نخبة بوسترولا أبورمان

على مقربة أيام من دخول عملية “طوفان الأقصى” عامها الأول ، نسترجع تاريخ الحروب العربية مع الكيان الإسرائيلي، والذي يحمل في طياته هزائم مؤلمة لهذه الدول ، وقد وثقتها كتب التاريخ بإضاءة على تلك اللحظات، بدءًا من حرب عام 1948 أو ما يعرف بـ “النكبة”، إذ تُعتبر هذه الحرب الأولى بين العرب وإسرائيل؛ حيث تسببت في هزائم كبيرة للجيوش العربية بعد إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وعليها أسست إسرائيل وطنًا قوميًّا لليهود، مستندةً إلى مزاعم دينية وتاريخية؛ مما أدى إلى تنفيذ حركات تهجير واسعة لليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين.

لم تكتفِ إسرائيل بانتصارها الاول على العرب، بل شنت حربها الثانية في عام 1967 ضد ثلاث دول عربية مجاورة، وأسفرت عن هزيمة ساحقة خلال حرب استمرت ستة أيام، وقد أدت هذه الحرب إلى احتلال مزيد من الأراضي العربية، والتي عرفت بـ “النكسة.

أما عن الأسباب المباشرة، فتقف في طليعتها قرارات وأحداث مهمة، من بينها مطالبة مصر بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وبدؤها حشد جيشها في سيناء، وإغلاقها يوم 22 مايو/أيار “مضيق تيران” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان رسمي للحرب عليها.

وبعدها، وعلى مدار سنوات، خاضت الفصائل الفلسطينية سلسلة من العمليات العسكرية والثورية والانتفاضات بهدف تحرير أراضيها المحتلة، حتى جاء 7 أكتوبر 2023 أو ما يعرف بـ “طوفان الأقصى”، والذي يراه البعض أنه أعاد إحياء القضية الفلسطينية وكسر الغطرسة الإسرائيلية التي تتغنى بها كـ “جيش لا يقهر”.

فيما وصفه البعض بأنه غير الأيديولوجيا لدى هذه الفصائل، حيث أصبحت تدرك أن خطوط الإمداد العربية العسكرية التي اعتادت عليها في “النكسة” و”النكبة” لم تعد موجودة.

وهنا؛ اتجهت آمال هذه الفصائل الفلسطينية في غزة وباتت معلقة بالدعم الإيراني وأذرعها في المنطقة كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن،  ومع ذلك حولت التحركات والتصريحات الأخيرة لإيران هذه الآمال إلى “فقسة“.

ويزيد من تعقيد الوضع أن ميزان القوى يميل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، بفضل ما يمتلكه من تقنيات عسكرية متطورة، بالإضافة إلى الدعم الغربي والأمريكي المستمر، مع تزايد الحديث عن تخلي إيران عن حلفائها، وسلوكها مسار السلام والمفاوضات.

الرئيس الإيراني: لا نريد الحرب

شنت إسرائيل فجر اليوم الأربعاء سلسلة غارات على عدة مناطق في لبنان في خطوة وصفت بالانتقالية، في وقت صعد فيه حزب الله استهدافاته لقواعد عسكرية إسرائيلية جديدة، ولافت في المشهد أن لا رد مباشر لإيران على ذلك، حتى أن التصريحات الأخيرة لرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ونائبه محمد جواد ظريف، على هامش المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، يراها البعض أنها رضوخ إيراني صريح في وجه الأهداف الإسرائيلية وتخلي عن “مشروع المقاومة.”

إذ أشار بزشكيان إلى أن حزب الله لا يمكنه أن يقف بمفرده “ضد دولة يدعمها الغرب ويزودها بالسلاح”.

وتابع “نحن لا نريد الحرب.. نريد أن نعيش بسلام، لا نرغب في أن نكون سببا في عدم الاستقرار في المنطقة”.

وقال يجب ألا يسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف

من جانبه، قال جواد ظريف، إن بلاده مستعدة للتعاون مع الدول الأخرى لوقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأعرب عن رغبة بلاده في التحرك “نحو عالم أكثر سلاما واستقرارا”، وأضاف “لا نسعى للحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا”.

فيما أوضح محللون أن هذه التصريحات إشارة منهما أن إيران لن تشارك في الحرب الدائرة في جنوب لبنان، وأنها على استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018، و هذا ما يدعم المقولة الدائرة في عالم السياسة: “ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة”، ويفتح باب التساؤلات عمّا يحدث داخل إيران أكثر مما يفتح الأسئلة عمّا يحدث في “حزب الله” أو في “حماس”.

من جهته، نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشكل قاطع ما أُثير في التقارير الإعلامية حول رئيس الجمهورية الإيرانية بخصوص “خفض التوتر مع إسرائيل”، إذ نقلت وسائل إعلام محلية عن عراقجي قوله إن “بيزشكيان لم يدلِ بمثل هذا التصريح على الإطلاق”.

فيما انتقد المرشد الإيراني علي خامنئي موقف الولايات المتحدة الداعم للعدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، وقال إن واشنطن تعلم بجرائم الكيان الصهيوني وتدعمه وتحتاج إلى انتصاره.

بدوره، بعث سيد حسن خميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رسالة إلى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، انتقد خلالها ما وصفه “بالصمت المخزي” للحكومات و”المشاهدة المخجلة” من قبل الحكومات الشرقية، إزاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في لبنان.

وأعلن خميني استعداده “لتقديم أي خدمة في سبيل الدفاع عن الإسلام وفي طريق الجهاد ضد الكيان الصهيوني المزيف”.

الرد الإيراني المنتظر “المزعوم”

وعلى صعيد متصل، توالت على الساحة الإقليمية سلسلة من الأحداث والعمليات التصعيدية خاضتها إسرائيل ضد إيران وأذرعها في المنطقة، ظن البعض أنها ستؤدي إلى اندلاع حرب إيرانية على إسرائيل كنوع من رد الاعتبار على العمليات المتكررة.

ابتداءً من 1 أبريل/ نيسان 2024، نفذت إسرائيل هجومًا بطائرة مسيرة على مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق؛ مما أسفر عن مقتل القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، محمد رضا زاهدي،  جاء الرد الإيراني من خلال إطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة لاستهداف أهداف محددة في الأراضي المحتلة، وتبين لاحقًا أن هذه العملية كانت منسقة مع الولايات المتحدة وبمعرفة إسرائيل بالتوقيت المحدد لوصول الصواريخ.

19 مايو/أيار 2024 أثار مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية الإيراني وآخرين تكهنات وتساؤلات بشأن حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقلهم، فيما إن كانت الحادثة مدبرة أم بفعل سوء الأحوال الجوية السائدة حينها.

وعلى إثرها، وجهت أصابع الاتهام لشخصيات قيادية إيرانية كنوع من ‘الصراع على العروش’، فيما تلقت إسرائيل وحلفاؤها نصيبها من هذه الاتهامات، وخاصة بعد انتشار صور أظهرت أن رئيسي كان يمتلك جهاز ‘البيجر’، إلا أن إيران نفت كل هذه المزاعم وأكدت على سيناريو ‘الظروف الجوية’.”

وفي 30 يوليو/تموز 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، الحليف الرئيسي لإيران، في غارة جوية على مبنى في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي اليوم التالي، 31 يوليو/تموز 2024، من اغتيال شكر، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن مقتل رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية إثر استهدافه بغارة إسرائيلية،  وصادم في الامر أن استهداف هنية كان على الأراضي الإيرانية أثناء إقامته في مقر خاص لقدامى المحاربين بطهران.

وبحسب وسائل إعلام إيرانية، فإن الاستهداف تم عبر صاروخ أطلق من بلد إلى بلد وليس من داخل إيران،  ورغم هذا التهديد الأمني واختراق السيادة الإيرانية، إلا أن إيران اكتفت بتصريحات تصعيدية وتهديدات، متبنية سياسة الغموض وتأجيل الرد كورقة ضغط على نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة،  إلا أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة في حربها بتغيير قواعد الاشتباك إلى الشمال وصدامها المباشر مع حليفها الإقليمي الأهم لإيران.

18 سبتمبر/أيلول تاريخ لمرحلة انتقالية جديدة بدأت بها إسرائيل في حربها في الشمال في محاولة لتحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في “اقتلاع منظمة حزب الله والقضاء عليها”،  إذ أقدمت على تفجير أجهزة جهاز النداء اللاسلكي “البيجر”، وعلى إثرها شاب العملية غموض وتساؤلات ما إن كانت العملية اختراقًا سيبرانيًا أم زرعًا للمتفجرات، في ظل تكتم إسرائيل وعدم تبنيها للعملية ‘صراحة’.

أمين عام حزب الله حسن نصرالله

في السياق ذاته، أثارت تصريحات البرلماني الإيراني أحمد بخشايش أردستاني التساؤلات حول تورط إيران في شراء أجهزة “بيجر'” لحزب الله وتنفيذ عمليات دقيقة غير مسبوقة ضد حلفائها، في  محاولة للتخلص منهما.

في اليوم التالي الموافق 19 سبتمبر/أيلول، شنت إسرائيل الغارات الأكثر كثافة على لبنان منذ بدء الحرب على غزة قبل نحو عام، وربما تكون هي الغارات “الأشد وطأة” منذ سنوات طويلة، وفق تأكيدات مصادر لبنانية، حيث تتصاعد أصوات الصواريخ واشتعلت السماء بوميض الانفجارات، فيما تقف المنطقة على حافة الهاوية التي يحذر منها العالم من قلق حرب شاملة وسط ترقب للرد الإيراني.

وفي السياق ذاته، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في تصريحات، إن الجيش الإسرائيلي يعمل على تغيير ميزان القوى في الشمال من خلال إزالة صواريخ حزب الله.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت

وفي هذا الصدد، تداولت وسائل إعلام خارطة الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت قيادات لحزب الله منذ 7 أكتوبر، تحمل صورًا لقيادات بارزة في حزب الله، تضمن القائمة أسماء مثل: (فؤاد شكر، إبراهيم عقل، محمد نعمة الناصر، سامي طالب عبدالله، أبو حسن سمير، جواد الطويل)، كما احتوت الهيكلة على صورة للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.

سلسلة القيادة العسكرية لمنظمة حزب الله
قادة الصف الأول في قوة الرضوان الذين تم قتلهم في الهجوم

الخلاصة .. الأولوية للمشروع النووي الإيراني

يبدو أن استمرار سلسلة العمليات التصعيدية التي سبقت عملية طوفان الأقصى، المتمثلة في حصول إسرائيل على أرشيف الملف النووي السري، واغتيال محسن فخري زاده، كبير علماء الذرة الإيرانيين، بالقرب من العاصمة طهران، والعمليات التي أعقبت عملية 7 أكتوبر، توضح مكامن إسرائيل، والتي تتمثل في محاولة إنهاء النفوذ الإيراني من خلال اقتلاع أذرعها في المنطقة.

فعند النظر إلى خلفية الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزيشكيان وتوجهاته الإصلاحية، نجد أنه أكد في بيانه الانتخابي أن سياسته الخارجية لن تكون “معادية للغرب أو الشرق”،  هذا يتناقض مع الفصيل المحافظ الأكثر تشددًا، الذي يفضل نموذجًا أكثر تطرفًا من الإيديولوجية الإسلامية للنظام.

 يثير ذلك سؤالاً حول ما إذا كانت إيران قد أعادت ترتيب أولوياتها في سياستها الخارجية، ساعية نحو التقارب مع الغرب لتعزيز مشروعها النووي ورفع العقوبات، على حساب نفوذها التوسعي وأذرعها العربية، أم أنها تعاني من ضعف وانقسام داخلي بين الحرس الثوري والتيار المعارض؛ مما يؤثر على قدرتها على التصدي للتهديدات الأمنية، أم لدى إيران رؤية أخرى للأمور الجارية؟!

يذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي صرح مؤخرا أن المسؤولين الإيرانيين لديهم رغبة أكبر في التعاون مع الوكالة على نحو أكثر جدية بعد محادثات أجريت في نيويورك، وهذا يقد يعطي مؤشرا للموقف الإيراني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version