربط جبهة الشمال بمسألة وقف إطلاق النار في غزة، ولا توجد حتى الآن أي اتفاقات بهذا الشأن، مما يجعل الحزب في مأزق عسكري وسياسي. ولا يمكن للحزب التراجع إلا ضمن الحدود التي ستسمح بها إيران، وقد يتم ذلك عبر إعلان تحقيق الردع مع إسرائيل.

واختتم بقوله “الوضع الحالي لحزب الله أصعب مما كان عليه بعد اغتيال فؤاد شكر، ما يحدث الآن هو تدمير للبنية الاجتماعية والعسكرية في جنوب لبنان، والحزب يمر بمرحلة صعبة جداً، مما يجعل سيناريو الحرب الشاملة مستبعداً.”

طلب: الطرفين في مأزق .. واسرائيل غير جاهزة لـ “التدخل البري”

على صعيد متصل، أكد الصحفي والمحلل السياسي رجا طلب أن حزب الله لن يتجاهل الرد، وهو يمتلك قدرات صاروخية ستُستخدم لتأكيد معادلة الردع، مضيفا أن ما قامت به إسرائيل مؤخراً من تفجيرات وأعمال اغتيال يمثل مرحلة جديدة من الحرب، وهي محاولة لاستعادة الردع.

وأوضح طلب أن الحرب قد بدأت بالفعل، رغم أن القوات الإسرائيلية لم تطأ أرض الجنوب اللبناني وتعتمد الخطة الإسرائيلية على استراتيجية التفجير والاغتيال لإضعاف قدرات حزب الله المادية والبشرية، حيث يعتقد الإسرائيليون أن إضعاف هذه القدرات، خاصة بعد الضربة القاسية التي تلقاها الحزب في حارة حريك، سيحد من رغبة الحزب في التصعيد.

وأشار طلب إلى أن أحد الأهداف الإسرائيلية قد يكون الضغط على الحزب لفصل جبهة غزة عن جبهة جنوب لبنان، لكن هذا السيناريو مستبعد.

وأضاف أن حزب الله سيستمر في مقاومة محاولات الردع الإسرائيلية، دون أن يبدو منهزماً، وأوضح أن الجيش الإسرائيلي، على الرغم من تفوقه التكنولوجي، يحتاج إلى تدخل بري، وهو ما لا يستطيع القيام به حالياً.

طلب:  الطرفين في مأزق، حيث لا يستطيع حزب الله التنازل عن موقفه، بينما إسرائيل أعلنت أنها لن توقف العمليات إلا بعودة المستوطنين، كما أن الحرب لا تسير وفق منظومة أخلاقية والإسرائيلي تجاوز الخطوط الحمراء

وأشار إلى أن نتنياهو يرغب في توسيع نطاق الحرب لتشمل إيران، مما قد يؤدي إلى حرب شاملة، لكن من الصعب التنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية.

شنيكات: قصف مكثف لإجبار الحزب على قبول “التسوية”


“نخبة بوست” وجهت السؤال حول سيناريوهات الحرب المحتملة مع لبنان لرئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، وفي هذا الصدد قال شنيكات إن حزب الله سيجري مراجعة قبل التوجه نحو الحرب الشاملة، لافتا إلى أن الاختراقات التكنولوجية التي حققتها إسرائيل واستهداف القيادات العليا والوسطى للحزب تعكس مستوى عالياً من الاختراق.

وفيما يتعلق بتوسيع نطاق الحرب، أوضح شنيكات أن ذلك يعتمد على إسرائيل التي وضعت شروطاً لحزب الله، من ضمنها عودة المستوطنين إلى شمال فلسطين. وإذا التزم الحزب بهذا المعيار، فقد توقف إسرائيل الحرب، لكن في حال عدم تحقق ذلك، فمن المتوقع استمرار القصف المكثف على جنوب لبنان لإجبار الحزب على قبول التسوية.

وأضاف شنيكات أن إسرائيل قد تذهب إلى إقامة شريط أمني على الحدود اللبنانية، مما سيؤدي إلى توسيع نطاق الحرب. وأوضح أن الحزب قد يرد بقوة على خسائره البشرية، خاصة بعد تدمير العديد من قياداته.

واختتم شنيكات بالقول “حتى الآن، لا توجد خطوط حمراء لدى إسرائيل، ومن جهة حزب الله، وكما جاء على لسان أمينه العام، فقد ربط إنهاء الحرب بوقف الهجمات على غزة، وربط التصعيد الإسرائيلي بتصعيد من جانب الحزب”

الخلاصة

بالرغم من استبعاد سيناريو الحرب الشاملة، إلا أن كل الاحتمالات واردة في ظل وجود قيادة إسرائيلية تسعى لتوسيع رقعة الحرب وإطالة أمدها لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، خاصة فيما يتعلق باستعادة هيبة القيادة الإسرائيلية وتقديم صورة نصر لنتنياهو.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version